;

ما هي الثورة العربية الكبرى؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
ما هي الثورة العربية الكبرى؟

ولدت الثورة العربية الكبرى من رحم المعاناة من احتلال عثماني دام لأربعة قرون، حكم العرب باسم الدين، لتتكشف أهداف الاحتلال العثماني في فرض اللغة والثقافة التركية على العرب، فكان لابد من اليقظة العربية التي شكلت أساساً للثورة العربية الكبرى. فما هي هذه الثورة؟ ما هي أسبابها؟ كيف تطورت؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

تعريف الثورة العربية الكبرى

الثورة العربية الكبرى هي الثورة التي قام بها العرب في الثاني من شهر حزيران/يونيو عام 1916 ضد الاحتلال العثماني، بهدف طرده من المشرق العربي (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق، المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، سلطنة عُمان، اليمن)، حيث تحالف فيها العرب مع بريطانيا لتحقيق هذه الغاية.

سياسة الدولة العثمانية تجاه العرب

سيطر حزب الاتحاد والترقي على السلطة في الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين، معلناً بذلك انتهاء عهد السلاطين، فقام باتباع سياسات معادية للقوميات غير التركية وتحديداً القومية العربية، ففرض اللغة التركية، وألغى اللغة العربية، ما دفع العلماء والمفكرين العرب مثل: عبد الرحمن الكواكبي، عبد الحميد الزهراوي، لتشكيل جمعيات لتوعية العرب كالجمعية العربية الفتاة، جمعية بيروت السرية.

زادت ممارسات حزب الاتحاد والترقي مع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914 من خلال اعتقال العلماء والمفكرين العرب، وفرض التجنيد الإجباري على الشبان العرب، فكان قيام والي الشام جمال باشا (لقب بالسفاح لكثرة الدماء التي سفكها) بإعدام كبار المفكرين العرب في كل من دمشق وبيروت في السادس من شهر أيار/مايو عام 1916، السبب المباشر لاقتناع العرب بأنه لا بد من التخلص من الاحتلال العثماني.

فتعاونت الجمعيات العربية (جمعية بيروت السرية، الجمعية العربية الفتاة) مع الشريف حسين الذي كان يحكم ولاية الحجاز تحت السيادة الإسمية للدولة العثمانية (السيادة الإسمية أي الصلاحيات الفعلية بيد الحاكم المحلي وليس الدولة العثمانية) للإعداد للثورة، ووافقوا على قبول المساعدة البريطانية شرط اعتراف بريطانيا بقيام دولة عربية مستقلة في المناطق التي ستتحرر من الاحتلال العثماني.

دور بريطانيا في الثورة العربية الكبرى

وقفت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول تكتل الوسط التي ضمت الإمبراطورية الهنغارية النمساوية وألمانيا، فقامت بريطانيا التي كانت جزءاً من دول التفاهم باستمالة العرب وتحريضهم على الثورة ضد الدولة العثمانية؛ على أن تعترف بريطانيا بالدولة العربية المستقلة التي ستنشأ بعد الحرب، وذلك من خلال ما عرف بـ (مراسلات الحسين – مكماهون)، هي عبارة عن رسائل تبادل فيها الطرفان العربي ممثلاً بالشريف حسين والي الحجاز والبريطاني ممثلاً بهنري مكماهون المندوب البريطاني في القاهرة الآراء حول الثورة ومصير الأراضي التي ستتحرر من الاحتلال العثماني.

لكن بريطانيا أثناء تفاوضها مع العرب وقعت مع فرنسا اتفاقية عرفت باسم (سايكس بيكو) في عام 1916، تقتضي بمنح فرنسا الساحل السوري اللبناني إضافةً للموصل، مقابل حصول بريطانيا على البصرة وبغداد وشرقي الأردن، إضافة إلى وضع فلسطين تحت الإدارة الدولية، على أن يشكل في المناطق الداخلية المتبقية دولة اتحادية عربية.

أبرز أحداث الثورة العربية الكبرى

أعلن الشريف حسين الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية في العاشر من شهر حزيران/يونيو عام 1916، وبدأت القوات العربية بمهاجمة العثمانيين في جدة، حيث تمكنت من هزيمتها والسيطرة على المدينة في السادس عشر من حزيران/يونيو عام 1916، تابعت القوات العربية تقدمها حيث تمكنت من السيطرة على مكة المكرمة في التاسع من شهر تموز/يوليو عام 1916، كما سيطرت على مدينتي الليث والمويلح على البحر الأحمر، ثم دخلت القوات العربية الطائف في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1916، ثم حاصر جزء من القوات العربية الحامية العثمانية في المدينة المنورة في أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1916، لكن الحامية العثمانية لم تستسلم حتى السابع من شهر كانون الثاني/يناير عام 1919، بسبب الإمدادات التي كانت تأتيه من الخط الحديدي الحجازي.

القوات العربية تتقدم في بلاد الشام

فيما استمرت القوات العربية الأخرى بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين بالتقدم، وسيطرت على ميناء العقبة في شهر تموز/يوليو عام 1917، كما سيطرت القوات العربية على الطفيلة في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير عام 1918، ثم دمروا الخط الحديدي الحجازي في شهر نيسان/أبريل عام 1918، ثم سيطرت القوات العربية على معان في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1918، ثم سيطرت على درعا في الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1918، فيما بعد سيطرت القوات العربية على مدينة حلب في الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1918.

بالتزامن مع انتصارات القوات العربية احتلت بريطانيا بغداد، فلسطين، والتقت القوات العربية والبريطانية على مداخل دمشق في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1918، فعين قائد القوات البريطانية الجنرال اللنبي الأمير فيصل حاكماً على سوريا، كما احتلت فرنسا الساحل السوري اللبناني، وبذلك تكون المناطق المحررة قد قسمت إلى ثلاثة أقسام:

  1. جنوبية، تشمل فلسطين تحت الإدارة البريطانية.
  2. شرقية، تمتد من العقبة جنوباً حتى حلب شمالاً تحت إدارة الأمير فيصل.
  3. غربية، تضم المنطقة الساحلية من سوريا ولبنان؛ من صور جنوبا إلى كيليكيا شمالاً تحت الإدارة الفرنسية، تمهيداً لتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو، في هذه الأثناء وقعت الدولة العثمانية هدنة رودس مع الحلفاء في الأول من شهر تشرين الثاني في عام 1918.

مؤتمر الصلح في باريس بعد الثورة

انتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، فعقد الحلفاء مؤتمر الصلح في باريس في عام 1919 حضره الأمير فيصل بصفته ممثلاً لوالده الشريف حسين، ألقى خطاباً قال فيه:

"جئت ممثلاً لوالدي الذي قاد الثورة العربية ضد الترك تلبية منه لرغبة بريطانيا وفرنسا لأطالب باستقلال الشعوب العربية في آسيا من خط الإسكندرونة ديار بكر حتى المحيط الهندي جنوباً، باستثناء الحجاز على اعتبار أنها دولة ذات سيادة، وعدن باعتبارها محمية بريطانية، وبعد التحقق من رغبات السكان في تلك المنطقة يمكننا أن نرتب الأمور فيما بيننا، مثل تثبيت الدول القائمة فعلاً في تلك المنطقة، تعديل الحدود بينها وبين الحجاز، بينها وبين البريطانيين في عدن، إنشاء دول جديدة حسب الحاجة وتعيين حدودها، وستتقدم حكومتي في الوقت المناسب بمقترحات تفصيلية في هذه النقاط الصغيرة، وإني لأستند في مطلبي هذا على المبادئ التي صرح بها الرئيس ولسن (وهي مرفقة بهذه المذكرة)، وأنا واثق من أن الدول الكبرى ستهتم برغبات الشعوب العربية أكثر من اهتمامها بما لها هي نفسها من مصالح مادية"

فقرر المجتمعون في مؤتمر الصلح إرسال لجنة تحقيق إلى سوريا لاستطلاع رغبات السكان عرفت باسم (لجنة كينغ كراين).

المؤتمر السوري الأول

انعقد المؤتمر السوري الأول في عام 1919 تحضيراً للجنة كينغ كراين، أبرز مقرراته:

  • إعلان استقلال سوريا والاعتراف بها دولة موحدة, والمطالبة برفع الحواجز الجمركية.
  • رفض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وكل المشاريع الهادفة إلى تقسيم البلاد.
  • رفض الوصاية السياسية التي ينطوي عليها نظام الانتداب.
  • مد يد الصداقة لكل دولة، وقبول المعونة منها شريطة أن لا تنتقص هذه المعونة من استقلال البلاد واستقلال قرارها، وألا تؤثر على الوحدة الوطنية للشعب مع رفض أية معونة فرنسية مهما كان شكلها.

لجنة كينغ كراين

وصلت إلى سوريا في عام 1919 لاستطلاع رغبات السكان حول مصيرهم، اقتصرت عضوية اللجنة على الأمريكيين /لأن بريطانيا وفرنسا رفضتا المشاركة فيها/، أوصت اللجنة بما يلي:

  • وحدة سورية الطبيعية (فلسطين ولبنان وسوريا)، مع إعطاء لبنان حكماً ذاتياً في إطار الوحدة السورية.
  • انتداب الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، والانتداب البريطاني على العراق.
  • إلغاء وعد بلفور.

المؤتمر السوري الثاني

انعقد المؤتمر السوري الثاني في عام 1920 في دمشق، والذي أكد مطالب الشعب بالاستقلال، رفض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، فردت بريطانيا وفرنسا بعقد مؤتمر سان ريمو في شهر نيسان/أبريل من عام 1920، وضعت بموجبه سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، العراق وشرق الأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور في فلسطين، فاحتلت فرنسا دمشق في الرابع والعشرين من شهر تموز/يوليو عام 1920 بعد معركة ميسلون - التي استشهد فيها وزير الحربية يوسف العظمة ورفاقه - وغادر الأمير فيصل سورية، فجاء أخيه من الحجاز لاستعادة سوريا ومحاربة فرنسا فأعطته بريطانيا إمارة شرق الأردن في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1920.

رموز الثورة العربية الكبرى

لكل ثورة رموز تميزها عن غيرها من الثورات، هذا ما ينطبق على الثورة العربية الكبرى التي تتمثل رموزها في العلم والنشيد.

علم الثورة العربية الكبرى

رفع علم الثورة العربية الكبرى للمرة الأولى في العاشر من شهر حزيران/يونيو عام 1917، كان يتألف من مثلث أحمر (يرمز لدولة الأشراف الهاشمية)، تلتصق به ثلاثة مستطيلات، الأعلى لونه أسود (يرمز للدولة العباسية)، الأوسط لونه أخضر (يرمز للدولة الفاطمية)، الأدنى لونه أبيض (يرمز للدولة الأموية).

نشيد الثورة العربية الكبرى

تبنت الثورة العربية الكبرى هذا النشيد، ولم يُعرف من ألّفه ولحّنه، وهذه كلماته:

يا علمي يا علمي ... يا علم العرب أشرق وأخفق في الأفق الأزرق يا علم

من نسيج الأمهات في الليالي الحالكات يا علم يا علم ... لبنيهن الأباة كيف لا نفديك؟ كل خيط فيك

دمعة من جفنهن خفقة من صدرهن قبلة من ثغرهن يا علم

يا علمي يا علمي ... يا علم العرب أشرق وأخفق في الأفق الأزرق يا علم

سر إلى المجد بنا وابن منا الوطنا قد حلفنا للقنا حلفة ترضيك أننا نسقيك

من دماء الشهداء من جراح الكبرياء عشت للمجد سماء يا علم

يا علمي يا علمي ... يا علم العرب أشرق وأخفق في الأفق الأزرق يا علمي

في الختام.. شكلت الثورة العربية الكبرى دليلاً قوياً على قدرة العرب على تحقيق الإنجازات عندما يكونوا متحدين، كما أثبتت الثور�� أن المفاوضات غير المكتملة تؤدي إلى نتائج مبتورة، فعندما رفضت بريطانيا معالجة حدود الدولة العربية الموعودة بحجة ضغط الحرب، استفادت منه بريطانيا في جذب العرب إلى صفها، في المقابل أعطت في الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917 وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، الأمر الذي تحول إلى واقع بعد الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1920 من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، تسهيل استيلائهم على الأراضي الفلسطينية، ثم قيام دولة إسرائيل في الخامس عشر من شهر أيار/مايو عام 1948.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه