;

الفوبيا.. رهابٌ قابلٌ للعلاج

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
الفوبيا.. رهابٌ قابلٌ للعلاج

يعد الرهاب أو الفوبيا بمثابة اضطراب نفسي له أسبابه وأعراضه وعلاجه، يتلخص معناه بشعور الشخص بالخوف المبالغ فيه أو اتصاف الشخص بحالة شعورية غير مبررة تنتابه بشكل دائم تجاه أمرٍ ما، فيقال عنه مثلاً "فلان لديه فوبيا من المرتفعات" أي يخاف تسلق المرتفعات أو النظر من الأماكن العالية، وأحياناً يتم وصف سلوك الشخص بكلمة فوبيا لممارسته أمراً ما بطريقة مبالغ فيها مثلاً يقال بطريقة عفوية "فلان يمتلك فوبيا نظافة" للدلالة على أنه يُنظف أشياءه مرات كثيرة حتى وإن لم تكن بحاجة للتنظيف، لدرجةٍ تُدعى بـ "الوسواس".

ما هي الفوبيا وما أنواعها

تعود كلمة فوبيا أو رهاب للكلمة اليونانية (phóbos) التي تعني الخوف غير المتناسب وغير العقلاني من كائن أو حالة معينة، استخدمه الطب النفسي للمرة الأولى في عام 1870 كاعتراف على وجود هذا النوع من الاضطراب، حيث تصيب الفوبيا نسبة كبيرة من الناس، حيث يعاني واحد من عشرة أشخاص من الرهاب في فرنسا على سبيل المثال.

أنواع الفوبيا

يمكن تصنيف الفوبيا إلى عدة فئات من الرهاب والخوف، تتنوع بين الرهاب المحدد والاجتماعي ورهاب المرتفعات والتعرض لمسبب الفوبيا وجهاً لوجه، ذلك وفق الدليل التشخيصي للأمراض العقلية (The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) الصادر عن جمعية الطب الأمريكية عام 2013، وهذه تفاصيل توضيحية عن هذه الأنواع:

  • الرهاب المحدد، الخوف من كائن خارجي، مثل: (الفأر، الطائرات، الدم..)، حيث غالباً ما تهمل البيئة المحيطة، ويصبح لهذا النوع من الرهاب تأثير خطير على نوعية الحياة فيعاني الشخص من الذعر، كما يشمل هذا الرهاب عدة أنواع:
  1. رهاب الحيوان (Zoophobia)، مثل رهاب العناكب، رهاب الأفاعي، رهاب الكلاب أو رهاب الفئران.
  2. رهابٌ نتيجة طبيعة البيئة، مثل رهاب المرتفعات، رهاب الرعد والبرق، أو الخوف من التقدم بالسن.
  3. رهابٌ إثر طبيعة الظروف، مثل رهاب الأماكن المغلقة، الخوف من الظلام، الاقتراب من البحر.
  4. رهاب الدم، الحقن أو الاصابات، يتمثل بالخوف من الإجراءات الطبية مثل الإبر والحقن أو العمليات الجراحية.
  5. أنواع أخرى، مثل الخوف من الإصابة بمرض معين أو خوف الأطفال من الأصوات الصاخبة... الخ.
  • الرهاب الاجتماعي، الخوف من التفاعل مع الآخرين، لتنفيذ إجراءات معينة قبل أشخاص آخرين، فالرهاب الاجتماعي ليس مجرد صفة الخجل إنما هو اضطراب مزمن يتميز بالقلق الشديد، ويمكن أن يسبب قلقاً كبيراً ينتهي بالاكتئاب.
  • الخوف من الأماكن المكشوفة، كالخوف من مغادرة بيئة آمنة، وأن تشعر بالقلق والحرج عند التواجد في مكان آخر.
  • الرهاب وجها لوجه، يحدث عند مشاهدة معاناة مرض شخص آخر، فيظن الإنسان أنه سيصاب به، على سبيل المثال، قد يزور إنسان شخصاً مريضاً بالسرطان فيتخيل أنه سيصاب بهذا المرض، وتتحول هذه الزيارة إلى وسواس يرافق هذا الإنسان في يقظته وأحلامه.

أسباب الفوبيا والأعراض

حيّرت الفوبيا العلماء لمعرفة أسبابها والعوامل التي تقف ورائها، ومن هؤلاء العلماء عالم النفس البريطاني راتشمان في كتابه الخوف والشجاعة (Fear and Courage) المنشور في عام 1978 الذي حدد مسارين لتفسير الفوبيا، هي:

الإشراط الكلاسيكي

عندما يتم إقران شيء لزرع الرعب في نفس شخص بمكان لم يكن يخشاه هذا الشخص، على سبيل المثال؛ عندما يتعرض الإنسان لصدمة كهربائية في غرفة معينة، فإن الشخص يعاني من الفوبيا ليس فقط من الصدمة لكن من الغرفة أيضاً، كما أنه عندما يعاقب طفل بحرقه بسيخ معدني ساخن قد يعاني من الفوبيا ليس فقط من سيخ النار بل من المطبخ؛ المكان الذي سخن فيه هذا السيخ.

اكتساب الفوبيا بالتقليد والملاحظة

أي تعلم الخوف من شيء ما نتيجة خوف الآخرين منه، لكن ليس من التجربة أو الخبرة بهذا الشيء، على سبيل المثال: يرى الطفل والدته تصرخ وتخاف عند رؤية حيوانٍ ما فإنه سيخاف تلقائياً ويقوم برد فعل مشابه لسلوك والدته.

أعراض الفوبيا

للفوبيا أعراض عدة تظهر على الشخص بمجرد التعرض للسبب، الذي يجعله يخاف ويشعر بالرهاب، من هذه الأعراض:

  • تسارع دقات القلب.
  • ضيق التنفس.
  • الكلام السريع أو عدم القدرة على الكلام.
  • جفاف الفم.
  • اضطراب في المعدة أو الغثيان.
  • ارتفاع ضغط الدم، حيث أكدت دراسة أجرتها جامعة فيرمونت (University of Vermont, Burlington) في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2004، "أن هناك علاقة قوية بين الرهاب وارتفاع ضغط الدم، ذلك إذا ما بقيت العوامل الاجتماعية والديموغرافية والنفسية ثابتة" (أي لم يحصل تغيير في الوضع الأسري للشخص مثلاً: طفل يعيش مع أسرته بكنف والديه، بقي في نفس الوضع، بالتالي وضعه الاجتماعي والديمغرافي والنفسي ثابتٌ لم يتغير، عندها كأن ينفصل والدا الطفل فيصبح في حالة نفسية مختلفة، قد يصاب الطفل بالرهاب مما يؤدي لارتفاع ضغط الدم)، بعبارة أخرى تسبب المعاناة من الرهاب ارتفاعاً في ضغط الدم لدى الإنسان حتى لو كانت أوضاعه الاجتماعية والنفسية مستقرة.
  • الارتجاف في أنحاء الجسم.
  • ألم في الصدر .
  • الإحساس بالاختناق.
  • الدوخة أو الدوار.
  • التعرق الغزير.
  • الشعور أنه على وشك الإغماء.

الأنواع والتصنيفات الطبية للفوبيا وفقا لمسبباتها

لطالما شكلت الفوبيا معاناة حقيقية للمصابين بها، لذلك واكب الطب هذه المعاناة وعمل على تشخيصها من خلال تصنيفها إلى مجموعة من الأنواع؛ معيارها الأساسي العامل الذي يسبب الفوبيا، ومن هذه الأنواع:

  • فوبيا الكيمياء (Chemophobia)، المواقف السلبية من المواد الكيميائية الاصطناعية، كالفوبيا من استخدام الكلور.
  • فوبيا الأجانب (Phobia of foreigners)، أي خوف أو كراهية الغرباء، وتستخدم أحياناً لوصف المعتقدات والحركات السياسية ذات النزعة القومية، مثل فوبيا المسلمين لدى الغرب.
  • فوبيا أطباء الأسنان ( Dentophobia)، أي الخوف من زيارة طبيب الأسنان.
  • الخوف من الغسيل أو الاستحمام (Ablutophobia)، الخوف من الماء (الذي يمثل الغرق أو الاختناق) وهنا لا بد أن يتعامل الأهل مع الطفل الذي يبدي خوفاً من الاستحمام بجدية، في حال لاحظوا أن خوف طفلهم ليس عادياً أو مجرد كره للاستحمام فقط.
  • الخوف من الحكة أو الحشرات التي تسببها (Acarophobia)، هذا النوع من الفوبيا منتشر بين السيدات أكثر من الرجال.
  • الخوف من الحموضة (Acerophobia)، كالفوبيا من تناول الأطعمة الحامضة.
  • الخوف من الظلام (Achluophobia)، كالفوبيا من الخروج في الليل.
  • فوبيا الذهب (Aurophobia)، أي الخوف من الحصول على الذهب لأنه يجعله يخشى أن تحدث معه مصيبة كأن يُقتَل بسببه.
  • فوبيا الوحدة (Autophobia)، مثل فوبيا البقاء وحيداً في المنزل.
  • فوبيا الطيران (Aviophobia) أو (Aviatophobia)، أي الخوف من ركوب الطائرة والظن أنها ستقع، وهذا النوع من الفوبيا يختلف عن الخوف من الأماكن العالية، فقد لا يشعر الإنسان بالفوبيا من المرتفعات، لكنه يشعر بالفوبيا من الطائرة ربما لأنه أول مرة يركبها، أو ركبها مرة وحصل عطل ما فيُصاب بالفوبيا من تكرار ما حدث.

هل يمكن علاج الفوبيا؟

تتنوع طرق علاج الفوبيا حسب درجة المعاناة التي يشعر بها الشخص من العوامل التي تسبب له الفوبيا، وهي تتدرج من تعليم المصاب بالفوبيا طرق جديدة للتعامل مع مسبب الفوبيا لديه، مروراً بتناول الأدوية في مرحلة متقدمة وصولاً للتنويم المغناطيسي، وهو العلاج الطبي الذي يستخدم في الحالات التي يعجز فيها الشخص عن التعامل مع الفوبيا التي يعاني منها، وإليكم تفاصيل أبرز طرق معالجة الفوبيا:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

العلاج السلوكي المعرفي يسمح للمريض بتحدي الأفكار أو المعتقدات المختلة وظيفياً في عقله وفق ما قالته الدكتورة الأمريكية لين هال في كتابها قتال الرهاب (Fighting Phobias) المنشور في عام 1997، عن طريق إعلام المريض وجعله يرى أن خوفه غير عقلاني بمشاهدة مشاعر الآخرين وردات فعلهم عند تعرضهم للموقف ذاته. يمكن إجراء العلاج المعرفي السلوكي في إطار مجموعة استماع وحوار مما يساعد على نجاح هذا العلاج؛ برؤية ردود الفعل المختلفة للأشخاص من قبل المصاب بالفوبيا.

كما يمكن استخدام هذه الطريقة مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سن السابعة و الثالثة عشرة لعلاج الرهاب الاجتماعي، حيث يعمل هذا النوع من العلاج على تقليل التفكير السلبي، وزيادة طرق حل المشكلات (المواجهة المباشرة مع الشيء الذي يسبب الفوبيا، على سبيل المثال الخوف من القطط، حيث نقنع الشخص أن يبقى واقفاً في مواجهة القط عند ذلك يلاحظ أن القط لا يتحرك في البداية ولكن بمجرد رفع اليد أمامه للذهاب فسيذهب على الفور من دون أذية هذا الشخص).

تخفيف منَظم للحساسية

من خلال التعرض لفترات طويلة للكائن أو الظرف الذي يسبب الخوف، حيث كتب الأطباء الأمريكيون فانتوس (Ventis)، موردك (Murdock)، هيجب (Higbee) في كتاب استخدام الفكاهة في الحساسية؛ منهجية للحد من الخوف (Using Humor in Systematic Desensitization to reduce fear) المنشور في عام 2001، يتم من خالها اختبار هذه التقنية فقط عندما يكون الشخص قد تغلب على فكرة الهروب من المسبب الذي يقلقه، كالخوف من الفأر على سبيل المثال.

العلاج من خلال الواقع الافتراضي

هو نوع من العلاج الذي يساعد المرضى على تصور مشاهد مع الكائن الذي يسبب الفوبيا لهم، حيث أكد الأطباء الهولنديون كوبل (North ) ونورث (Coble) الواقع الافتراضي: علاج فعال لعلاج الاضطرابات النفسية (Virtual Reality Therapy: An effective treatment for psychological disorders)، المنشور في عام 1997، أنه يمكن عند توليد مشاهد مختلفة لدى المرضى قد لا تكون ممكنة في العالم المادي؛ بالتالي يمتلكون بعد ذلك القدرة على التعامل مع المشاهد القاسية في الحياة الحقيقية كرؤية الدم على سبيل المثال.

حيث أثبتت دراسة أجراها علماء إسبان في عام 2016؛ "أن للإنترنت دوراً إيجابياً في الحد من القيود التي تعيق علاج حالات الرهاب"، وقد أخذت هذه الدراسة الخوف من الطيران كنموذج عن الفوبيا التي يمكن أن يعاني منها الإنسان، وكيف يمكن أن يخفف الإنترنت منها، من خلال عرض مقاطع فيديو عن أشخاص يتعاملون مع القط على سبيل المثال فيشعر الشخص الذي يعاني من فوبيا القطط أن هذه القطط غير مؤذية ويمكن التعامل معها.

وفي ذات السياق أثبتت دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة ستوكهولم السويدية في عام 2016 أن للهاتف الذكي دور فعال في علاج فوبيا العناكب، وذلك من خلال تدريب المستخدمين على التعامل مع العنكبوت الافتراضي حتى يصبح مقبولاً لديهم.

العلاج الفوبيا بالأدوية

يمكن أن تساعد الأدوية في التخفيف من حدة الرهاب وتحويله إلى مجرد خوف، كالأدوية المضادة للاكتئاب، والمهدئات، التي يمكن أن تساعد المرضى على الاسترخاء عن طريق تخفيف درجة القلق التي يشعرون بها، هذا ما أكده الدكتور الأمريكي مارشال في كتابه "العلاج المتكامل للرهاب الاجتماعي" (Integrated treatment of social phobia) المنشور في عام 1995.

العلاج بالتنويم المغناطيسي

يمكن أن يستخدم وحده، أو بالتزامن مع الحساسية المنهجية للرهاب، حيث يساعد العلاج بالتنويم المغناطيسي الأشخاص الذين يعانون من الرهاب بحل مشكلتهم، من خلال الكشف عن السبب الكامن وراء الخوف، فقد يكون سبب الرهاب حدث في الماضي ولا يتذكره المريض، وفق ما أكده الأطباء الأمريكيون زولمان (Zollman)، باين (Payne) ، وفيكر (Vickers) في كتاب "التنويم المغناطيسي وعلاجات الاسترخاء" (Hypnosis And Relaxation Therapies) المنشور في عام 1990.

وحول العلاج المفضل للأطفال المصابون بالرهاب، أكدت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين في معهد بوتنيك للدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن الآباء يفضلون العلاج النفسي على العلاج الذي يتضمن استخدام الأدوية.

في الختام.. لطالما كانت الفوبيا معاناة للأشخاص الذين تسيطر عليهم، لكن مع توفر العلاج يصبح هذا الداء مجرد مرض عادي قابل للعلاج، لكن المهم أن يعترف الشخص بوجود فوبيا لديه من هذا الشيء أو غيره لمعرفة الطريقة الأفضل لعلاجه.