;

وقائع وأحداث حرب البوير الثانية (The Second Boer War)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
وقائع وأحداث حرب البوير الثانية (The Second Boer War)

حروب البوير عبارة عن حربين الأولى جرت بين جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) وبريطانيا، حيث هدفت منها بريطانيا لضم جمهورية جنوب أفريقيا إليها لكنها فشلت، أما الحرب الثانية، فاندلعت بين  بريطانيا وولايتين من جنوب أفريقيا هما: (جمهورية ترانسفال، وجمهورية أورانج الحرة) حصلت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث شكلت هذه الحرب تحدياً بين إرادتين، إرادة الاستقلال لجمهوريتي البوير وإرادة الضم لبريطانيا، وفي النهاية انتصرت إرادة واحدة، فإرادة من انتصرت؟ كيف بدأت هذه الحرب؟ وكيف انتهت؟ ما المقصود بالبوير؟ هذه الأسئلة سنجيب عنها في هذه المقالة.

ما هي الأسماء التي اشتهرت بها حرب البوير

مصطلح بوير، كلمة هولندية معناها المزارع، استخدم هذا المصطلح في جنوب أفريقيا، للدلالة على أحفاد المستوطنين الناطقين بالهولندية المقيمين في الحدود الشرقية لمدينة كيب تاون الواقعة في الجنوب الأفريقي خلال القرن الثامن عشر، كما تم تطبيق هذا المصطلح على أولئك الذين غادروا مستعمرة كيب خلال القرن التاسع عشر للاستقرار في ولاية أورانج الحرة، وناتال الواقعتين في جنوب إفريقيا، حيث تركوا مدينة كيب تاون في للهروب من الحكم البريطاني والابتعاد عن الحروب الحدودية المستمرة بين الحكومة الإمبراطورية البريطانية والقبائل على الحدود الشرقية.

أسماء أخرى لحرب البوير

تُعرف حرب البوير الثانية باللغة الإنجليزية باسم (The Second Boer War)، كما تعرف باسم الحرب الأنجلو بوير في إشارة إلى طرفي الحرب (البوير من جهة، وبريطانيا من جهة أخرى)، كما تعرف باسم حرب الاستقلال الثانية على اعتبار أن الحرب الأولى جرت بين عامي 1880 و 1881، وتعرف هذه الحرب أيضاً باسم حرب جنوب أفريقيا نتيجة المكان الذي حصلت فيه الحرب.

بداية حرب البوير

تعود أصول حرب البوير إلى صراع دام أكثر من قرن بين البويريين وبريطانيا، ولكن من الأهمية بمكان السؤال عن من سيتحكم ويستفيد أكثر من مناجم الذهب المربحة جداً؟، وخلال الحروب النابليونية (الحروب التي قام بها نابليون بونابرت)، نزلت بعثة عسكرية بريطانية في مستعمرة كيب وهزمت المدافعين عن القوات الهولندية في معركة بلاوبيرج في عام 1806.

وبعد هذه المعركة، استحوذ البريطانيون رسمياً على المستعمرة في عام 1814، وشجعوا الهجرة من قبل المستوطنين البريطانيين الذين كانوا إلى حد كبير على خلاف مع المستوطنين الهولنديين، لكن هذا الاحتلال لم يحظَ برضا البويريين الهولنديين لاسيما بعد أن ألغى الاحتلال البريطاني الرق في الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1834، فهاجر قسم من أهالي البوير بعيداً عن الحكم البريطاني، وعرفت هذه الهجرات باسم غريت تريك (The Great Trek).

البريطانيون يخسرون حرب البوير الأولى

وبعد أن احتلت بريطانيا ناتال في عام 1843، ظهرت جمهوريتين مستقلتين من البوير: جمهورية جنوب أفريقيا (جمهورية ترانسفال) في عام 1852 ودولة أورانج الحرة في عام 1854، وفي عام 1877 حاولت بريطانيا ضم جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) إلى أراضيها، مما أدى إلى وقوع حرب البوير الأولى بين عامي 1880 و 1881، حيث تمكن أهالي البوير من هزيمة البريطانيين في معارك عديدة أبرزها معركة ماجوبا هيل في عام 1881، فعدلت بريطانيا عن فكرة الضم.

اكتشاف الألماس والذهب في جمهوريتي البوير

اكتشف الماس في عام 1866 في كيمبرلي بالدولة البرتقالية الحرة، مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من الأجانب إلى حدودها، وبعد عشرين عاماً، أي في عام 1886، تم اكتشاف الذهب في منطقة ويتواترسراند في جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، مما جعل هذه الدولة أغنى دولة في الجنوب الأفريقي.

لكن هذا البلد (جمهورية جنوب أفريقيا) لم يكن لديه القوة العاملة ولا القاعدة الصناعية لتنمية الموارد لوحده، ونتيجة لذلك، اعترفت جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) بهجرة الأجانب، وخاصة الناطقين باللغة الإنجليزية من بريطانيا، الذين هاجروا إليها (جمهورية جنوب أفريقيا - ترانسفال) بحثاً عن الحظ والعمالة، ونتج عن ذلك أن عدد المهاجرين تجاوز عدد سكان البوير، مما عجل في المواجهة بين المستوطنين القدامى للبوير (جمهورية جنوب أفريقيا، ودولة أورانج الحرة) والمستوطنين الجدد.

بريطانيا تسعى لضم جمهوريتي البوير إليها

سعت بريطانيا لدمج جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) ودولة أورانج الحرة في اتحاد فيدرالي يكون تحت السيطرة البريطانية، وذلك بحجة الأصول البريطانية لغالبية سكان هاتين الجمهوريتين، والتدفق المستمر لأصحاب الأراضي الجديدة في جوهانسبرغ، حيث طالب سكرتير الاستعمار البريطاني جوزيف شامبرلين بحقوق التصويت الكاملة والتمثيل للمقيمين في جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) في شهر أيلول/ سبتمبر عام 1899.

لكن جمهوريتا البوير (جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، ودولة أورانج الحرة) رفضتا، ووجّه رئيس جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) بول كروجر إنذاراً في التاسع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899، منح الحكومة البريطانية ثمانية وأربعين ساعة لسحب جميع قواتها من حدود كل من جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال) ودولة أورانج الحرة، فرفضت الحكومة البريطانية إنذار جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، فأعلنت دولتا البوير (جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، ودولة أورانج الحرة) الحرب على بريطانيا في الحادي عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899.

مراحل حرب البوير الثانية

يمكن تقسيم حرب البوير الثانية التي استمرت لثلاث سنوات بين بريطانيا وجمهوريتي جنوب أفريقيا (ترانسفال) وأورانج الحرة إلى ثلاث مراحل، تميزت الأولى بانتصار قوات البوير ونجاحها في حصار الحاميات البريطانية في المستعمرات البريطانية، فيما تمكن البريطانيون من استعادة زمام المبادرة في المرحلة الثانية، حيث فكوا الحصار عن حامياتهم المحاصرة وغزوا جمهوريتا جنوب أفريقيا (الترانسفال) وأورانج الحرة.

أما في المرحلة الثالثة فقد حاول البوير استخدام سياسة حرب العصابات لإخراج البريطانيين من أراضيهم، لكن بريطانيا استخدمت في المقابل سياسة الأرض المحروقة (أي إحراق كل شيء يمكن أن يستفيد منه العدو كالأراضي الزراعية) التي أنهت الحرب.

المرحلة الأولى: جمهوريتا البوير تغزوان مستعمرات بريطانية

امتدت هذه المرحلة من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899 حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1899، حيث بدأت جمهوريتا البوير ضربات وقائية على الأراضي التي يسيطر عليها البريطانيون في ناتال ومستعمرة كيب في الثاني عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899، فهاجمت قوات البوير مدينة مافكينغ التي كانت نقطة تقاطع للسكك الحديدية التي تمر منها القوات البريطانية، وفي الثالث عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899.

تمكنت قوات البوير من فرض الحصار على الحامية البريطانية في هذه المدينة، ثم هزمت جمهوريتا البوير القوات البريطانية في معركة (تالانا هيل) التي وقعت في فجر العشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1899، مما أدى إلى مقتل أربعمئة وستة وأربعين جندياً بريطانياً، فرد البريطانيون بمهاجمة قوات البوير في معركة (إلاندسلاغت) تمكنوا فيها من هزيمتهم، لكن القوات البريطانية كانت تخشى من هجوم مضاد من قوات البوير، فتراجعت وانسحبت من مدينة إلاندسلاغت، لتحتلها قوات البوير التي تمكنت من محاصرة الحاميات البريطانية في مدينة لاديسميث أيضاً وأطلقت النار على القوات البريطانية المتواجدة هناك، مما أدى إلى مقتل مئة وأربعين جندياً بريطانياً وإصابة أكثر من ألف جندي، واستمر حصار قوات البوير للمدينة عدة أشهر، كما حاصرت قوات البوير الحامية البريطانية في مدينة كيمبرلي لتعدين الماس في أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1899.

بريطانيا ترسل التعزيزات إلى حاميتها المحاصرة

بعد أن أصبحت الحاميات البريطانية تحت حصار قوات البوير، أرسلت بريطانيا تعزيزات كبيرة لفك الحصار بقيادة الجنرال ريدفرز هنري بولر، حيث قام بتقسيم الجيش إلى عدة مفارز منتشرة على نطاق واسع لتخفيف الحصار عن الحاميات البريطانية، وهذه المفارز هي:

  1. المفرزة الأولى بقيادة اللورد ميثون، تتجه نحو السكة الحديدية الغربية في الشمال، وتخفف الحصار عن كيمبرلي ومفيكينغ.
  2. المفرزة الثانية بقيادة اللواء ويليام جاتاكير، كانت تدفع شمالاً باتجاه مفترق السكك الحديدية في ستورمبرغ لتأمين منطقة كيب ميدلاندز من غارات بور والتمردات المحلية من قبل سكان البوير.
  3. المفرزة الثالثة بقيادة الجنرال ريدفرز هنري بولر، الذي سيقود الجزء الأكبر من سلاح الجيش لتخفيف لاديسميث إلى الشرق.

وكانت النتائج الأولية لهذا الهجوم البريطاني المضاد أن فازت القوات البريطانية بعدة مناوشات دموية في بلمونت في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1899، وفي غراسبان في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1899، وفي معركة حصلت على نهر مودر في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر أسفرت عن خسائر بريطانية بلغت واحد وسبعين قتيلاً وأكثر من أربعمئة جريح.

الأسبوع الأسود لبريطانيا

وكان منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1899 كارثياً للجيش البريطاني، ففي الفترة المعروفة باسم الأسبوع الأسود بين العاشر والخامس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر ذاك العام عانى البريطانيون من سلسلة من الخسائر على كل من الجبهات الثلاث الرئيسية.

  • معركة ستورمبرغ، وقعت في العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1899 عندما حاولت القوات البريطانية بقيادة اللواء ويليام جاتاكير استعادة تقاطع سكة ​​حديد ستورمبرغ على بعد ثمانين كيلومتراً جنوب نهر أورانج، وانتهت بهزيمة القوات البريطانية، حيث قتل وجرح مئة وخمسة وثلاثون جندياً بريطانياً.
  • معركة ماجرسفونتين، وقعت في الحادي عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1899 عندما حاولت القوات البريطانية بقيادة الجنرال ميثون تخفيف الحصار عن مدينة كيمبرلي، حيث هزمت القوات البريطانية وكانت الحصيلة مقتل مئة وعشرين وإصابة ستمئة وتسعين جريحاً.
  • معركة كولينسو، وقعت في الخامس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1899 عندما حاولت القوات البريطانية بقيادة الجنرال ريدفرز هنري بولر عبور نهر توغيلا لتخفيف الحصار عن مدينة لاديزميث، حيث كان ثمانية آلاف من قوات البوير بانتظارهم، وصدت جميع المحاولات البريطانية لعبور النهر، فتراجعت القوات البريطانية وكانت نتيجة المعركة مقتل مئة وخمسة وأربعين جندياً، وإصابة ألف ومئتين آخرين.

المرحلة الثانية من حرب البوير الثانية

استمرت هذه المرحلة من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1900 حتى شهر أيلول/ سبتمبر عام 1900، فبعد الهزائم المتتالية التي منيت بها القوات البريطانية، أرسلت الحكومة البريطانية تعزيزات جديدة وصلت في شهر كانون الثاني/ يناير عام 1900، حيث قامت القوات بقيادة الجنرال ريدفرز هنري بولر بمحاولة جديدة لتخفيف الحصار عن الحامية البريطانية المتواجدة في مدينة لاديسميث من خلال عبور غرب توغيلا كولينسو.

وتمكنت من عبور النهر بنجاح، وسيطرت على تلة بارزة تعرف باسم سبيون كوب خلال الساعات الأولى من يوم الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1900، ولكن بسبب الضباب في الصباح الباكر؛ حصل سوء اتصال بين الجنرال ريدفرز هنري بولر وقادته أدى إلى أوامر متناقضة بالانسحاب والبقاء في التلة، فكانت نتيجة ذلك مقتل ثلاثمئة وخمسين جندياً بريطانياً، وجرح ألف آخرين وتراجع القوات البريطانية عبر نهر توجيلا.

وكانت هناك ما يقرب من ثلاثمئة إصابة من قوات البوير، ونتيجة لذلك عزلت الحكومة البريطانية الجنرال ريدفرز هنري بولر من منصب القائد العام للقوات البريطانية وعينت عوضاً عنه المشير لورد روبرتس، وكان روبرتس يعتزم أولاً مهاجمة مباشرة على طول خط سكة حديد كيب تاون - بريتوريا.

ولكن مرة أخرى، أُجبر على تخفيف الضغط عن الحاميات البريطانية المحاصرة، وبعد أن ترك روبرتس قيادة الجنرال ريدفرز هنري بولر في ناتال، قام بتجميد قوته الرئيسية بالقرب من نهر أورانج وعلى طول السكك الحديدية الغربية خلف القوات البريطانية التي يقودها الجنرال ميثوين في نهر مودر، واستعد للقيام بخطوة واسعة لتخفيف الحصار عن الحامية البريطانية في كيمبرلي.

فك الحصار عن الحامية البريطانية في كيمبرلي

هاجمت القوات البريطانية قوات البوير المحاصرة لمدينة كيمبرلي في العاشر من شهر شباط/ فبراير عام 1900، وفي الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير عام 1900 تمكنت القوات البريطانية من شن هجوم كبير هزم قوات البوير المحاصرة لمدينة كيمبرلي، وفك الحصار عن الحامية البريطانية المتواجدة في هذه المنطقة وذلك في الخامس عشر من شهر شباط/ فبراير عام 1900.

ثم تمكنت القوات البريطانية من عبور نهر مودر، وفي معركة بارديبرغ في الفترة من الثامن عشر والسابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1900 استمر القتال عشرة أيام من دون أن تتمكن القوات البريطانية من الانتصار على قوات البوير في هذه المعركة، بل على العكس اضطرت القوات البريطانية لاستخدام مياه نهر مودر الملوثة كإمدادات للمياه، مما أسفر عن انتشار وباء التيفوئيد الذي أدى إلى مقتل العديد من الجنود، واضطرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال كرونجي للاستسلام في ساحة بمدينة كلارنز باتت تعرف لاحقاً باسم سورندر هيل مع أربعة آلاف جندي.

فك الحصار عن الحامية البريطانية في لاديسميث

وقعت معركة مرتفعات توغيلا في ناتال في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير عام 1900، حيث حاولت القوات البريطانية التخفيف من حصار لاديسميث، وفي السادس والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1900 تمكنت من عبور نهر التوجيلا حيث رفعت الحصار عن مدينة لاديسميث في الثامن والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1900.

القوات البريطانية تهاجم دولة أورانج الحرة

بعد نجاح القوات البريطانية في فك الحصار عن حاميتها، توجهت لغزو جمهورية أورانج الحرة من الغرب، وتمكنت من السيطرة على العاصمة بلومفونتين بعد هزيمة قوات البوير في معركة بوبلار غروف في الثالث عشر من شهر آذار/ مارس عام 1900، وفي الثامن والعشرين من شهر أيار / مايو عام 1900، ضمت بريطانيا دولة أورانج الحرة، وأعادت تسميتها بمستعمرة نهر أورانج.

القوات البريطانية تغزو جنوب أفريقيا (ترنسفال)

بعد السيطرة على جمهورية أورانج الحرة، واصلت القوات البريطانية تقدمها، وغزت جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، فاستولت على مدينة جوهانسبرغ في الحادي والثلاثين من شهر أيار/ مايو عام 1900، ثم احتلت العاصمة بريتوريا في الخامس من حزيران/ يونيو عام 1900، وفي الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1900 أعلنت بريطانيا ضم جمهورية جنوب أفريقيا إلى أراضيها.

المرحلة الثالثة: حرب عصابات البوير ضد الاحتلال البريطاني

امتدت هذه المرحلة من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1900 حتى شهر أيار/ مايو عام 1902، فبحلول شهر أيلول/ سبتمبر عام 1900، كان البريطانيون يسيطرون على جمهوريتي البوير باستثناء القسم الشمالي من جمهورية إفريقيا الجنوبية (ترانسفال)، وعلى الرغم من فقدان عاصمتي جمهوريتي البوير ونصف جيشهما، تبنى قادة البوير تكتيكات حرب العصابات، وكانوا ينفذون في المقام الأول غارات ضد السكك الحديدية، ويستهدفون الموارد والإمداد، وكلها بهدف قطع الإمدادات عن الجيش البريطاني، كانت تكتيكاتهم تعتمد على الضرب بسرعة وبشدة مما يتسبب في أضرار كبيرة للعدو قدر الإمكان، ثم الانسحاب والتلاشي قبل وصول تعزيزات للعدو.

الاستجابة البريطانية لحرب العصابات

نتيجة خسائر القوات البريطانية الكبيرة من سياسة حرب العصابات، اضطر البريطانيون إلى مراجعة تكتيكاتهم بسرعة، وركزوا على تقييد حرية حركة مقاتلي البوير وحرمانهم من الدعم المحلي، وقد وفرت خطوط السكك الحديدية خطوطاً حيوية للاتصال والتوريد، ومع تقدم البريطانيين في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، استخدموا قطارات مدرعة وأقاموا حواجز محصنة في نقاط رئيسية.

كما قاموا ببناء مساكن إضافية وحصنوها لحماية طرق الإمداد ضد مهاجمي البوير، كما كانت إحدى ردود بريطانيا على حرب العصابات هي سياسة "الأرض المحروقة" لحرمان الإمدادات والملجأ من العصابات، حيث استهدف البريطانيون كل شيء داخل المناطق الخاضعة للرقابة التي يمكن أن تعطي القوت لمقاتلي البوير بهدف جعل قدرة البوير على البقاء على قيد الحياة صعبة، فاجتاحت القوات البريطانية الريف، دمرت بشكل منهجي المحاصيل، وأحرقت المنازل والمزارع، وأغلقت الآبار، واحتجزت النساء الأفريقيات والأطفال والعمال في معسكرات الاعتقال، فاستسلمت قوات البوير يوم السبت الواقع في الحادي والثلاثين من شهر أيار/ مايو عام 1902.

معاهدة بريطانية تنهي حرب البوير الثانية

استسلمت قوات البوير يوم السبت الواقع في الحادي والثلاثين من شهر أيار/ مايو عام 1902، ووقعت دولتا البوير (جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، والدولة البرتقالية الحرة) معاهدة فيرينيجينغ مع بريطانيا، وبموجب المعاهدة تم ضم الجمهوريتين للإمبراطورية البريطانية، مع وعد بالحكم الذاتي في المستقبل، وقد تحقق هذا الوعد مع إنشاء اتحاد جنوب أفريقيا في عام 1910.

اتحاد جنوب أفريقيا

كان من أهم الأحداث التي وقعت في العقد الذي أعقب انتهاء الحرب إنشاء اتحاد جنوب أ��ريقيا الذي أصبح يُعرف لاحقاً باسم (جمهورية جنوب أفريقيا) والذي ضم كل من (ترانسفال، دولة أورانج الحرة، رأس الرجاء الصالح، ناتال)، وأصبح حليفاً رئيسياً لبريطانيا، وخلال الحرب العالمية الأولى التي وقعت بين عامي 1914 و 1918 اندلعت أزمة داخل جمهورية جنوب أفريقيا عندما أعلنت حكومتها بقيادة لويس بوثا دعم بريطانيا.

ووافقت الحكومة على إرسال قوات للاستيلاء على المستعمرة الألمانية في الجهة الجنوبية الغربية من أفريقيا المعروفة حالياً باسم (ناميبيا)، حيث كان العديد من البوير يعارضون القتال مع بريطانيا ضد ألمانيا التي كانت متعاطفة مع نضال البوير، وشارك عدد من المتمردين من سكان البوير بقيادة الضابط ماني ماريتز في ثورة تعرف باسم (تمرد ماريتز) (The Maritz rebellion) تم قمعها بسرعة في عام 1916، حيث حكم عليهم بالسجن لمدة ست وسبع سنوات وغرامات باهظة.

وبعد عامين أطلق سراحهم من السجن، وبعد ذلك ركزوا على التنظيم السياسي داخل النظام الدستوري، وبنوا فيما بعد الحزب الوطني الذي تولى السلطة في عام 1948 وسيطر على سياسة جنوب أفريقيا منذ أواخر الأربعينيات وحتى أوائل التسعينات في ظل نظام الفصل العنصري.

في الختام.. ينطبق على هذه الحرب المبدأ الذي يقول: "ليس المهم أن تبدأ الحرب المهم أن تعرف كيف تنهيها"، بدأت جمهوريتا البوير (جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال)، وجمهورية أورانج الحرة) الحرب ضد بريطانيا، لتكون نهايتها انتصاراً لبريطانيا على هاتين الجمهوريتين، حيث انتقلت الجمهوريتان من دولتين مستقلتين إلى ملحقتين بالإمبراطورية البريطانية، ربما كل ذلك كان بسبب اكتشاف الماس والذهب في هاتين الجمهوريتين.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه