;

مصطلح الإضراب، ما هو وما هي أنواعه

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 23 يناير 2023

توجد عدة طرق للتعبير عن الاحتجاج، ورفض شيء ما بدءاً من التزام الصمت حوله، ومروراً بتجاهل القرار (أي عدم تنفيذه والتعامل معه كأنه لم يكن)، ومن ثم الإضراب ليكون في حده الأقصى الصدام (شجار بين صاحب القرار والشخص الذي يرفض تنفيذه، تمرد وغيره من الوسائل العنيفة).. في هذه المقالة سنتعرف على الإضراب وأشكاله باعتباره من أقوى الوسائل السلمية للتعبير عن الاحتجاج.

 

الإضراب هو التوقف عن العمل

عرف القاموس السياسي الفرنسي الإضراب على أنه: "عمل جماعي لموظفي الشركة، والصناعة، لوقف العمل بطريقة منسقة؛ بهدف الضغط على قادة الأعمال أو الحكومات للتفاوض أو للرضا بمطالب المضرِبين وأبرزها: زيادة الأجور، تحسين ظروف العمل، إلغاء قرار غير شعبي ويضر بمصالح العمال (زيادة ساعات العمل على سبيل المثال) وغيرها من المطالب"، من جهتها عرفت موسوعة لاروس الفرنسية الإضراب بأنه "انقطاع مؤقت للعمل، للدلالة على السخط".

ظهور مصطلح الإضراب

تعني كلمة إضراب باللغة الفرنسية (Grève) وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية (Grava) وتعني الشاطئ الرملي، واليوم كلمة غريف اسم مدينة تقع على حافة نهر السين، حيث تجمع العمال العاطلين عن العمل في فرنسا، أما في اللغة الإنجليزية فهي (The strike)، واستخدمت هذه الكلمة للمرة الأولى في عام 1768، عندما قام البحارة البريطانيون احتجاجاً على انخفاض رواتبهم "بضرب" أو إزالة أشرعة السفن التجارية في ميناء لندن، مما أدى إلى شل السفن.

الإضراب في القانون

أدخلت فرنسا الإضراب في القانون بدءاً من عام 1864 بموجب قانون أوليفييه الخاص بالإضراب والذي صدر في الخامس والعشرين من شهر أيار/ مايو عام 1864، ومن ثم اعترفت فرنسا بالحق في الإضراب في الدستور الصادر في عام 1946 لكن المادة السابعة من الدستور حظرت الإضراب في بعض المهن: (الجيش، حراس السجون، موظفي الجمارك، رجال الإطفاء)، ويكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمد في عام 1967 الحق في الإضراب في المادة الثامنة، كما يضمن الميثاق الاجتماعي الأوروبي المعتمد في عام 1961 الحق في الإضراب في المادة السادسة.

ويميز قانون العمل في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، بين الإضرابات "الاقتصادية" و"الممارسات غير العادلة في مجال العمل"، فلا يجوز لصاحب العمل أن يتعرض للعمال الذين يمارسون الإضراب لأسباب تتعلق بالقضايا الاقتصادية، بل يجوز لهم أن يعينوا موظفين جدد محلهم، في المقابل إذا كان أرباب العمل يرتكبون ممارسات عمل غير عادلة بحق العمال فلا يحق لهم تعيين موظفين مكان الموظفين المُضرِبين بل على أرباب العمل تعديل ممارساتهم وإعادة الموظفين إلى عملهم.

وفي العديد من البلدان، لا تتمتع الإضرابات العشوائية (غير المنظمة التي لا تخضع لنقابات العمال) بنفس الحماية القانونية من الإضرابات النقابية المعترف بها، وقد تؤدي إلى فرض عقوبات على أعضاء النقابة الذين يشاركون أو نقاباتهم، وينطبق الشيء نفسه في كثير من الأحيان على حالة الإضرابات التي تجري من دون اقتراع رسمي لأعضاء النقابة (أي دون الحصول على موافقة العمال على الإضراب)، كما هو مطلوب في بعض البلدان مثل بريطانيا.

 

أشهر الإضرابات عبر التاريخ

يمكن تقسيم الإضرابات في التاريخ إلى قسمين، ما قبل الثورة الصناعية، وما بعدها:

الإضرابات ما قبل الثورة الصناعية

  • إضراب في روما القديمة، قام به المواطنون لأنهم كانوا ساخطين من طريقة تعامل السلطات الرومانية مع الجنود الذين حاربوا من أجل الإمبراطورية حيث كانت تعتبرهم عبيداً.
  • إضراب في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1152 قبل الميلاد، حيث قام به الحرفيون في المقبرة الملكية في مصر في عهد الفرعون رمسيس الثالث في مصر القديمة، حيث تركوا أعمالهم لأنهم لم يتلقوا رواتبهم، فقامت السلطات بزيادة الأجور.

الإضرابات خلال وبعد الثورة الصناعية

  • إضراب عمال الفحم في مدينة ستا فورد شاير البريطانية في شهر نيسان/ أبريل عام 1842 ضد الرأسماليين.
  • إضرابات عمال مصانع السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1936.
 

ما هي التحديات التي تواجه المضربين وقد تستغلها الشركات؟

يواجه العمال المضربون أو الذين يفكرون بالإضراب التحديات التالية التي يجب أن يضعونها في الحسبان، وهذه التحديات هي:

  • أن ترفض بعض الشركات التفاوض مع نقابة العمال.
  • أن تقوم الشركة بتوظيف عمال بديلين عن العمال المضربين.

وهذا قد يخلق حالة أزمة للمضربين؛ هل يلتزمون بخطتهم الأصلية ويعتمدون على تضامنهم، أم أن هناك فرصة لضرب وإفشال الإضراب؟ كم من الوقت سيستمر الإضراب؟ هل ستظل وظائف المضربين هناك في حال فشل الإضراب؟ هل سيلتزم المضربون الآخرون بالإضراب؟ الشركات غالباً ما تلعب على هذه المخاوف عندما تحاول إقناع أعضاء النقابة للتخلي عن الإضراب.

كيف تقوم الشركات بالاحتياط من الإضراب أو مواجهته

تقوم الشركات بالعديد من الاحتياطات والإجراءات لمواجهة الإضرابات:

  • إذا كانت الشركات تنتج منتجات للبيع في كثير من الأحيان تقوم بزيادة مخزوناتها من السلع المُنتجَة تحسباً لحدوث إضراب ما.
  • قد تطلب الشركات من موظفين جدد أن يحلوا محل المضربين، الأمر الذي يعني أن الموظفين الجدد يجب أن يكونوا متدربين، أما إذا كان لدى الشركة فروعاً متعددة، يمكن إعادة توزيع الموظفين لتلبية احتياجات انخفاض عدد الموظفين.
  • يمكن للشركات أيضاً أن تأخذ التأمين ضد الإضراب قبل إضراب متوقع، للمساعدة في تعويض الخسائر التي قد يسببها أي الإضراب مستقبلاً.
  • قد تلجأ الشركات لاستخدام القوة لإنهاء الإضراب، ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما وقع خلال إضراب عمال الحديد والصلب في ولاية بنسلفانيا الأمريكية الذي حصل في عام 1892، حيث أرسل الصناعي الأمريكي وصاحب مصنع الحديد والصلب الذي حصل فيها الإضراب؛ هنري كلاي فريك وكلاء الأمن الخاص التابعين لوكالة بينكرتون (Pinkerton) الوطنية (وهي وكالة للمباحث والأمن الخاص تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1850، وتم الاستعانة بها لمواجهة الإضرابات من قبل أصحاب المصانع والشركات) لكسر الإضراب، وكانت النتيجة مقتل اثنين من المضربين، وإصابة اثني عشر آخرين بجروح، إضافةً إلى قتل وإصابة أحد عشر شخصاً من رجال الأمن.

كيف تنتهي الإضرابات؟

غالباً ما تُنظِّم النقابات العمالية الإضرابات وتقوم بها أيضاً، حيث تجري التفاوض الجماعي مع السلطة التي تقوم بالإضراب ضدها، والهدف من المفاوضة الجماعية هو أن يتوصل رب العمل والنقابة إلى اتفاق بشأن الأجور والمنافع وظروف العمل، ويمكن أن يتضمن اتفاق التفاوض الجماعي حكماً يحظر على النقابات الإضراب خلال فترة الاتفاق، والمعروف باسم "شرط عدم الإضراب"، حيث أصبحت شروط عدم الإضراب سائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، أما في الوقت الحاضر فتحتوي جميع اتفاقات التفاوض الجماعي تقريباً على حظر التوقف عن العمل.

 

أنواع الإضرابات

يأخذ الإضراب أشكالاً مختلفة، وفق القاموس السياسي الفرنسي منها:

  • أن يقوم العمال بالتغيب عن العمل، أو يحضرون خارج مكان العمل لمنع أو ثني الناس عن العمل في مكان عملهم أو القيام بأعمال تجارية مع أصحاب عملهم، وغالباً ما يلجأ المضربون لهذه الطريقة من الإضراب.
  • إضراب الجلوس، قد يشغل العمال مكان العمل، ولكنهم يرفضون القيام بعملهم وأداء مهامهم الوظيفية.
  • الإضراب الجزئي أو التباطؤ في العمل، يؤدي العمال مهامهم تماماً كما هي مطلوبة منهم، ولكن ليس بأفضل ما لديهم فعلى سبيل المثال، قد يتبع العمال جميع أنظمة السلامة بطريقة تعرقل إنتاجيتهم أو قد يرفضون العمل الإضافي، مثل الإضراب الجزئي الذي نفذه الصيادلة في مصر في الثاني من شهر نيسان/ أبريل عام 2017 احتجاجاً على عدم زيادة هامش الربح للصيدلاني.
  • إضراب محدد، يكون خاص بقطاع واحد أو صناعة واحدة، مثل إضراب عمال صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1936.
  • إضراب شامل أو عام، يشترك فيه أكثر من قطاع اقتصادي وعدد كبير من العمال، مثل الإضراب العام الذي نظمه عمال القطاعين العام والخاص في المغرب في شهر شباط/ فبراير عام 2016 للمطالبة بتحسين الأجور.
  • إضراب التعاطف، يقوم به بعض العمال تعاطفاً مع نظرائهم الذين ينفذون الإضراب، كالإضراب عن الطعام الذي قام به بطريرك انطاكية وسائر المشرق غريغوريوس الثالث لحام تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في عام 2017.
  • إضراب البرق (الإضراب المفاجئ)، يحصل فجأة من دون سابق إنذار، مثل الإضراب المفاجئ الذي قام به عمال صيانة الطائرات في السادس عشر من شهر أيار/ مايو عام 2017، الأمر الذي تسبب بتوقف الرحلات الجوية في المطارات الجزائرية.

أنواع أخرى من الإضراب

هناك أنواع أخرى للإضراب، أشهرها:

  • إضراب الاستهلاك والمقاطعة

هو الامتناع عن استهلاك السلع والخدمات بغية الضغط على الشركات المنتجة لهذه السلع والخدمات لتخفيض الأسعار، قد يكون هذا الإضراب موجه ضد شركة أو علامة تجارية عامة، خلافاً للإضراب العام التقليدي يجب أن يكون إضراب الاستهلاك ضخماً ومحدوداً في الوقت المناسب، ويمكن أن يكون الإضراب تدريجياً بحيث يمكن أن يتطور ويكون موزعاً على عدة أسابيع أو أشهر حتى يكون فعالاً، لأنه إذا طالت مدة الإضراب فهو مهدد بالفشل حيث لا يستطيع المضربون الاستغناء عن بعض السلع لفترات طويلة من الزمن (كالخبز...).

وقد يكون لهذا الإضراب أهداف سياسية، كالضغط على الحكومة من خلال خفض مبيعات المنتجات وبالتالي خفض الأرباح على المنتجين فتنخفض عائدات الدولة من أرباح هؤلاء المنتجين، مما يضطر الدولة لاعتماد عدد من التدابير التي يطالب بها المضربون، كما يمكن أن يكون إضراب الاستهلاك ذو علاقة بالمواقف السياسية وهنا يتحول الإضراب إلى مقاطعة (بمعنى لا يكون سبب الإضراب هو ارتفاع الأسعار بل يكون السبب هو احتجاج على ممارسات تقوم بها الدولة) كالإضراب الذي تنفذه بعض الدول العربية ضد البضائع الإسرائيلية وهو ما يعرف باسم "مقاطعة البضائع الإسرائيلية" لأن إسرائيل تحتل فلسطين.

  • الإضراب عن الطعام (عملية الأمعاء الخاوية)

هو رفض متعمد لتناول الطعام وكثيراً ما تستخدم الإضرابات عن الطعام في السجون كشكل من أشكال الاحتجاج السياسي؛ فالإضراب عن الطعام مثله مثل الإضرابات الطلابية (ومن الأمثلة على الإضرابات الطلابية اضراب الطلاب الذي حصل في مصر في عام 1919 إثر قيام سلطات الاحتلال البريطاني باعتقال سعد زغلول ورفاقه ونفيهم إلى جزيرة مالطة)، يهدف إلى لفت أنظار أصحاب القرار إلى معاناة المضربين، ويقوم المضربون بتنفيذ الإضراب بالتدريج أي قد يبدأ الإضراب بمجموعة من الأشخاص تزداد يومياً بالتوازي مع تغطية إعلامية مواكبة؛ الأمر الذي يؤدي لكسب التعاطف من الرأي العام المحلي والدولي وهو ما يشكل ضغطاً على السلطات.

نماذج من الإضراب عن الطعام

استخدم العديد من السجناء في العالم أسلوب الإضراب عن الطعام كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج، ومن هذه النماذج:

  1. البريطاني ماريون دنلوب في عام 1909، المتهم بقيادة مظاهرة تطالب بحقوق المرأة، حيث نجح في إجبار السلطات البريطانية على إطلاق سراحه، وذلك تجنباً لموته جوعاً بسببها.
  2. بعد انتهاء الحرب الأهلية الايرلندية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1923، قام ما يصل إلى 8000 سجين من الجيش الجمهوري الايرلندي بإضراب عن الطعام احتجاجاً على استمرار احتجازهم من قبل الدولة الحرة الايرلندية، حيث توفي رجلان هما ديني باري وأندرو أوسوليفان خلال هذا الإضراب، الذي تم إلغاؤه قبل وقوع أية وفيات أخرى. وفي وقت لاحق أطلقت الدولة الحرة السجينات الجمهوريات، ولم يتم الإفراج عن معظم الجمهوريين الذكور حتى العام التالي للإضراب.
  3. سجن المهاتما غاندي في أعوام 1922 و 1930 و 1932 و 1942، حيث شارك في عدة إضرابات عن الطعام احتجاجاً على الاحتلال البريطاني للهند، من بينها إضراب عام 1932 ضد الدستور الذي اقترحته بريطانيا للهند والذي يقوم على تقسيم الهند.
  4. أعلن الشاعر والمعارض الكوبي بيدرو لويس بويتيل في الثالث من شهر نيسان/ أبريل عام1972، إضراباً عن الطعام، وبعد ثلاثة وخمسين يوماً من إضرابه؛ توفي في الخامس والعشرين من شهر أيار/ مايو عام 1972.
  5. الإضراب الذي نظمه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي في عام 2017 احتجاجاً على الممارسات القمعية والتعذيب الذي يتعرض له السجناء الفلسطينيون في سجون الاحتلال، والذي انتهى بعد مفاوضات دامت عشرين ساعة انتهت بتلبية مطالب السجناء المضربين، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاق باستثناء البند المتعلق بالزيارات، حيث أصبح لكل سجين الحق في أن يزوره أهله وعائلته مرتين في الشهر بعد أن كانت واحدة فقط.

طرق مواجهة الإضراب عن الطعام

يمكن للسلطات التي ينفذ ضدها إضراب عن الطعام أن تقوم بمجموعة من الخيارات لمواجهة هذا الإضراب:

  1. التفاوض مع المضربين عن الطعام وتلبية مطالبهم.
  2. استخدام التغذية القسرية معهم، من خلال إجبارهم على تناول الطعام سواء بأنفسهم أو من خلال وضع أكياس سيروم تغذية في المستشفيات.
  3. أن تترك المضربين يواصلون إضرابهم، الأمر الذي قد يعرضهم لخطر الموت، وهو ما يراهن عليه المضربون فوفاة أحدهم نتيجة الإضراب من شأنه أن يشوه سمعة السلطات التي توفي لديها هذا الشخص في المجتمع الدولي، وهو ما تحاول السلطات تفاديه.

كما أن هناك أنواع أخرى للإضراب، منها:

  • إضراب الثقافة، هو رفض الفنانين أو المؤسسات الفنية (منظمات الفنون)، إنتاج المسلسلات والأفلام والمسرحيات وتنظيم الحفلات الغنائية.
  • إضراب الإيجار، عندما توافق مجموعة من المستأجرين بشكل جماعي على رفض دفع الإيجار لصاحب البيت حتى يتم استيفاء قائمة محددة من المطالب من قبل المالك.
  • إضراب الطلاب، كأن ينقطع الطلاب عن الدوام احتجاجاً على أحد الأساتذة.

في الختام.. يعد الإضراب شكلاً من أشكال الاحتجاج السلمي على قرارات أو ظروف يرفضها المتضررون منها فينظمون الإضراب، حيث يكون الإضراب غير خطير فيما يتعلق بالعمل، فأخطر ما يمكن أن يحصل أن يفقد المضربون عملهم، لكن في إضراب الأمعاء الخاوية (الإضراب عن الطعام) فهم مهددون بالموت لاسيما إذا لم تستجب لهم السلطات المسؤولة.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه