;

قصة محرقة اليهود هل هي حقيقة أم كذبة؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 03 أكتوبر 2022

في أيامٍ تشبه أيامنا هذه، كان العالم يعيد رسم الخرائط الجغرافية والسكانية، كذلك السياسية على مستوى الكرة الأرضية، وكانت الشعوب بالكاد تعافت من جراح الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918.

حيث أسست دول العالم منظمة عصبة الأمم، علَّها تكون سبيلاً لحلِّ النزاعات في المستقبل، وإدارة العالم الحديث، لكنَّ وصول أدولف هتلر إلى حكم ألمانيا، وتأسيس الرايخ الثالث على المبادئ النازية.

بذلك أجهض أحلام الشعوب بالسلام، وأرعب حكام الدول العظمى، لأن طموح هتلر كان أكبر من أن يسيطروا عليه، فما علاقة اليهود بكلِّ ذلك؟ ولماذا أراد هتلر التخلص منهم؟.

 

لم يكن هتلر معتوهاً بل كان مفكراً شريراً

شوَّه إعلام المنتصرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الكثير من الحقائق، وحاول إغفال بعض المفاهيم، ربما أبرزها أن هؤلاء المنتصرين كانوا طرفاً في الحرب، لا يقل دمويةً وعنفاً عن النازيين وشركائهم.

فأصبح العالم (وما يزال) ينظر إلى أدولف هتلر (Adolf Hitler1889-1945) كمجرم معتوه كان هدفه القضاء على البشرية بطريقة همجية، دون أن يكون لديه خلفية فكرية وسياسية لأعماله، كما صور السوفييت والأمريكيون أنفسهم كمنقذين للعالم من شرور النازية.

أما همجية هتلر، فهي حقيقية لا يمكن إنكارها، وأما إنسانية السوفييت والأمريكيين، فلم تكن إلا جزءاً من إعلام الحرب، لكن الأهمَّ من هذا، أنَّ هتلر لم يكن يتصرف بالعشوائية التي يحاول البعض التسويق لها.

ولم يكن إجرامه ناتجاً عن عقد الطفولة، بقدر ما كان ناتجاً عن نظرية اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، اختار الحرب والتصفية العرقية طريقة لتطبيقها، ولا يُفهم من ذلك أن هتلر بريء من الدم، لكن لا بد من إنصاف القاتل بإدانة شركائه.

هتلر كان رجلاً شريراً، يرى في الحرب طريقة مثاليةً لاستعادة أمجاد ألمانيا العظمى، ويرى في الأوروبيين الغربيين واليهود إضافة إلى الماركسيين أعداءً لمشروعه الكبير.

لكن من سوء حظ البشرية، أن كل رجال السياسة كانوا رجالاً أشراراً، والفرق أنَّ هتلر كان يصرخ، وهم يهمسون، وهذا ما سنحاول تفسيره في الفقرات القادمة.

 

لماذا كان هتلر يكره اليهود؟!

قبل أن يولد أدولف هتلر بقرنين من الزمن، كان وليام شكسبير (William Shakespeare1564-1616) الكاتب الإنجليزي المعروف، يكتب مسرحيته الشهيرة تاجر البندقية (The Merchant of Venice)، وكانت شخصية التاجر الجشع شيلوك، تعبيراً عمَّا يجول في خاطر معظم الناس عن اليهود، فهذه هي الصورة النمطية لليهود (وإن كانت عنصرية)، والتي رافقتهم على مدى قرونٍ طويلة.

فهم التجار والمرابون، كما صورهم شكسبير في مسرحيته، وهم بنات آوى كما صورهم فرانس كافكا (Franz Kafka1883-1924) في قصته (بنات آوى وعرب)، ومئات من الصور السلبية في الأدب والشعر العالمي.

كما أنَّهم المنبوذون اجتماعياً، لأسبابٍ يطول شرحها؛ فلم يكن كره اليهود أمراً ابتكره هتلر، ولم تكن فكرة التخلص منهم هاجساً نازياً طارئاً.

لكن القدر شاء أنَّ تكون ألمانيا النازية، هي من تنفذ هذه الجريمة العرقية بحق اليهود، قبل أن يفعل ذلك أحد أعدائهم الآخرين، الذين يزدادون منذ عهد البابليين وحتى يومنا هذا.

نظرية هتلر العنصرية

آمن هتلر بوجود العرق الألماني المتفوق، وآمن أكثر، بأن خطر اختلاط هذا العرق باليهود يهدد مستقبل الأمة الألمانية، كما كان هتلر يسعى إلى التوسع جغرافياً لإتاحة "المجال الحيوي" لأصحاب العرق الآري، ليتابعوا مسيرة سيادتهم على أعراق العالم المختلفة، ولم تكن تلك التصفية التي ألمح إليها هتلر في كتابه كفاحي (دون أن يذكر التصفية الجسدية) مقتصرةً على اليهود؛

بل شملت أصحاب العاهات، وكل المهاجرين والغرباء والزنوج والمرضى العقليين، ويلاحَظ أنَّ هتلر صاغ نظريته هذه قبل وصوله إلى الحكم، فقد كتب كتابه (كفاحي)، أثناء فترة سجنه بعد انقلاب فاشل بداية عشرينيات القرن الماضي.

من جهة ثانية، وعلى عكس الاعتقاد العربي السائد أنَّ الشيوعية تناصر العرب في صراعهم مع الصهاينة، اعتبر هتلر أن الشيوعية والماركسية هم الحلفاء الحقيقيون لليهود، واعتبر أن اليهود هم من أوجدوا الشيوعية ونصروها، وذلك لاستغلال مشاعر الكادحين والعمال، وتوظيفها في خدمة مشاريع اليهود في أوروبا الشرقية والعالم، كما أنَّ الفوهرر كان مناهضاً لفكرة المساواة الشيوعية، فيقول هتلر صراحةً:

"هذه الدعوة جريمة حقيقية، لأن الطبيعة ستنتقي الجديرين بالبقاء وهم أصحاب الدم النقي، والعرق المتفوق، فلا يوجد ما يسمى مساواة بين البشر لأن العرق المتفوق هو العرق الوحيد القادر على الإبداع".

كان هتلر إذاً عدواً كبيراً لليهود منذ البداية، ليس لليهود فقط، بل لكلِّ من يُعتقد أنَّ له صلة باليهود، وأتى هذا العداء بالتوازي مع محاولة العالم إيجاد أرضٍ لليهود تبعدهم عن أوروبا.

فلم تكن فلسطين هي الوحيدة المطروحة كوطن بديل، لكنَّها كانت الأقرب إلى العقلية الصهيونية، كما قدمت الحرب العالمية الثانية خدمة كبيرة لليهود في سبيل إقامة دولتهم؛ حيث كانت المحرقة النازية الجسر الذي عبر منه اليهود إلى عكا، وحيفا، ويافا، وأراضي فلسطين المحتلة

 

ما معنى كلمة هولوكوست (Holocaust)؟

اشتقت كلمة (Holocaust) من اللغة اليونانية، وهي على قسمين، (holos) التي تعني الكامل أو التام، و (kaustos) التي تعني إحراق، ليكون معنى الكلمة (الإحراق الكامل)، وفي العبرية تسمى (Shoah) المحرقة.

وقد شاع استخدام مصطلح هولوكوست منذ نهاية الحرب، تعبيراً عن التصفية العرقية، والإبادة الجماعية التي قامت بها حكومة ألمانيا النازية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها عدد كبير من الناس، أغلبهم من اليهود، إضافة إلى الغجر، والمعاقين، والمثليين الجنسيين...إلخ، وذلك تطبيقاً لنظرية هتلر بالحفاظ على العرق المتفوق، والتخلص من خطر الاختلاط العرقي.

ويعتبر كل من يشككُ بحقيقة إحراق اليهود في المعسكرات النازية معادياً للسامية، وحليفاً لفكر هتلر النازي، حيث تتم ملاحقته قضائياً في بعض الدول، منها ألمانيا الحديثة.

 

بدأ الحزب النازي بالتحريض على اليهود منذ العشرينيات

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، برز التيار النازي كردَّة فعلٍ قومية على هزيمة ألمانيا في الحرب، وكان هتلر في طليعة الذين اتَهموا اليهود بالتآمر والتسبب بالهزيمة.

وبدأت أعماله تأخذ طابعاً عنيفاً بشكل تدريجي مع مطلع عشرينيات القرين العشرين، حيث شكَّل الحزب النازي مجموعاتٍ تابعة له، تقوم بحماية الاجتماعات النازية، إضافة إلى تنفيذ أعمال عدائية تجاه اليهود، وأشهرها جماعة العاصفة المعروفة اختصاراً (SA).

كما قام الحزب بمحاولة انقلابية فاشلة عام 1923 انتهت باعتقال قياداته، وعلى رأسهم أدولف هتلر، ليعود ويخرج من سجنه عام 1929، بعد أنْ استجمع أفكاره أثناء هذه المدَّة، وكتب معظمها في كتابه الشهير (كفاحي).

ثم وصل إلى السلطة عام 1933 مُنتخباً، وبدأت الدولة باتخاذ إجراءات رسمية وغير رسمية تطبيقاً للمبادئ النازية، تهدف إلى التضيق على اليهود الألمان، والبولونيين في ألمانيا، أبرزها مقاطعة الشركات التجارية اليهودية، إضافة لبعض الأعمال العدائية ضد اليهود التي يتم غضُّ الطرف عنها أو تشجيعها.

كما أنَّ حكومة هتلر سحبت الامتيازات من المحاربين اليهود القدامى، فضلاً عن طرد العديد من العمال والموظفين من أعمالهم، وغالباً ما اتبع هتلر في ذلك الأوامر الشفهية.

حيث لم تكن القوانين واضحة، مما يترك مجالاً للمسؤولين باتباع الطرق التي يرونها مناسبة في التنفيذ، ربما ليتملص هو من المسؤولية من جهة، وليضمن سيطرة النزعات الشخصية عند القائمين على التنفيذ من جهة ثانية.

 

تعتبر ليلة الزجاج المكسور انعطافاً كبيراً في الاضطهاد النازي لليهود

في آذار/مارس عام 1938، قامت القوات الألمانية باحتلال النمسا، وكانت أول خطوات توسيع الجغرافية الألمانية "المجال الحيوي للعرق الآري"، التي تُمثِّل العمود الفقريّ للتفكير النازي إلى جانب التخلص من اليهود، ومع هذه المرحلة، بدأت الحكومة النازية باتباع أساليب أكثر صراحةً تجاه اليهود.

وكان أدولف أيخمان (Adolf Eichmann) أحد قادة الجيش هو المسؤول عن تهجير يهود النمسا، حيث جردهم من أغلب حقوقهم وممتلكاتهم، واتبع معهم سياسة الإجبار على الهجرة كحل وحيد.

في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1938 أصدر النازيون قراراً بترحيل أكثر من 17 ألف يهودي بولندي إلى خارج ألمانيا، لكنَّ بولندا رفضت استقبال اليهود، الذين علقوا على الحدود بين الدولتين.

أحداث ليلة الزجاج المكسور

كان من بين المحتجزين على الحدود البولندية الألمانية، رجل عجوز وزوجته، لهما ابن يعيش في العاصمة الفرنسية باريس، يدعى هيرشل (Herschel Grynszpan) يبلغ من العمر 17 سنة قام بإطلاق النار على أحد الدبلوماسيين الألمان في فرنسا (Ernst Vom Rath) في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1938، من باب الثأر لأبويه العالِقين على الحدود.

لكن النازيين اعتبروا أنَّ هذه العملية جزء من مخططٍ يهودي ضد ألمانيا، فألقى وزير الدعاية الألماني الشهير جوبلز (Joseph Goebbels) خطاباً حماسياً في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر أي بعد عملية إطلاق النار بيومين، حرَّض فيه أنصار النازية على الانتقام من اليهود.

فاندلعت مشاجرات عنيفة بين أنصار النازية التي تساندها (SA) وبين اليهود، استمرت حتى صباح اليوم التالي، وعرفت تلك الليلة بليلة الزجاج المكسور (The Night of Broken Glass)، أو ليلة الكريستال (KRISTALLNACHT) لكثرة الزجاج في شوارع برلين بعد تكسير واجهات المحلات، واقتحام بيوت اليهود.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تم تغريم اليهود بمبالغ طائلة، كما تم حرمانهم من مبالغ التأمين على ممتلكاتهم، وإحراق المعابد اليهودية أثناء تلك الليلة، فضلاً عن اقتياد الآلاف من اليهود إلى السجون على خلفية هذه الحادثة، ليبدأ تطبيق التجربة النمساوية بتهجير اليهود.

 

كانت الحرب العالمية الثانية فترة ملائمة لتنفيذ أي مخطط مهما كانت أهدافه ووسائله

في الأول من أيلول/سبتمبر عام 1939 اجتاحت القوات الألمانية بولندا، فأعلنت بريطانيا الحرب على هتلر، ثم ركبت فرنسا في سفينة الحرب إلى جانب بريطانيا، لتبدأ واحدة من أكبر الحروب في تاريخ العالم.

حيث زحف الألمان بجيوشهم الجرارة وإرادتهم الحديدية ليحتلوا دول أوروبا تباعاً، وفي كلِّ مدينةٍ يدخلها الألمان كان اليهود أولوية لهم، ففي بولندا قام النازيون بطرد اليهود من منازلهم، ومصادرة أملاكهم، ورميهم في العراء، محاطين بالحراسة والأسلاك الشائكة، ومسموح لهم بالهجرة أو البقاء في المناطق المعزولة.

فكانت السياسة النازية حتى ذلك الوقت، تهدف إلى طرد اليهود من أراضي ألمانيا أولاً، ثم طردهم من كل مكان يسيطر عليه الجيش الألماني.

وكان أبرز الضباط القائمين على رعاية هذه السياسة هم أدولف أيخمان، ووزير الداخلية هيملر (Heinrich Himmler)، إضافة إلى مؤسس جهاز البوليس السري الألماني جستابو (Gestapo) هيرمان جورينغ (Hermann Göring).

كما بدأ النازيون بتطبيق مشروع الموت الرحيم (Euthanasia Program) مع بداية الحرب، حيث جمعوا المعاقين والمصابين بالأمراض العقلية وبدأوا بإعدامهم بطرق مختلفة، منها الغاز، لكن هذا البرنامج توقف نتيجة احتجاج رجال الدين على هذه السياسة، أو هذا ما يذكره التاريخ على الأقل.

 

بداية الهولوكوست

ثلاثة ملايين جندي ألماني دخلوا أراضي الاتحاد السوفيتي في شهر حزيران/يونيو عام 1941 دون إنذار، بعد أن احتلت القوات الألمانية أجزاء واسعةً من أوروبا، في بولندا، ولوكسمبورغ، والدنمارك، إضافة إلى بلجيكا، وهولندا، وفرنسا.

وكانت السياسة النازية تجاه اليهود، تتصاعد عنفاً مع كل نصر جديدٍ للجيش الألماني، حيث بدأ الألمان بجمع اليهود من المدن التي احتلوها، ونقلهم إلى المعسكرات البولندية التي تم إنشاؤها لعزل اليهود، وهنا يجب أن نتوقف عند تغير كبير على كافة الأصعدة طرأ على التفكير النازي، ما زال المؤرخون عاجزين عن فهمه تماماً.

لم يتمكن المؤرخون إلى الآن من فهم انقلاب هتلر على اتفاقيته مع ستالين، حيث كان زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين (Joseph Stalin)، مطمئناً أنَّ الاتحاد السوفيتي لن يكون جزءاً من هذه الحرب، ذلك بناءً على الوعود والاتفاقيات مع الألمان، وأطراف أخرى في الحرب، لكن هتلر في ظروفٍ غامضة قرر الانقلاب على الاتفاق واجتاح روسيا.

ولم يكن هذا الانقلاب الوحيد، بل طرأ تغير مفاجئ على سياسة الألمان تجاه اليهود، حيث كانت السياسة الأولى تقضي بعزلهم ضمن أماكن محددة، وليمت منهم من يموت من الجوع والبرد والمرض، أما الأحياء منهم، لن يبقى أمامهم إلا الهجرة.

وحتى ما قبل اجتياح روسيا، لم يكن القتل هو السياسة المعتمدة، على الرغم من وجود بعض أحداث القتل، لكن مع دخول الألمان إلى الاتحاد السوفيتي بدأت البنادق الألمانية تطلق النار على اليهود فوراً، ويُعتقد أنَّ هذه المرحلة، هي التي اتخذ فيها القرار بالانتهاء من المسألة اليهودية مرةً واحدةً وإلى الأبد (إذا كان قد اتخذ فعلاً وهذا ما نناقشه لاحقاً).

 

لم يكن اليهود وحدهم ضحايا معسكرات التعذيب النازية

كما ذكرنا؛ بدأ النازيون بتجميع اليهود، والغجر، والشيوعيين، كلهم في المناطق المعزولة في بولندا، وفي بعض المدن المحتلة من الاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى حالة مأساوية في هذه المناطق، حيث أدى العدد الكبير إلى انتشار المرض والجوع بين المحتجزين، وربما تكون فكرة التخلص منهم نهائياً أتت من هنا!؛

على كلِّ حال، لا بد من الإشارة إلى أنَّ البعض ينكرون وجود منهجية متبعة للتخلص من اليهود، ويقولون أن المرض، وتحديداً التيفوئيد هو من فتك بهم في هذه المعسكرات إضافة إلى الظروف الأخرى، أما القتل فكان فردياً، وسنأتي على ذكر هذا الرأي مفصلاً.

شكَّل الألمان فرقاً خاصة دعيت الوحدات المتنقلة (Einsatzgruppen) كانت تقوم بمطاردة اليهود والغجر، وتشرف على النقل الجماعي من المناطق المعزولة إلى معسكرات الاعتقال النازية (Concentration Camp)، المعروفة بمعسكرات القتل أو مراكز القتل الجماعي (Mass Killing)، ثم بدأت عمليات القتل الجماعي باستخدام طرق عدة، لكن أكثر هذه الطرق شيوعاً، هي استخدام الغازات السامة.

حيث تشير بعض المصادر إلى أن المعسكرات النازية كانت تقوم بقتل أكثر من 12 ألف يهودي في اليوم.

ومع اتساع ممتلكات الدولة النازية في أوروبا، كانت تسير القطارات المحمَّلة باليهود من عدَّة مدن، باتجاه المعسكرات النازية في بولندا، وهي خمسة معسكرات رئيسة، بيليزك (Belzec)، سوبيبور (Sobibor)، تريبلينكا (Treblinka)، إضافة إلى مايدانيك (Majdanek).

أما أكبرها وأشهرها كان معسكر أوشفيتز (Auschwitz-Birkenau)، الذي بناه وزير الداخلية هيملر، مزوداً بغرف الغاز المعدة للقتل الجماعي (أو هكذا قيل)، حيث يُعتقد أن النازيين استخدموا غاز السيانيد (Cyanide Gas)، وغاز زيكلون ب (Zyklon-B) في تنفيذ الإعدام الجماعي لليهود، ثم تم إحراق جثثهم في أفرانٍ كبيرة.

كما يُعتقد أنَّ هذه العملية بدأت بعد دخول النازيين إلى الاتحاد السوفيتي صيف عام 1941، واستمرت بذروتها حتى بداية عام 1942، ثم تقلصت حتى دخول القوات السوفيتية إلى ألمانيا عام 1944.

وسوَّق اليهود إلى الجبهات سيراً على الأقدام بما عرف بمسيرات الموت (Death marches) علماً أنَّ العديد من المؤرخين والباحثين يشككون ببعض هذه المعلومات، ويعتبرونها صياغة درامية سياسية لها أهدافها، كما أنَّ التواريخ المتعلقة بالإبادة الجماعية أغلبها مختلف على صحتها، لأن العمل كان يتم بشكل سري، والمصدر الوحيد كان الشهادات التي أدلى بها الناجون من الإبادة.

كما بدأت حركات المقاومة اليهودية تنظم نفسها تحت لواء الحلفاء في الحرب، وسُجِّلت عدَّة حوادث مهاجمة القطارات التي تقل المحتجزين إلى المعسكرات.

وأعلنت الحركة الصهيونية انضمامها للحرب إلى جانب الحلفاء، لكن تحت راية مستقلة، ما عرف باللواء اليهودي، حيث لم يكن الهدف هو مواجهة هتلر، بل تدريب الجيش الذي سيخوض حرب عام 1948 لاحقاً.

 

يرفض بعض المتشددين اليهود فكرة أنَّ غيرهم قُتل في معسكرات النازيين، من باب احتكار الاضطهاد!

الرقم الذي تتفق عليه معظم المراجع هو ستة ملايين يهودي قضوا في الحرب العالمية الثانية، يحاول البعض أن يجعلهم كلهم من ضحايا معسكرات القتل في بولندا، ويحاول البعض الآخر أن يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً من عدد الضحايا.

حيث تحولت قصة "المحرقة" إلى قضية الرأي الأولى حول العالم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحصي منظمة المكتبة اليهودية على موقعها الإلكتروني أعداد الضحايا اليهود الذين قضوا على يد النازية (6,258,637) يهودي، أغلبهم قتل في بولندا (3,001,000)، ثم الاتحاد السوفيتي (1,500,000)، والباقي موزعون على عدة دول في أوروبا، إضافة إلى (526) في أفريقيا، كما قضى (250,000) يهودي في مسيرات الموت.

لكن الثابت أنَّ إحصاء القتلى في المعسكرات النازية لم يكن بهذه السهولة والدقة، وهذا ما سنأ��ي على ذكره بالتفصيل في فقرة إنكار المحرقة اليهودية.

من جهة ثانية، قُدِّر عدد الناجين من المعسكرات بعد سقوطها في يد الحلفاء بحوالي مائتي ألف يهودي، يرمز لهم باليهود المشرَّدين Displaced Persons، والذين أقاموا في مخيمات أعدَّها كلٌّ من أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا، كلٌّ في المنطقة التي سيطر عليها، ثم بدأت إعادة توزيع هؤلاء المشرَّدين، حيث كانت الوجهة الأساسية إلى فلسطين، ثم أمريكا وأوروبا، وأميركا اللاتينية.

ومن بين هؤلاء الناجين من سجل مذكراته عن الاعتقال والتعذيب والإعدام، وتعتبر هذه المذكرات هي المصادر الأساسية، إضافة إلى المعلومات التي قدمتها محاكمة نورمبورغ (Nuremberg Trials) التي مثل أمامها من بقي من أعضاء الحكومة وقيادة الجيش النازي.

حيث تغيب الوثائق الألمانية المتعلقة بهذا الخصوص، إما لأن الحلفاء أخفوا ما يتعلق بالسياسة النازية تجاه اليهود ليتمكنوا من تصميم قنبلةٍ إعلامية على قياس أهدافهم كما يدَّعي منكرو المحرقة، وإما أنَّ الألمان لم يوثقوا أعمال الإبادة أصلاً كما يدَّعي المؤمنون بالمحرقة.

 

نهاية المحرقة النازية

انتهت الحرب، وانقسم العالم إلى ملائكةٍ وشياطين، حيث أقامت الولايات المتحدة الأمريكية محاكمة لقادة المعسكرات النازية والمسؤولين النازيين بتهمة ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى الإبادة الجماعية بحق اليهود، وكانت أولى الجلسات في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1945 بعد حوالي ثلاثة أشهر من إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي في اليابان.

وبعد إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، فاستطاعت المحكمة أن تنتزع اعترافات بالمعلومات الواردة أعلاه، كان أبرزها اعتراف رودلف هسس قائد أكبر معسكرات الاعتقال النازية بأنَّه أشرف على قتل أكثر من مليونين ونصف مليون يهودي في معسكره بالغاز والحرق.

وكانت المحكمة تبحث في إدانة أربعة وعشرين متهماً بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، انتهت بحكم الإعدام على أغلبهم والسجن المؤبد أو المحدد لآخرين، والبراءة لاثنين فقط، هم هيلمار شخت (Hjalmar Schacht) وزير الاقتصاد النازي، ومدير قسم الأخبار هانز فريتشه (Hans Fritsche).

 

منذ اليوم الأول لانتشار أخبار المحرقة ظهرت أصوات كذَّبتها

إنكار المحرقة اليهودية مصطلح قائم بحد ذاته (Holocaust Denial)، حيث لم تكن الأرقام التي قدمها الشهود أو التي قدمتها محاكمة نورمبورغ مقنعةً للكثير من الباحثين والمؤرخين أو حتى للعامة، كما يرى البعض أن طرق القتل التي تم الحديث عنها هي من نسج الخيال، ومجرد أسطورة لتعظيم هول المأساة.

وقد تم نقاش هذا الموضوع منذ انتهاء الحرب وحتى يومنا هذا، لكن قبل الخوض في الآراء التي أنكرت تفاصيل الإبادة، لا بد من الإجابة على بعض الأسئلة.

هل أراد هتلر التخلص من اليهود؟

الجواب هو نعم، قطعاً أراد ذلك، قبل وصوله إلى أيّ منصب في الدولة، وليس فقط من اليهود، بل من الغجر، والمعاقين، والمصابين بالأمراض العقلية، والسود، وكل من قد يشكِّل خطراً على العرق الألماني المتفوق.

وهذا الجواب لا نستنتجه من الأحداث التي يمكن أن تكون ملفقةً ومزورة، بل من النظرية التي صاغها هتلر في كتابه كفاحي، ومن خطاباته قبل أن يكون زعيم الرايخ الثالث.

ثم من ممارسات النازية ما قبل الحرب، والتأكيد على أعمال إقصاء اليهود أثناء الحرب، وارتكاب جرائم في حقهم يقر بها حتى منكرو المحرقة.

أما السؤال الثاني، هل انتهج النازيون سياسات على أرض الواقع تهدف إلى التطهير العرقي؟

ذلك أيضاً أمرٌ مفروغ منه، فالنازيون بدأوا منذ نهاية الثلاثينيات بتنفيذ مشروع التطهير العرقي، الذي استهدف كل أعداء العرق الآري النظريين، إضافة إلى برنامج الموت الرحيم الذي ذكرناه سابقاً.

سؤال آخر مهم، هل معسكرات التعذيب والقتل موجودة حقاً؟

والجواب هو نعم، موجودة ما تزال، كما أن هناك صوراً ومقاطع فيديو تؤكد وجودها، وسَوْق اليهود، والغجر، والمعاقين، والمرضى العقليين إليها، لكن لا يمكن الجزم يما كان يجري خلف أسوارها.

حيث يعتقد البعض أنَّها كانت معسكرات سخرة لتشغيل اليهود في الأعمال الشاقة لدعم الجيش الألماني، أما بعد هذه الأسئلة الجوهرية.

سيفكر القارئ؛ إذا كانت كلُّ هذه حقائق مفروغٌ منها، فأين محل الإنكار للمحرقة اليهودية؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه.

المنظمات اليهودية حول العالم استغلت الإجرام النازي لأهداف سياسية وقومية

لم يكن إنكار المحرقة اليهودية أو الإبادة الجماعية متعلقاً بالحقائق التي ذكرناها، بل تعلق بمحورين أساسيين، الأول هو إنكارٌ لأعداد الضحايا اليهود، الذي رافقه إغفال متعمد للضحايا من غير اليهود.

أما الثاني، فهو إنكارٌ لطرق التعذيب التي ادَّعت المحكمة والمناصرون للقضية أنَّ النازيين استخدموها، كما يوجد تشكيك كبير لم ولن يحسم حول دور هتلر في كل هذا، فهناك من يرى أنَّ هتلر لم يكن هو المسؤول عن إصدار الأوامر المتعلقة بالتصفية الجسدية الجماعية.

كما أنَّ هذه المحاولات الرامية إلى نفي وقوع الإبادة بالصورة التي تم تصديرها إلى العالم بدأت في وقت مبكر بعد نهاية الحرب، وهي أحد أسباب ظهور مصطلح معاداة السامية (Anti-Semitism).

حيث تعتبر معاداة السامية تهمة قانونية، تُبنى عليها المحاكمات في بعض الدول الأوروبية، خاصة التي كانت شاهدةً على حقبة الإبادة، ويكفي أن يقول المرء:

"المعلومات الواردة عن المحرقة ليست دقيقة" ليتم تجريمه بمعاداة السامية ومحاكمته.

يعتبر الأمريكي ويلز كارتو (Willis Carto) من أوائل مؤسسي حركة إنكار المحرقة عام 1979، كما أسس معهد المراجعات التاريخية (Historical Review) الذي أصدر مجلةً خاصة (Revisionist) لتفنيد الأكاذيب التاريخية المتعلقة بالمحرقة.

وأبرزها عدم وجود غرف الغاز، وعدم قدرتها على استيعاب ستة ملايين يهودي، لكنَّه واجه دعوى قضائية أقامها الناجون من المعسكرات النازية انتهت بتغريمه بمبلغ حوالي 100 ألف دولار أمريكي، ثم أقصي تدريجياً عن الساحة السياسية (كان من دعاة العنصرية البيض) حتى وفاته في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015.

المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفنج (David John Cawdell Irving) وخلال مقابلة أجراها معه أحمد منصور على شاشة قناة الجزيرة عام 2004، ينكر تماماً وجود المحرقة اليهودية كما يتم التسويق لها منذ وقوعها.

حيث أنكر الأرقام المتداولة (ستة ملايين يهودي)، وأنكر وجود غرف الغاز في المعسكرات النازية، بل قال أن غرف الغاز في أوشفيتز بناها البولنديون بعد انتهاء الحرب، لتوثيق الادِّعاءات بوجودها.

كما تمت محاكمة هذا المؤرخ بتهمة إنكار المحرقة، وتزوير التاريخ عام 2004، ويقول ايفرينج:

" أنا لا أحب هذه الكلمة، كلمة (المحرقة)، هذه الكلمة أصبحت علامة تجارية، موضوع يسوَّق للعالم وللناس".

وبين الرجلين عشرات المؤرخين والباحثين، إضافة إلى التيارات السياسية التي تنظر إلى المحرقة على اعتبارها تضخيماً إعلامياً سياسياً، له أهداف اقتصادية وسياسية.

ويؤكد منكرو المحرقة على أنَّ الأرقام الواردة مغايرة للوقائع تماماً، حيث يعتقد ايفرينج أن ضحايا الإبادة لم يتجاوزا مائة ألف يهودي، لكن هذا الإنكار لم يعد يتمتع بالزخم السابق.

خاصة وأن أهداف الترويج إلى حدوث المحرقة وفق الصيغة المعروفة قد استهلكت، كما توفيت أليس سومر آخر الناجين من الإبادة (Alice Herz-Sommer) في شباط/فبراير عام 2014.

 

الآثار السياسية والثقافية للمحرقة

لا نريد أنْ نخوض في أسباب اضطهاد اليهود على مرِّ العصور، منذ أن دمَّر البابليون مملكتهم في حربهم مع المصريين وأخذوهم أسرى، وحتى رفع هتلر سبابته في وجههم ثم بندقيته.

فلهذا الاضطهاد أبعادٌ سياسية، ودينية، وثقافية، لا تنفصل عن بعضها البعض، فهتلر لم يرى اليهود من عينٍ مسيحيةٍ وحسب، بل كان ينظر إليهم كشبكةٍ دينيةٍ، اقتصاديةٍ، سياسيةٍ تنمو بسرعةٍ كبيرة وتهدِّد عروش العالم كلِّه، وتهدِّد مستقبل الأمَّة الألمانية في أوروبا.

كما لم يأتِ هتلر بهذه الأفكار من العدم، بل كانت اليهودية حول العالم تنظم نفسها ضمن حركات سياسية ومالية استطاعت اختراق القرار السياسي لعدَّةِ دولٍ عظمى، وشكَّلت جماعات ضغطٍ مخيفة في بدن الدول الأوروبية، حيث استطاع اليهود الحصول على وعدِ بلفور عام 1917 من وزير خارجية المملكة المتحدة.

وتمكنوا نسبياً من التأثير على الأمريكيين في دخول الحرب العالمية الأولى، وكانت عائلة روتشيلد اليهودية المعروفة، تشكِّل حكومة الظلِّ التي تتحكم في قراراتٍ أساسية في العالم، فكانت هذه النهضة اليهودية كصخرةٍ تقف في وجه السيل القومي الذي يريد هتلر أن يؤسسه في أوروبا.

الإعلام والمحرقة

بعد انتهاء الحرب ومحاكمة المجرمين النازيين دون التفكير بمحاكمة المجرمين الذين أبادوا المدن اليابانية هيروشيما وناجازاكي، بدأ الإعلام العالمي بتجييش التعاطف مع اليهود تأسيساً للاعتراف بحقوقهم بإنشاء وطنٍ قومي على أرض فلسطين، تنفيذاً لوعد بلفور المشؤوم، حيث أخذ الناجون من المحرقة يخبرون القصص الدرامية المؤثرة.

التي يعتبر التأكد من صحتها أمراً مستحيلاً آنذاك، وحتى الآن، كان ذلك بالتزامن مع الضغط الصهيوني للإسراع بخروج الاحتلال البريطاني من فلسطين، وإقامة دولة الاحتلال العبري.

ومن وجهة نظرنا، أنَّ اليهود قاموا بالأعمال الإرهابية بمواجهة البريطانيين في فلسطين المحتلة لإجبارهم على الخروج منها قبل أن تتمكن الدول العربية التي استقلت حديثاً مع نهاية الحرب من ترتيب أمورها، وإنشاء جيوشها وتدريبها.

حيث يذكر الفريق سعد الدين الشاذلي في شهادته على العصر على شاشة قناة الجزيرة وهو الذي شارك في حرب عام 1948، وحرب عام 1967 وكان رئيس أركان الجيش المصري في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، وواضع (خطة المآذن العالية) لاختراق جدار بارليف، يقول الشاذلي ما مفاده أنَّ:

"الجيوش العربية عام 1948 لم تكن مدربة، ولم تكن مجهزة لخوض الحرب، كما أنَّ اليهود تمكنوا من حشد مائة ألف مقاتل، فيما لم يشارك من العرب إلَّا 45 ألف مقاتل، وبضع آلافٍ من المتطوعين.

كما كان اليهود قد تلقوا تدريباً عسكرياً متقدماً أثناء مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية، رجَّح كفتهم خلال حرب النكبة".

و لم يتمكن البريطانيون من كبح اليهود على الرغم من الأعمال الإرهابية التي قامت بها عصابات الصهيونية بحق البريطانيين في فلسطين المحتلة، كذلك وقف العالم صامتاً أمام مجازر الصهيونية، وعملية التطهير العرقي التي كانت تقوم بها تجاه العرب في فلسطين، حتى اغتيال مبعوث الأمم المتحدة الكونت برنادوت، لم يضع عصابات الهاجاناه وشترن الصهيونية في دائرة الاتهام.

فكان هذا الصمت يتكئ على أنَّ اليهود هم المحترقون في ألمانيا، الَّذين يتعاطف معهم العالم، فليقوموا بما شاءوا!.

 

تعويض اليهود واتفاقية لوكسمبورغ

وقَّعت دولة الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيةً مع ألمانيا الغربية في العاشر من أيلول/سبتمبر عام 1952، عُرفت باتفاقية لوكسمبورغ (بالألمانية Wiedergutmachung) التي كانت ثمرة مفاوضات معقدة بين دولة الاحتلال وألمانيا الغربية، حيث تعتبر هذه الاتفاقية اعترافاً ألمانياً بالمسؤولية الكاملة عن الإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون في الحرب العالمية الثانية بحق اليهود.

ما يحتِّم على ألمانيا تعويض الناجين من المحرقة مادياً عن ممتلكاتهم والأضرار الأخرى التي لحقت بهم، فضلاً عن دفع مبالغ مالية لدولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها الوريث لضحايا الهولوكوست، إضافة إلى سلسلة من الامتيازات التجارية والصناعية التي حصلت عليها دولة الاحتلال

حيث يذكر موقع دوتشي فيله (DW) الألماني، أنَّ ألمانيا كانت ثاني أكبر مصدِّر للسلاح إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بين عامي 1960 و 1970، كما بلغ مجمل التعويضات التي قدمتها ألمانيا لليهود حوالي 83مليار مارك ألماني.

ويُذكر أنَّ ألمانيا الشرقية رفضت الاتفاقية لتعود ألمانيا المتحدة وتدفع حصة ألمانيا الشرقية بعد توحيد الألمانيتين، بموجب اتفاق مع دولة الاحتلال عام 1992.

يأتي هذا وما زال الأرمن يحاولون انتزاع اعتراف معنوي من الأتراك بالمجازر التي ارتكبت بحقهم مطلع القرن العشرين، ويحاول الفلسطينيون انتزاع اعترافٍ دولي بحقهم في الأرض، كما يدفع العراقيون ثمن الصواريخ الأمريكية التي دمَّرت العراق...إلخ، حيث تعتبر هذه الازدواجية في التعامل مع قضية المحرقة مقارنة بقضايا لا تقل أهمية، أحد أبرز حجج المنكرين لها.

أخيراً.... لا نستطيع النظر إلى الإبادة التي تعرض لها اليهود في عهد النازية من منظور العاطفة التي تمنعنا من إنكارها، ولا نستطيع النظر إليها باعتبارها كذبة ملفقة بشكل كامل.

فعندما نراجع الأحداث التي ذكرناها، والتي تعتبر مرتبطةً ارتباطاً عضوياً بنتائج الإبادة، سنجد أنَّ دولة الاحتلال الصهيوني، عاشت استثنائياً في سنواتها الأولى على المعونات الألمانية كجهاز تنفسٍ اصطناعي لطفلٍ خديجٍ ولد قبل أوانه، وفي غير محلِّه.

كما أنَّ الإعلام العالمي ساهم بتحويل المحرقة إلى ورقة تُعفي اليهود من جرائمهم آنذاك، ولفترة لا بأس بها، قبل أن تصبح مستهلكةً.

وقبل أن يصبح الاحتلال الإسرائيلي يمتلك قدرةً عسكريةً واقتصاديةً على الردع والهجوم، كما استطاع الأمريكيون والسوفييت الاعتراف بقيام دولة الاحتلال بعد ساعات من الإعلان عنها عام1948، من باب واجب العزاء.

ولا يمكن إخراج قصة المحرقة والأرقام المبالغ بها عن سياق شيطنة المهزومين وتلميع صورة المنتصرين، الذي شهدته كلُّ حروب العالم.

والذي كان هتلر يشكو منه بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، أما الآن بعد انقضاء الأمر، لم يعد إنكار أو إثبات المحرقة إلا من باب التأريخ، حيث أخذت الفائدة من القصة مداها، وأصبحت أقلَّ تأثيراً على كافة الأصعدة.