;

مصطلح المافيا (Mafia)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
مصطلح المافيا (Mafia)

أنت تعمل كالمافيا، هذه الجماعة أو تلك مافيا، كلمة واحدة تخطر ببالنا لوصف أشخاص لا يعجبنا سلوكهم، أو أنه مشكوك بأمرهم، فماذا تعني هذه الكلمة؟ أين ظهرت أول مرة؟ ما هي أشهر منظمات المافيا حول العالم.. هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

تعريف المافيا.. ما بين هيئة ومنظمة وجماعة للجريمة المنظمة

يمكن تعريف المافيا بأنها نوع من عصابات الجريمة المنظمة التي تمارس الابتزاز مقابل تأمين الحماية سواء لشخص أو مجموعة، كما تقوم هذه العصابات بالتحكيم في المنازعات التي تحصل بين المجرمين، إضافةً للتنظيم والإشراف على اتفاقات وصفقات غير قانونية، كما تشارك المافيا في أنشطة ثانوية مثل المقامرة والقروض بفوائد فاحشة والاتجار بالمخدرات والاحتيال.

ونظراً لأن المافيا مصطلح جديد فقد عرفته العديد من القواميس الغربية، منها:

  • القاموس الحر البريطاني عرف المافيا بأنها: "منظمة إجرامية سرية غير رسمية، متماسكة بشكل محكم، تعمل بشكل رئيسي في صقلية منذ أوائل عام 1800، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية، تستخدم التخويف والانتقام ضد المسؤولين عن نفاذ القانون والشهود، تشارك هذه المنظمة الإجرامية في أنشطة غير مشروعة مثل: القمار، المخدرات، الدعارة".
  • موسوعة لاروس الفرنسية عرفت المافيا بأنها: "مجموعة غامضة تسعى لتحقيق مصالحها بكافة الوسائل".
  • قاموس أكسفورد البريطاني عرف المافيا بأنها: "هيئة دولية منظمة من المجرمين، تعمل أصلاً في صقلية، وتعمل الآن في إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، ولديها سلوكيات لا ترحم".

تعود جذور المافيا لجزيرة صقلية الإيطالية

تعود جذور المافيا إلى جزيرة صقلية الإيطالية، وهي جزيرة تقع في البحر الأبيض المتوسط ​​بين شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيطالية، كانت تحكمها سلسلة طويلة من الغزاة الأجانب، بما في ذلك الفينيقيين، الرومان، العرب، الفرنسيين، الإسبان، ونتيجةً للاضطهاد الذي مارسه الغزاة بحق سكان الجزيرة، شكل هؤلاء -سكان الجزيرة- مجموعات مسلحة لحماية أنفسهم من قوات الاحتلال، أصبحت تعرف هذه المجموعات باسم العشائر أو العائلات التي تنتمي لها، حيث لم تكتفِ هذه المجموعات بممارسة نشاطها المسلح بل سعت لتنظيم نفسها، حيث وضعت نظاماً خاصاً بها من أجل تحقيق العدالة والقصاص، وبما يضمن القيام بنشاطاتهم بشكل سري.

المجموعات المسلحة تتحول إلى جيوش وتمارس الابتزاز بذريعة الحماية

تطورت هذه المجموعات المسلحة بحلول القرن التاسع عشر، حيث أصبحت جيوشاً خاصة صغيرة تعرف باسم المافيا "Mafie"، مستغلةً الفوضى التي شهدتها الجزيرة نتيجة تعاقب الغزاة، بالتالي تكرار الحروب وانتشار العنف، فقامت المافيا بابتزاز الأهالي من خلال طلب المال بحجة أنها ضريبة للمافيا، التي تحمي السكان وممتلكاتهم من السرقة واللصوص الذين ينتشرون مع الحروب، بذلك تحولت المافيا من مجموعات مسلحة تحمي السكان إلى مافيات تبتز السكان للحصول على الثروة بحجة الحماية.

مصطلح المافيا كان يشير إلى الشخص المشبوه وليس المجرم

ظهرت كلمة "مافيا" لأول مرة في الأدب، حيث نشرت في قائمة الهراطقة في عام 1668، وجاءت بمعنى "الجرأة"، "الطموح"، "الغطرسة"، والمافيا تعود في الأصل إلى المفردة الإيطالية "Mafie" التي تعني "مجموعة حامية ضد غطرسة الأقوياء"، وفقاً للكاتب سلوين راب، مؤلف كتاب "خمس عائلات: صعود، هبوط، وعودة المافيا أقوى الإمبراطوريات في أميركا".

يقول راب إن "كلمة المافيا حتى مطلع القرن التاسع عشر لم تكن تعني الشخص المجرم أو المجموعة المجرِمة، بل كانت تشير إلى الشخص المشبوه الذي كانت تشك الحكومات المتعاقبة على صقلية بولائه لها"، يستدل الكاتب في ذلك من مسرحية إيطالية عرضت في عام 1860 بعنوان: (أبطال من السجن)، تحدثت عن مجموعة من السجناء المشبوهين في سجن صقلية أقاموا نظاماً خاصاً بهم، حافظوا فيه على التسلسل الهرمي لقيادتهم.

من هنا انتشر مصطلح المافيا في كل إيطاليا ومنها إلى باقي أنحاء العالم، وفي عام 1861 أطلق الجنرال الإيطالي غاريبالدي (ضابط بحري من مواليد مدينة نيس الفرنسية، شارك في العديد من الحملات العسكرية التي أدت إلى توحيد إيطاليا) على المجرمين المختبئين في الكهوف اسم المافيا.

انتشار المافيا في إيطاليا بعد الوحدة الإيطالية

كانت إيطاليا عبارة عن مجموعة من المقاطعات المستقلة عن بعضها البعض (مثل: مقاطعة روما، سردينيا، صقلية...)، توحدت هذه المقاطعات في عام 1861 في دولة واحدة اسمها إيطاليا، لكن الحكومة المركزية كانت ضعيفة فطلبت من المافيا الصقلية مساعدتها في ملاحقة العصابات الإجرامية الخطرة، على أن تقوم الحكومة لاحقاً بالقضاء على المافيا الصقلية.

لكن ذلك لم يحصل بل على العكس صعدت المافيا من أنشطتها الإجرامية بحق الأهالي وزاد نفوذهم في السياسة والاقتصاد، فبالنسبة للناحية الاقتصادية حصلت المافيا على أموال طائلة نتيجة ابتزاز الأهالي بحجة حمايتهم وحماية ممتلكاتهم، أما من الناحية السياسية فقد كانت المافيا تُرعِب الناس وتدفعهم للتصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك في الانتخابات، وكان هؤلاء المرشحون بدورهم إما من المافيا أو من يدعمونها، ويشير الكاتب سلوين راب، إلى "أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تعتمد على المافيا لمراقبة مقتنيات ممتلكاتها الضخمة في صقلية والحفاظ على المزارعين المستأجرين لأراضي الكنيسة".

وفي عام 1865 استخدمت الشرطة الإيطالية مصطلح "مافيا" لوصف الرجل الذي يخطط للجرائم ويدفع الآخرين لتنفيذها، من هنا بدأ المراسلون الأجانب الكتابة عن هذا الموضوع وإجراء التحقيقات حول الجمعيات السرية في إيطاليا عموماً وصقلية خصوصاً.

الإنضمام إلى المافيا

سعت المافيا لتقوية نفسها أكثر، فسعت لضم أعضاء جدد إليها، وأقامت مراسم خاصة تعهّد فيها هؤلاء الأعضاء الجدد بالولاء السري للمنظمة، وبعدم البوح بما يجري فيها لأحد، إضافة لذلك كرّست المافيا لدى عناصرها والناس عموماً مبدأ "أنهم إذا تعرضوا للسرقة أو أي نوع من أنواع الجريمة ألا يلجؤوا للسلطات بل للمافيا التي تأخذ حقها من المجرم"، كما طالبت عناصرها والناس المتأثرين بها بعدم التعاون مع السلطات في حال أجريت تحقيقات حول جرائم ارتكبت بحق هؤلاء الأشخاص.

المافيا بعد الحرب العالمية الثانية

ازداد نفوذ المافيا حتى عام 1920، وعندما استلم السلطة في إيطاليا الحزب الفاشي بزعامة بينيتو موسوليني، سعى للقضاء على المافيا باعتبارها تشكل تهديداً للحزب الحاكم، وتمكن من وضع حدِّ لها، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1944 والقضاء على موسوليني، عادت المافيا للانتشار في إيطاليا منذ العام 1950، حيث سيطرت على شركات البناء التي قامت بإعادة إعمار إيطاليا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1970 أصبحت المافيا لاعباً رئيسياً في مجال الإتجار بالمخدرات.

المافيا الأمريكية في القرن العشرين

ظهرت المافيا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1920 كنتيجة لنجاح المافيا في إيطاليا في جمع الثروة والنفوذ، ومارست المافيا الأمريكية الأعمال التجارية المزدهرة كتجارة الخمور، كما شاركت المافيا الأمريكية في مجموعة من الأنشطة غير القانونية، مثل: (منح القروض بفوائد كبيرة)، إضافةً لذلك تسللت إلى نقابات العمال والصناعات المشروعة مثل: البناء، صناعة الملابس في نيويورك، حيث تمكنت المافيا الأمريكية كمثيلتها الإيطالية من الحفاظ على نجاحها وسرية عملياتها، كما قامت بتقديم الرشاوى وممارسة الترهيب ضد الموظفين العموميين، رجال الأعمال، الشهود، المحلفين.

المافيا وجهاً لوجه مع القضاء

كانت السلطة القضائية عاجزة عن التصدي للمافيا الأمريكية والإيطالية بسبب قوتها وسريتها، لكن خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين بدأت النيابة العامة في أمريكا وإيطاليا تستخدم بنجاح قوانين مكافحة الابتزاز لإدانة المافيات، حيث قام بعض رجال المافيا، من أجل تجنب السجن لفترة طويلة بالاعتراف على أعوانهم وقادتهم للسلطات القضائية، الأمر الذي أثمر في مطلع القرن الحادي والعشرين عن مئات الاعتقالات بحق رؤساء المافيات، فضعفت المافيا في كلا البلدين (الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا)، مع ذلك، لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي، ولا تزال موجودة في القطاعات الاقتصادية ولكن بوتيرة ضعيفة مقارنة بما كانت عليه في القرن العشرين.

الأجهزة الأمنية في العالم تلاحق المافيات في القرن الحادي والعشرين

سعت الأجهزة الأمنية في العالم للقبض على المافيات وزعمائها، ومنهم الشرطة الإيطالية حيث تمكنت في عام 2011 من إعادة اعتقال أحد كبار زعماء المافيا المدعو أنطونيو بيلي المدان بتزعم المافيا، الإتجار بالأسلحة، تهريب المخدرات، حيث حكمته المحكمة الإيطالية بالسجن لمدة عشرين عاما الذي هرب من المستشفى في عام 2011، حيث عثرت عليه مختبئاً في خزانة منزله الواقع في قرية Benestare الواقعة جنوب إيطاليا.

كما تمكنت الشرطة الإيطالية في السادس والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 2016 من اعتقال ثاني أخطر زعماء المافيا في إيطاليا المدعو إرنستو فازاري المطلوب منذ عام 1996، وهو زعيم مافيا كالابريا الإيطالية، حيث يواجه زعيم المافيا حكم السجن مدى الحياة بعد إدانته بارتكاب جرائم القتل، تزعم المافيا، تهريب المخدرات، السرقة، حيازة اسلحة من دون ترخيص، كما اعتقلت الشرطة المكسيكية نجل زعيم مافيا كارتل وسلمته للولايات المتحدة الأمريكية، للاشتباه في الجرائم التالية: ( تهريب المخدرات، الخطف، القتل).

هناك العديد من المافيات حول العالم، أبرزها

  • ياكوزا (Yakuza)، مافيات يابانية وكورية، لديها المباني والمكاتب، وبطاقات العمل، تشارك في السياسة ومجالس إدارة الشركات.
  • 18 شارع جانغ (18th Street Gang)، المعروفة أيضاً باسم جيش الأطفال (the Children"s Army)، لأنها تجند تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة، تضم في عضويتها 30 ألف شخص في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
  • مونجيكي (Mungiki)، مافيا كينية تستخدم كل وسائل الترهيب لإجبار الناس على العودة للقيم القديمة، تدير عمليات ابتزاز في الأحياء الفقيرة في نيروبي، كما تسيطر على صناعة سيارات الأجرة، وتقوم بقطع الرؤوس وتشويه أي شخص يعارضها.
  • المافيا الروسية (Russian Mafia)، لديها ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف عضو في 450 مجموعة، تستخدم التكتيكات العسكرية، والأنشطة الأكثر شيوعاً لها؛ الإتجار بالأعضاء والقتل.
  • ملائكة الجحيم (Hells Angels)، أمريكية الجنسية، يعشق أفرادها الدراجات النارية، ارتبط أعضاؤها بالإتجار بالمخدرات، العمل في تجارة الجنس، الابتزاز.
  • المافيا الصقلية: لا كوزا نوسترا (Sicilian Mafia: La Cosa Nostra)، إيطالية الجنسية، مفتوحة فقط لرجال صقلية، اتبعوا قانون الصمت والسرية على اعتبار "أن الفشل في القيام بذلك يؤدي إلى الفشل في التنفيذ".
  • الغوغاء الألبانية (Albanian Mob)، تضم خمس عشرة عشيرة، تركز في أعمالها على تهريب المخدرات، الاتجار بالبشر، الاتجار بالأسلحة.
  • المافيا الصربية (Serbian Mafia)، تتألف من مجموعات متعددة في صربيا والشتات الصربي، كان ينظر إلى المافيا من قبل العديد من الصرب كوسيلة للخروج من الآثار الاقتصادية للحروب اليوغوسلافية، ترتكز في عملها على تهريب المخدرات وتهريب السلاح.
  • مونتريال المافيا: البيزيتوس (Montreal Mafia: The Rizzutos)، تنتشر المافيا في مونتريال، جنوب كيبيك وأونتاريو تملك هذه المافيا أكثر في المقاولات في العاصمة الكندية مونتريال.
  • عصابات المخدرات المكسيكية (Mexican drug cartels)، على الرغم من أن منظمات تهريب المخدرات المكسيكية كانت موجودة منذ عقود، إلا أنها ارتفعت إلى قدر أكبر من السلطة مع زوال عصابتي ميدلين وكالي الكولومبية، اعتمدت على تهريب المخدرات، الاغتصاب، الخطف، التعذيب، وكانت مسؤولة عن مئات الآلاف من القتلى، ووضعتهم في مقابر جماعية لأربعة وعشرين ألف جثة.
  • مارا سالفاتروتشا (Mara Salvatrucha)، مافيا أمريكية تركزت في لوس أنجلوس، على الرغم من أنها قد تنتشر إلى أماكن أخرى في أمريكا الشمالية والمكسيك، يبلغ عدد أعضائها خمسين ألف عضو.
  • عصابات المخدرات الكولومبية (Colombian drug cartels)، حتى عام 2011 كانت كولومبيا أكبر منتج للكوكايين في العالم، فقامت السلطات الكولومبية بحملة قوية لمكافحة المخدرات وفككت العديد من المنتجين الأكثر خطورة، مثل عصابات ميديلين وكالي.
  • مجموعات الثلاثة الصينية (Chinese Triads)، اسم فضفاض لجماعات الجريمة المنظمة الصينية، مركزها هونغ كونغ، تقدر الحكومة الأمريكية أنها تهرب ما يصل إلى مئة ألف شخص لا يحملون وثائق في البلاد كل عام، وأنها هي أيضاً نشطة بشكل خاص في تزوير الأموال والنقود.
  • كومباني دي (D-Company)، يرأس هذه المجموعة الإماراتي داود إبراهيم، ومقرها في الهند، وباكستان، والإمارات العربية المتحدة، هذه المافيا متهمة بتنظيم الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات بومباي 1993، التي قُتل فيها 257 شخصاً وأُصيب أكثر من 700، تمول منظمة كومباني دي الأعمال التجارية المشروعة (بما في ذلك العقارات والأعمال المصرفية) بمليارات الدولارات، فضلاً عن أنشطة غير مشروعة.

في الختام.. بدأت المافيا كمجموعات مسلحة مهمتها حماية الأهالي من السرقات وممارسات السلطات الغازية في صقلية، ومن ثم أصبحت منظمات تبتز المواطنين وتأخذ منهم أموالاً بحجة حمايتهم، لذلك أصبحت هذه المنظمات من أخطر المنظمات على الإطلاق، لذلك تسعى الحكومات لمواجهتها بكل الطرق من أجل وضع حدٍّ لممارساتها.