;

ما هي الثورة الفرنسية؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 31 أغسطس 2022

شكلت الثورة الفرنسية نموذجاً للثورات في العصر الحديث، وأصبحت مبادؤها  قاموساً للعديد من الأنظمة السياسية بعدها، فما بعد الثورة الفرنسية ليس كما قبلها.

 

تعريف الثورة الفرنسية

الثورة الفرنسية هي الثورة التي قام بها الشعب الفرنسي في عام 1789 ضد الملك لويس السادس عشر، الذي احتكر السلطة السياسية، وتسبب بانهيار الوضع الاقتصادي، إضافةً لملاحقته لمعارضيه واعتقالهم، فكانت الضرائب الجديدة على الشعب التي حاول فرضها من خلال الجمعية الوطنية؛ السبب المباشر أو كما يقال الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وأقنعت الشعب أن هذا النظام لا أمل منه وأن الثورة هي الحل الوحيد للخلاص من الوضع الاقتصادي المتردي واسترداد الحقوق السياسية بما فيها حرية التعبير.

 

أسبال الثورة الفرنسية

لكل ثورة أسبابها، أما الفرنسيون فقد ثاروا ضد الملكية لمجموعة من الأسباب كان أهمها:

  1. تدهور القدرة الشرائية للمواطنين الفرنسيين، حيث اضطر الفرنسيون لإنفاق نصف دخلهم من أجل تأمين المواد الغذائية فقط، وذلك نتيجة ارتفاع الأسعار بوتيرة أكبر بكثير من ارتفاع الدخل، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 50٪ للمرة الأولى بين 1735 و1789، مقابل 20٪ لنسبة ارتفاع الرواتب والدخول.
  2. انتشار الفقر وتراجع العائدات لدى المزارعين الفرنسيين، ما دفعهم للعزوف عن الزراعة والنقمة على النظام الملكي الذي لم يجد حلاً لمعاناتهم.
  3. فشل النظام الملكي في تحقيق أية إصلاحات تخفف من غضب المواطنين الفرنسيين، مثال: إقرار دستور، أو خفض ضرائب.
  4. انقسام الفرنسيين إلى أقلية برجوازية فاحشة الثراء، وغالبية فقيرة تعاني الجوع والحرمان.
  5. اعتقال نخبة كبيرة من المفكرين المعارضين للنظام الملكي.
 

مراحل الثورة الفرنسية

يمكن تقسيم تطور الثورة الفرنسية إلى مراحل عدة تبعاً لتطور الأحداث فيها، ويمكننا رصد ثمان مراحل مهمة من عمر الثورة الفرنسية نوجزها في التالي:

المرحلة الأولى: اندلاع الثورة الفرنسية

حيث بدأت الثورة الفرنسية عندما أصدر الملك الفرنسي لويس السادس عشر قراراً بفرض المزيد من الضرائب، لكن الجمعية الوطنية (وهي جمعية ضمت مجموعة من النواب المعينين من قبل الملك، مثلت الجمعية الوطنية السلطة التشريعية، وأنشأها الملك بهدف إصباغ الشرعية على قراراته) رفضت قرار الملك بفرض المزيد من الضرائب ومنعت تنفيذ أي مراسيم يفرضها دون أن تقرها الجمعية. ونتيجةً لذلك حظر الملك دخول النواب لمقر الجمعية الوطنية فاجتمعوا في قاعة التنس الرياضية في المبنى ذاته، ليغلقها الملك في اليوم التالي، فعمت المظاهرات في أنحاء فرنسا، وأصبحت قصور الإقطاعيين هدفاً للمتظاهرين الفقراء، وانتشرت أعمال الشغب.

 

المرحلة الثانية: إلغاء حقوق الإقطاعيين

بعد انتشار أعمال الشغب، قررت الجمعية الوطنية إلغاء حقوق الإقطاعيين، وأقرت في التاسع من آب المساواة المدنية والمالية، وفي 26 آب/ أغسطس 1789 أصدرت الجمعية الوطنية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أصبح ملهماً لكل الدساتير الحديثة، و ينص على الحق في الحرية والأمن والمساواة بين الجميع أمام القانون، وأخيرا مبدأ السيادة الشعبية، أي السيادة للشعب وليست للملك.

 

المرحلة الثالثة: انقسام الجمعية الوطنية تجاه الملكية

أصرّ الملك لويس السادس عشر على امتلاك حق النقض ضد أي قرار من الجمعية الوطنية، فانقسمت الجمعية الوطنية تجاه طبيعة النظام الجديد إلى قسمين:

  • القسم الأول: أنصار حق النقض، ويؤيدون الملكية المطلقة، وهم المحافظون واليمين المتطرف.
  • والقسم الثاني: اليمين والملكيين الذين يريدون التمسك بإصلاحات 4 آب/أغسطس، (وتتضمن إلغاء امتيازات الإقطاعيين، وإعطاء الفرنسيين بعض الحقوق السياسية المتمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، وهم يؤيدون الملكية الدستورية.

شكل كل هؤلاء النواب أندية لمناقشة قضايا الجمعية و تجمعوا في دير اليعاقبة فاُعتمد الاسم وأصبح المجتمعون في هذا الدير معروفون باليعاقبة، وفي غضون أشهر، اتخذت الجمعية سلسلة من التدابير التي هزت فرنسا (مثال، مصادرة ممتلكات الكنيسة) وفي 1791، تم التصديق على الدستور الأول.

 

المرحلة الرابعة: الجمعية الوطنية تحل محل الجمعية التأسيسية

وفي تشرين الأول من عام 1791 حلت السلطة التشريعية محل الجمعية التأسيسية (وهي جمعية تضم مجموعة من النواب المنتخبين من الشعب مهمتها صياغة الدستور)، فاعتقد الفرنسيون أن الثورة قد انتهت لكن المشاكل الاقتصادية أدت لحدوث انقسامات جديدة، حيث انقسم النواب إلى قسمين: القسم الأول: اليمين ويضم مؤيدي الملكية الدستورية برئاسة حكومة الثلاثة (Barnave، Lameth، DUPORT)، والقسم الثاني: اليسار وهم اليعاقبة أقل عدداً من القسم الأول، لذا تحالفوا مع اليسار المتطرف الذي يمثله بيتيون دي فيلنوف (قرب روبسبير)، ويؤيدون تجمع النظام الملكي المعتدل، وواجهت الجمعية العديد من المشاكل بما في ذلك التمرد في مستعمرة سانتو دومينغو.

 

المرحلة الخامسة: الجمعية الوطنية تلغي نظام الرق

حيث أصدر بوردو رئيس الجمعية الوطنية مرسوم التصويت والذي نص على المساواة السياسية بين البيض والزنوج مما أدى لإلغاء نظام الرق، وذلك بعد إقرار الدستور الفرنسي، وفي 10 آذار / مارس من عام 1792، استقالت الحكومة لصالح بوردو.

 

المرحلة السادسة: ولادة الجمهورية

في 10 آب/ أغسطس من عام 1792 اقتحم المتظاهرون قصر التويلري (Tuileries Palace)، واكتشفوا خزانة سرية للملك لويس السادس عشر تحوي وثائق تثبت تعاونه مع القوى الأوروبية، فاعتبر المواطنون والجمعية التأسيسية الملك متآمراً على الدولة، وبعد صدور قرار باعتقاله، قرروا إعدامه على المقصلة، وفي 21 أيلول/سبتمبر من عام 1792 ولدت الجمهورية الفرنسية الأولى، ومن ثم أصدرت الجمعية إعلان حقوق الإنسان والمواطن في عام 1793.

 

المرحلة السابعة: إعدام الملك وعزلة فرنسا

في 21 من كانون الثاني/ يناير من عام 1793 نفذ قرار الإعدام بحق الملك لويس السادس عشر، مما أثار غضب الدول الأوروبية وزاد في عزلة فرنسا الدولية، وتشكلت حكومة بزعامة روبسبير، الذي قمع حركات التمرد التي قادها أنصار الملكية. وفي 27 تموز /يوليو 1794، اعتقل روبسبير وأعدم، ولويس دي سانت جوست، وغيرهما من قادة اليعاقبة؛ نتيجة أعمالهم الإرهابية من خلال اتباع سياسة الإعدامات بحق المعارضين، ليتم تغيير الدستور في 22 /آب أغسطس 1795، حيث صدق عليه الشعب باستفتاء مع حوالي 1,057,000 موافق و49,000 غير موافق، تم إعلان نتائج التصويت في 23 /أيلول سبتمبر 1795، ووضع الدستور الجديد قيد التنفيذ في 27 سبتمبر 1795.

 

المرحلة الثامنة: مرحلة غزو أوروبا

نتيجة عزلة فرنسا، واكتشاف علاقة الملك الفرنسي بأوروبا، أعلنت فرنسا الحرب على أوروبا، بقيادة الجنرال نابليون بونابرت، حيث نجح في احتلال إيطاليا في 2 آذار من عام 1796، وحاربت الجيوش النمساوية واحداً تلو الآخر (معركة اركولا، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1796، معركة ريفولي، في كانون الثاني/يناير من عام 1797) فاضطرت النمسا وعلى رأسها المستشار مترنيخ، للمطالبة بالسلام في 18 نيسان/أبريل من عام 1797، بعد أن هدد بونابرت بغزو مدينة تيرول.

جعلت هذه النجاحات العسكرية نابليون المنقذ للنظام، حيث فرض 18 تشرين الأول/ أكنوبر من عام 1797 معاهدة السلام على النمسا، دون الرجوع إلى الحكومة الفرنسية، حيث احتفظت النمسا بولاية فينيتو التي فتحها بونابرت، مقابل أن تأخذ فرنسا ساحل البحر الأيوني، فأنشأ نابليون "شقيقة الجمهوريات" من الألبية (لومباردي) و ليغوريا، إضافةً لبلجيكا و الضفة اليسرى لنهر الراين.

ثم غزا نابليون سويسرا وحولها إلى جمهورية هلفتيك في عام 1798، وأطلق على الولايات البابوية اسم الجمهورية الرومانية، وفي الشمال، ضم هولندا إلى فرنسا وأسماها (جمهورية بتفين). واستولى على مملكة نابولي في كانون الثاني من عام 1799 لتتحول إلى جمهورية نابولي، وبذلك احتل نابليون كل إيطاليا وأصبحت تابعة لفرنسا، ومنذ ذلك الوقت أطلق الفرنسيون على نابليون اسم "فاتح إيطاليا".

ومع كل هذه النجاحات قرر نابليون في أيار / مايو من عام 1798 احتلال مصر، لمنع بريطانيا من الوصول إلى الهند التي كانت تعد جوهرة التاج البريطاني آنذاك، حيث تمكن من السيطرة عليها، وبعد هزيمة المماليك والعثمانيين، وفشل نابليون في احتلال سورية، عاد إلى فرنسا وأعطى القيادة للجنرال كليبر.

وفي عام 1799 نجح نابليون بونابرت في الوصول إلى السلطة في فرنسا، بعد الانقلاب على الحكومة الفرنسية، بزعامة روبسبير، الذي أعدم لاحقاً. ومن هنا سميت الثورة بالثورة التي أكلت أبناءها (أي اجتمعت القيادات على إسقاط الملكية وعندما سقطت الملكية تناحر قادتها وقتل بعضهم بعضاً)، ليعلن مجلس الشيوخ نابليون امبراطوراً على فرنسا في عام 1804.

وبعد ذلك غزا نابليون روسيا في عام 1812، فخسر نابليون الحرب وتعرض جيشه لخسائر كبيرة، ومن ثم هزمته الدول الأوروبية في معركة الأمم عام 1813، فتنازل عن العرش لابنه، ونفي إلى جزيرة ألبا، لكنه عاد في عام 1815، إلى فرنسا وحكمها مئة يوم، فتداعت الدول الأوروبية لتشكيل التحالف المقدس ضده مما أدى لهزيمة نابليون، في معركة (واترلو) ونفيه إلى جزيرة (القديسة هيلانة) عام 1815.

ختاما...

الثورة الفرنسية وبرغم أنها انتهت لكن شعاراتها ألهمت العالم مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، فحصل ما كانت تخشاه الدول الأوروبية وهو انتشار أفكار الثورة الفرنسية، فالثورة فكر وممارسة، وليست مجرد اضطرابات وانقلابات وفوضى.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه