;

مصطلح حرب العصابات (Guerrilla)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 23 يناير 2023

يستخدم مصطلح حرب العصابات بكثرة في وسائل الإعلام، وأخذ حيزاً هاماً من المهتمين بالسياسة والحروب على اعتبار أن هذا النوع من الحروب ذو طبيعة خاصة ومواجهته غير مضمونة النتائج حتى الآن، سنتعرف في هذا المقال على هذا المصطلح.. كيف ظهر؟ ومتى؟ من يستخدم أسلوب حرب العصابات؟ وما الغاية منها؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

 

جذور مفهوم حرب العصابات تعود إلى اللغة الإسبانية

يُعرف مصطلح حرب العصابات باللغة الإنجليزية باسم (Guerrilla)، وباللغة الفرنسية باسم (Guérillas)، تعود جذور هذا المصطلح إلى الكلمة الإسبانية (Guerrilla) وتعني الحرب الصغيرة.

استخدم لوصف التكتيكات التي نفذها الإسبان في مواجهة النظام الذي فرضه الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت بعد احتلاله إسبانيا في بداية القرن التاسع عشر، ثم انتقل المصطلح إلى اللغة الإنجليزية في وقت مبكر من عام 1809، حيث استُخدم للإشارة إلى المقاتلين (على سبيل المثال، "أخذت المدينة من قبل العصابات (المقاتلين)")، وأيضاً - كما هو الحال في اللغة الإسبانية - للدلالة على مجموعة أو فرقة من هؤلاء المقاتلين.

ومع ذلك، في معظم اللغات لا يزال يستخدم مصطلح حرب العصابات للدلالة على نمط معين من الحروب؛ يقوم بين مجموعات مسلحة وجيش نظامي.

تعريف حرب العصابات

حظي مصطلح حرب العصابات بالاهتمام الكبير في محاولة لوضع تعريف واضح له، ومن المهتمين بتعريفه كان القاموس السياسي الفرنسي (Le Dictionnaire De Politique) الذي عرّف حرب العصابات بأنها: "الحرب التي تحصل بين مجموعات صغيرة وجيش نظامي، تستخدم خلالها المجموعات الصغيرة أسلوب المضايقة (مثل: إطلاق قذائف الهاون على النقاط العسكرية، رصاص القنص) والكمائن وعمليات التخريب للانتصار على الجيش النظامي".

من جهتها عرّفت موسوعة لاروس الفرنسية حرب العصابات بأنها: "شكل من أشكال الحروب التي تتميز بقيام جنود مسلحين باستخدام أفعال التحرش (إطلاق النار على النقاط العسكرية، تفخيخ مخافر الشرطة) والكمائن، حيث تؤدي هذه الحروب إلى زعزعة استقرار النظام، بالتالي تسهيل هزيمته والانتصار عليه من قبل المسلحين".

أما موقع ميريم ويبستر البريطاني (Merriam Webster) فقد عرّف حرب العصابات بأنها: "الأعمال العسكرية غير النظامية (مثل والتخريب) التي تقوم بها قوات صغيرة عادة مستقلة ضد جيش نظامي"، في حين عرّف قاموس إربان البريطاني (Urban Dictionary) حرب العصابات بأنها: "حرب تقوم بها قوة صغيرة غير نظامية ضد قوة منتظمة كبيرة، تستخدم من خلالها هذه القوة الصغيرة مجموعة من التكتيكات، منها: (عنصر المفاجأة، التخريب، تدمير خط الأعداء والاتصالات،... الخ)".

 

ما هي الملامح التي تميز حرب العصابات عن غيرها من الحروب؟

حدد القاموس السياسي الفرنسي ملامح لحرب العصابات، هي:

  1. عدم تكافؤ القوى (العدد والتسليح والتنظيم)، فالجيش النظامي يكون ذو عدد كبير يملك مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الدبابات والطائرات، في حين أن المجموعات المسلحة يكون عددها قليل مقارنةً بالجيش النظامي، كما أن الأسلحة تكون لديها محدودة مقارنةً بالجيش النظامي (حزب الله، وجيش الاحتلال الإسرائيلي).
  2. عنصر المفاجأة في الهجمات، غالباً ما تقوم المجموعات المسلحة بهجمات فجائية ضد معسكرات وأماكن تجمع عناصر الجيش النظامي (كما فعل رجال الثورة الجزائرية ضد الجيش الفرنسي خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر في عام 1954).
  3. صعوبة الوصول للمكان الذي تنطلق منه المجموعات المسلحة، إذ غالباً ما تتمركز المجموعات المسلحة في أماكن يصعب الوصول إليها من قبل الجيش النظامي كالجبال والغابات، بحيث تصبح معه الغارات الجوية سلاحاً غير فعّال في مواجهة هذه المجموعات (حركة طالبان الذين كانوا يختفون في جبال أفغانستان خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام 1979).
  4. التنقل والمرونة وتشتت المسلحين، تتميز حرب العصابات بأنها تقوم على سرعة تنقل المجموعات المسلحة ومرونتها في الهجوم على النقاط العسكرية وسرعة الانسحاب والاختفاء من وجه الجيش النظامي (مثل: عمليات الجيش الأحمر الصيني ضد الجيش الياباني خلال غزو اليابان للصين بين عامي 1937 و1945).
  5. أي خط هو خط جبهة، يمكن أن تقوم المجموعات المسلحة بحرب العصابات على مختلف الجبهات سواء في الأرياف أو المدن، أمام الجيش النظامي للدولة ذاتها، أو لدولة الاحتلال، كمثال (حزب الله اللبناني استخدم حرب العصابات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي عندما غزت لبنان في حرب تموز/يوليو عام 2006).
  6. علاقة قوية مع السكان المحليين، تتميز حرب العصابات بتمتع المجموعات المسلحة التي تستخدم هذا النوع من الحروب بعلاقة قوية مع السكان المحليين بما يمكن وصفه باسم (الحاضنة الشعبية) (كالدعم الذي حظي به الجيش الأحمر الصيني خلال الحرب الأهلية الصينية نتيجة وعد ذاك الجيش للفلاحين بتوزيع الأراضي الزراعية عليهم إذا انتصر في الحرب).
 

استراتيجية حرب العصابات

تقوم استراتيجية حرب العصابات وفق ما ذكر المؤرخ العسكري الهولندي مارتن فان كرمفيلد (Martin van Creveld) في كتابه (التكنولوجيا والحرب الثانية: حرب ما بعد الحداثة؟) (? Technology and War II: Postmodern War)، الصادر في عام 2000؛ على التركيز على استخدام قوة متنقلة صغيرة تتنافس ضد قوة أكبر وأكثر عمقاً.

وتركز العصابات على تنظيم عناصرها في وحدات صغيرة، وهذا يتوقف على دعم من السكان المحليين، فضلاً عن الاستفادة أكثر من التضاريس التي تسمح باستيعاب وحدات صغيرة تختبئ في مغاورها، وكمثال على نجاح هذه العمليات انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي أو في الأحياء السكنية في المدن.

تكتيكات حرب العصابات

تسعى العصابات لإتباع تكتيكات مفادها تجنب أي مواجهة مباشرة مع وحدات كبيرة من قوات العدو، لكنها في الوقت ذاته تسعى للقضاء على مجموعات صغيرة من الجنود للحد من الخسائر (خسائر المجموعة المسلحة) واستنفاد القوة المواجهة بهدف إضعافها وإجبارها على الانسحاب.

وقد لخص الزعيم الصيني ماو تسى تونغ (Zh-Mao Zedong) تكتيكات حرب العصابات الأساسية في بداية الحرب الأهلية الصينية الثانية التي استمرت بين عامي 1945 و1950 بما يلي: "يتقدم العدو، فنتراجع، ثم نهاجم معسكرات العدو، فيتراجع العدو ونتقدم نحن"، وتستخدم تكتيكات حرب العصابات وفق المناضل الأرجنتيني تشي غيفارا (Che Guevara)؛ من قبل الجانب الذي تدعمه الأغلبية لكن لديه عدد أقل بكثير من الأسلحة لاستخدامها في الدفاع ضد القمع الذي يمارسه الجيش.

حجم المجموعة العصابة في حرب العصابات

تلجأ العصابات غالباً إلى تقسيم نفسها لمجموعات صغيرة تسهِّل عليها الحركة، يتراوح عدد عناصر المجموعة في البداية بين الخمسة عناصر وأحد عشر عنصراً، وقد تصل إلى مئة وخمسين عنصراً أو أكثر في مراحل متقدمة من عمر المجموعات المسلحة، ففي الحرب الأهلية اليونانية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي كانت هذه المجموعات المسلحة مكونة من أربعة آلاف مقاتل شيوعي مقسمين إلى وحدات من مئة وخمسين مقاتلاً.

ومع زيادة القوة تطورت إلى كتائب مكونة من مئتين وخمسين مقاتلاً، وفي فيتنام تم تنظيم الميليشيات الفيتنامية في البداية ضمن فرق صغيرة توسعت إلى كتائب، لكن التوسع غير الضروري قد يؤدي إلى إخفاقات أمنية وفقدان جزئي للسيطرة كما حدث في إيرلندا الشمالية (الجيش الجمهوري الايرلندي) وكولومبيا (القوات المسلحة الثورية الكولومبية) وفلسطين (المنظمات الفلسطينية كحركة الجهاد الإسلامي وغيرها)، وظلت وحدات حرب العصابات في المناطق الحضرية في معظمها صغيرة ومنظمة، الأمر الذي أثبت فعاليتها من الناحية الأمنية.

 

أهداف حرب العصابات

تسعى العصابات في استخدامها لحرب العصابات لتحقيق عدد من الأهداف، "فلكل حرب عصابات هدف" حسب الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، الذي أضاف: "إذا كانت حرب العصابات بدون هدف سياسي تفشل، كما أن حرب العصابات يجب أن تتفق أهدافها السياسية مع تطلعات الشعب وتعاطفه، حتى تحظى هذه الحرب بتعاون ومساعدة وتعاطف من الشعب"، وهذه الأهداف هي:

  1. تحرير بلد من نير الاستعمار أو من حكم الغازي، وكأمثلة على ذلك: العمليات التي قام بها الثوار في الثورة الجزائرية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، العمليات التي قام بها حزب الله خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والتي أدت إلى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في الخامس والعشرين من شهر أيار/ مايو عام 2000، العمليات التي نفذها حزب الله عندما حاولت القوات الإسرائيلية التوغل في جنوب لبنان خلال حرب تموز/ يوليو عام 2006.
  2. إنشاء أو استعادة حكومة تمثيلية بدلاً من ديكتاتورية عسكرية أو استبدادية، كالثورة الكوبية التي قامت في عام 1959.
 

دور الحاضنة الشعبية في استمرار حرب العصابات

تنطلق العصابات في حربها (حرب العصابات) من الشعب الذي يدعم بدوره وجودها ليس فقط بتزويد الأبناء والبنات بالقضية (أي تحويل هذه القضية إلى عقيدة مثل عقيدة مناهضة الاحتلال)، لكن أيضاً من خلال مدِّ العصابات بالأموال والغذاء والمأوى والملجأ والنقل والمساعدات الطبية والدعم الاستخباراتي الذي يجب عدم تقديمه للعدو.

كتب الجندي اليوناني الذي قاد التمرد القبرصي حيث ثار القبارصة اليونانيين ضد الاستعمار البريطاني في الخمسينات من القرن الماضي جورجيوس جريفاس: "إن حرب العصابات ليس لها فرصة للنجاح ما لم تحصل على الدعم الكامل وغير المتحفظ من غالبية سكان البلاد"، وأكد الزعيم الصيني ماوتسي تونغ أهمية السلوك المناسب للقوات: "كان مطلوباً من حرب العصابات الصينية كي يقدم لها الفلاحون الأغذية أن يحترم مقاتلوا حرب العصابات الفلاحين ويحترمون ممتلكاتهم، ويحترموا نسائهم وأطفالهم".

ومن الأمور الأساسية للحفاظ على الدعم المحلي والحصول على الدعم الدولي دعاية نشطة وذكية وقابلة للتصديق من خلال الصحافة والتلفزيون، فالدعاية بحسب الضابط البريطاني توماس إدوارد لورنس (المعروف باسم لورنس العرب، شارك خلال الثورة العربية الكبرى ضد الاحتلال العثماني في عام 1916) هي: "سلاح ملقىً في الشارع، يمكن لأي من الجانبين التقاطه واستخدامه، وهو أقوى من أي سلاح آخر".

حيث أصبحت اليوم صور صدامات العصابات والمعارك التي يقومون بها مع الجيش النظامي تُنشر بشكل فوري عبر القنوات الفضائية والإنترنت في جميع أنحاء العالم، وقد استخدمته العصابات الليبية خلال الثورة الليبية في عام 2011.

 

الأسلحة التي يستخدمها المقاتلون في حرب العصابات

تستخدم العصابات في حربها (حرب العصابات) مجموعة واسعة من الأسلحة، بعضها محلي الصنع، والبعض الآخر تمت مصادرته من النقاط العسكرية التي هاجمتها هذه العصابات، إضافةً لمصادر خارجية من الدول والمجموعات التي تدعم هذه العصابات، ففي المراحل المبكرة من التمرد كانت الأسلحة تاريخياً بدائية، ففي فيتنام اعتمد المقاتلون الفيتناميون على بنادق محلية الصنع وقنابل يدوية في مواجهة الجنود الفرنسيين والأمريكيين، ثم اعتمدوا على الأسلحة المسروقة من مستودعات الجيش والشرطة.

وخلال الحرب الباردة أدى انتشار الأسلحة على نطاق واسع في العالم لإضافة بعدٍ جديدٍ لقدرات العصابات، حيث أن القوى العظمى والدول الأخرى قدمت بنادق هجومية حديثة ومدافع رشاشة وقذائف هاون وأسلحة متطورة مثل: قنابل صاروخية وقذائف مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات.

فعلى سبيل المثال أدى انهيار الاتحاد السوفييتي وتحول بعض جمهورياته لدول مستقلة إلى بيع كميات كبيرة من الأسلحة، كما جاءت العديد من الأسلحة من الترسانات المزدحمة للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا وإسرائيل.

وقد أثبتت هذه الهزة أنها سيف ذو حدين للمتمردين، فعلى الرغم من أنها قد حسنت من قدرتهم على البقاء، إلا أنها أنتجت أيضاً متطلبات مالية وسوقية كبيرة لتوفير ثمن هذه الأسلحة التي غالباً ما تقوم المجموعات المسلحة بالحصول على ثمنها من خلال أخذ أتاوات من الناس بحجة حمايتهم كما فعلت داعش في سورية والعراق، التي قامت بالإضافة لذلك بالسيطرة على بعض حقول النفط واستثمارها وبيع منتجاتها والاستفادة من ثمنها لشراء المزيد من الأسلحة (فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريراً يشير إلى أن داعش تعد أغنى منظمة إرهابية في العالم نتيجة استفادتها من آبار النفط والغاز).

 

الفرق بين حرب العصابات والإرهاب

فرّق القاموس السياسي الفرنسي بين حرب العصابات والإرهاب، على اعتبار أن حرب العصابات تستهدف الجيش والنقاط العسكرية في هذا البلد أو ذلك، في حين أن التنظيمات الإرهابية تستهدف المدنيين، كما أن حرب العصابات هدفها هزيمة الجيش النظامي والانتصار عليه، في حين هدف التنظيمات الإرهابية إثارة الرعب في نفوس الناس.

هل تستخدم المجموعات المسلحة الإرهاب في حرب العصابات؟

ذكرنا في الفقرة السابقة أن العصابات التي تتَّبع حرب العصابات لا تقوم بعمليات ضد أهداف مدنية، وهذا ما يميزها عن المجموعات الإرهابية التي تهدف لبث الذعر في صفوف المدنيين، لكن المجموعات المسلحة قد تستخدم الإرهاب لعدة أسباب.

منها ترهيب الجيش والشرطة الذين قد يواجهون هذه العصابات من خلال إحراق مخفر بعناصره مثلاً، أو عن طريق القذف بقنبلة يدوية على مركز شرطة تابع لمدينة معينة، كما قد يستخدم الإرهاب على مستوى أعلى قليلاً؛ للقضاء على القادة والمسؤولين السياسيين والعسكريين من أجل زعزعة استقرار الحكومة.

ولإقناع عامة الناس بتوفير الملاذ والمال والمجندين، والحفاظ على الانضباط ومنع الانشقاقات داخل المجموعة المسلحة، وعلى مستوى أعلى من ذلك يتم استخدام الإرهاب لتركيز الاهتمام على قضية المتمردين على أمل الحصول على الدعم الدولي - بما في ذلك التمويل والمجندين - مع الحفاظ على الروح المعنوية الداخلية.

تأثير استخدام الإرهاب في حرب العصابات على العصابات التي تستخدمه

عندما تستخدم المجموعات المسلحة في حرب العصابات أسلوب الإرهاب، فإنها تجازف بخسارة الحاضنة الشعبية التي تتمتع بها، ففي سعي هذه المجموعات لتشويه سمعة الحكومة وإقناع الناس بأنها (أي الحكومة) غير قادرة على توفير الأمن والاستقرار للمواطنين، قد ينقلب عليها المواطنون بمجرد اكتشاف هوية منفذي هذه العمليات، وهو ما تسعى إليه الحكومات في هذه الحالة، لاسيما إذا قامت المجموعات المسلحة بتفجيرات ضد أهداف مدنية (موقف للحافلات، مدرسة، مصنع، جسر مشاة، ... إلخ).

بالتالي تقوم الحكومة بتوجيه الجيش والشرطة للقيام بعمليات انتقامية ضد معاقلها، لا سيما إذا نجحت الحكومة في حرمان المجموعات المسلحة من حاضنتهم الشعبية وهو ما يتلخص بعبارة (انقلاب السحر على الساحر)، أي بدل أن تشوه المجموعات المسلحة سمعة الحكومة تقوم الحكومة بكسب تأييد الرأي العام ضد المجموعات المسلحة التي تُرهب المواطنين وتحرمهم من العيش بسلام وأمان.

لهذا السبب غالباً ما يرفض قادة حرب العصابات استخدام مثل هذه التكتيكات المتطرفة، إما بسبب المخاوف الإنسانية أو لأنهم يدركون أن الوصمة الناتجة عن هذا الاستخدام (استخدام الإرهاب) تفوق المكاسب النفسية، فعلى سبيل المثال، كان قادة الجيش الجمهوري الإيرلندي يواجهون خلافات حادة حول استخدام الإرهاب المتطرف؛ ما أدى إلى تقسيم الحركة بين الأجنحة "الرسمية" المؤيدة لاستخدام الإرهاب و "المؤقتة" المعارضة لاستخدام الإرهاب.

كذلك حصل تغيير كبير في الرأي العام ضد القاعدة بعد قيامها بتفجير تمثال لبوذا في عام 1998 في أفغانستان، ثم فجرت القاعدة مبنيي التجارة العالميين في مدينة نيويورك الأمريكية الذي أدى إلى مقتل المئات من الموظفين والأمريكيين والأجانب، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لإعلان الحرب على الإرهاب، التي أدت لاحقاً لاحتلال أفغانستان بحجة القضاء على القاعدة، لكنها فشلت إذ لا تزال القاعدة موجودة حتى الآن وتوسع نفوذها ووصلت إلى بعض دول الشرق الأوسط (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، الصومال).

 

أشهر قادة حرب العصابات

كان هناك عدد كبير من قادة حرب العصابات عبر التاريخ، منهم: القائد المغربي عبد الكريم الخطابي (الذي قاد ثورة عرفت باسمه ثورة عبد الكريم الخطابي ضد الاحتلال الإسباني للمغرب، حيث كان شمال المغرب تحت الاحتلال الإسباني والجزء الجنوبي تحت الاحتلال الفرنسي في عام 1920، الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، الزعيم الأرجنتيني تشي غيفارا.

 

ما هي الحرب المضادة لحرب العصابات؟

تنطوي عملية مكافحة التمرد على إجراءات تتخذها حكومة دولة معترف بها لاحتواء أي تمرد يحصل ضدها، ففي حين يسعى المتمردون إلى تدمير أو محو السلطة السياسية، تسعى القوات المضادة للمتمردين إلى حماية تلك السلطة والتقليل أو القضاء على المتمردين، حيث تقوم هذه الحرب المضادة من خلال قمعٍ مسلح للتمرد إلى جانب تكتيكات مثل العمل على كسر الروابط بين المتمردين والسكان (حرمان المتمردين من البيئة الحاضنة)، ولأنه قد يكون من الصعب أو المستحيل التمييز بين المتمردين والمدنيين (المؤيدين للمتمردين أو غير المؤيدين لهم)، فغالباً ما تكون عمليات مكافحة التمرد غير دقيقة في مواجهة المتمردين.

المبادئ التوجيهية الكلاسيكية

يقدم خبير مكافحة التمرد في حالة الطوارئ الأمريكي السير روبرت طومسون في كتابه (هزيمة التمرد الشيوعي: دروس مالايا وفيتنام) (Defeating Communist Insurgency: The Lessons of Malaya and Vietnam) الصادر في عام 1966 العديد من هذه المبادئ التوجيهية، وكان افتراض طومسون الأساسي هو أن مكافحة المتمردين مرتبطة بتحسين سيادة القانون (أي تطبيق القانون على الجميع) وتحسين الحكم المحلي (معالجة الثغرات الموجودة في الحكم كالفساد وغيرها).

كيف حاربت بعض الحكومات المتمردين؟

غالباً ما تقوم الحكومات بمكافحة المتمردين باستخدام القتل الجماعي والإبادة الجماعية والتعذيب والإعدام.

  1. ألمانيا النازية، كتب المؤرخ تيموثي سنايدر في كتابه (المحرقة: الواقع المتجاهل) (Holocaust: The Ignored Reality): "إن الألمان واجهوا الأعمال المناهضة للحزب النازي خلال الحرب العالمية الثانية بقتل ثلاثة أرباع مليون شخص، وحوالي ثلاثمئة وخمسين ألف شخص في بيلاروس وحدها، وأرقام أقل ولكن قابلة للمقارنة في بولندا ويوغوسلافيا، حيث قتل الألمان أكثر من مائة ألف بولندي عند قمع انتفاضة وارسو عام 1944".
  2. الولايات المتحدة الأمريكية، ذكر الكاتب أنتوني فيولا (Anthony Faiola) في مقالة له في صحيفة الواشنطن بوست تحت عنوان (في فيتنام، الأعداء القدماء يعانون من تركة سامة من الحرب) (In Vietnam, Old Foes Take Aim at War"s Toxic Legacy) أن: "الأمريكيون واجهوا القوات الفيتنامية الشمالية خلال حرب فيتنام من خلال تدمير أشجار لا تعد ولا تحصى في المناطق التي اختبأت فيها القوات الشيوعية الشمالية الفيتنامية التي كانت تمارس حرب عصابات ضد القوات الأمريكية، وكان من نتائج ذلك مستقبلاً تشخيص العيوب الولادية المرتبطة بالديوكسين (ملوثات بيئية تسبب التسمم) لدى آلاف الأطفال، في كثير من الحالات لم يتم تحذير العائلات من الخطر حتى فوات الأوان؛ لأن فيتنام كانت تفتقر إلى الموارد اللازمة لإجراء عملية تنظيف بيئية لإزالة أثر هذه الحرائق".
  3. الاتحاد السوفيتي، واجه الاتحاد السوفيتي المجاهدين الأفغان المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية خلال غزوه لأفغانستان بسياسة "الأرض المحروقة"، مما دفع أكثر من ثلث السكان الأفغان إلى المنفى (أكثر من خمسة ملايين شخص)، وتدمير واسع النطاق للقرى والمحاصيل والقطعان ونظم الري.

في الختام.. تبقى حرب العصابات أسلوباً مفضلاً للمجموعات المسلحة التي تكون في مواجهة جيش كبير مجهز بكل أنواع الأسلحة، وعلى الرغم من الصعوبات التي قد يعاني منها المتمردون إلا أنهم غالباً ما ينجحون في إنهاك الجيش النظامي سواءً كان جيش احتلال أو تابع للدولة ذاتها التي يريد المتمردون إخلال الأمن فيها.

وتبقى الوسيلة المفضلة لمواجهة هذا النوع من الحروب هي محاولة تأليب الرأي العام ضدهم وحرمانهم من الحاضنة الشعبية، بالتالي لا يبقى أمامهم سوى الخروج من الأماكن التي يختبئون فيها خصوصاً المدن التي يتواجد فيها المدنيون، فتصبح مواجهتهم أسهل.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه