;

نظرية العقد الاجتماعي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 18 يوليو 2022

يعود مفهوم نظرية العقد الاجتماعي إلى الفلسفة الكلاسيكية والتي يعد أفلاطون وأرسطو أبرز مفكريها، وترى هذه الفلسفة أن الإنسان حيوان اجتماعي يستطيع الدخول في اتفاق ينظم المجتمع.

ولقد ظهرت نظرية العقد الاجتماعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وهي بالتعريف: فلسفة سياسية حديثة، تعتقد أن أصل الدولة يعود لعقد بين الناس.

قبلوا بموجبه وجود قوانين تحد من حريتهم، مقابل ضمان استمرار حياتهم وحياة المجتمع.

 

فرضية العقد الاجتماعي

تنطلق نظرية العقد الاجتماعي من الفرضية القائلة بأن نشوء المجتمع لم يكن طبيعياً، بل اصطناعياً، حيث كان الناس يعيشون في الحالة الطبيعية (ما قبل الدولة) من دون قوانين تنظم حياتهم، مما أدى لانتشار الفوضى.

الأمر الذي دفع الناس للاتفاق على عقد بينهم، ينقذ حياتهم، وينظم شؤونهم، وبموجبه يتخلون عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح الدولة.

 

أساس نظرية العقد الاجتماعي

تقوم نظريات العقد الاجتماعي على أسس عدة أبرزها، أن ظهور الأفراد يسبق ظهور الدولة، والأفراد في الحالة الطبيعية متساوون، وهم في علاقة تنافسية فيما بينهم، ولكن يجمعهم شيء واحد وهو الميل للحصول على الأمان.

وهم منطقيون وعقلانيون وبالتالي يستطيعون المقارنة بين مزايا الحالة الطبيعية التي يعيشون فيها ومزايا حالة الدولة وبالتالي يفضلون الدولة على الحالة الطبيعية.

 

انواع العقد الاجتماعي عند أبرز مفكري النظرية

تقسم نظرية العقد الاجتماعي إلى ثلاثة أنواع تبعاً للمفكرين الذين نظروا لها، واعتقدوا بوجود عقد اجتماعي يبرر ظهور المجتمع المنظم، نوجزها هنا:

1. العقد الاجتماعي عند توماس هوبز (1679-1588) Thomas Hobbes 

قدم توماس هوبز  (وهو فيلسوف بريطاني) رؤيته في العقد الاجتماعي في كتابة اللفيتان (الطاغوت) الذي نشره في عام 1651م، حيث يعتقد أن الإنسان أناني وشرير بطبعه.

وتكون الحالة الطبيعية وفق هوبز "حالة حرب الكل ضد الكل" والهدف الحفاظ على الذات، وبعد وقوع العديد من الضحايا والخسائر البشرية.

يتوصل العقلاء من الناس إلى ضرورة وجود عقد اجتماعي هدفه ضمان الأمن، وذلك بإنهاء الحالة الطبيعية، والتي تعني التخلي عن كل الحقوق الطبيعية للأفراد لصالح الدولة.

التي يحق لها استخدام كل ما يلزم لضبط المجتمع بما فيه الاستبداد، وبذلك يبرر هوبز الملكية المطلقة كنظام للحكم.

2. العقد الاجتماعي عند جون لوك John Locke (1632-1704)

صاغ جون لوك (وهو فيلسوف بريطاني) نظريته في العقد الاجتماعي في الرسالة الثانية من الحكومة المدنية التي نشرت في عام 1690، ويعتقد لوك أن الإنسان خيّر بطبعه وطيب.

وتتميز حالة الطبيعة بوجود الحرية الفردية والملكية الخاصة، وللحفاظ على حياة الأفراد، وتجنباً لحصول نزاعات بينهم، يتفقون على عقد اجتماعي.

يتخلون بموجبه عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح الدولة (مثل حق معاقبة من يتهدد حياتهم أو ممتلكاتهم)، وبالمقابل لا يحق للسلطة الاستبداد بالأفراد.

وإلا فسيتمردون ضد الدولة ويستبدلون الحاكم بحاكم آخر يلبي طموحاتهم وهنا يعد لوك مدافعاً عن الليبرالية كنظام حكم يقوم على وجود الحكومة الشرعية.

ومنعاً لإساءة استخدام السلطة التي تم تقسيمها إلى سلطتين تشريعية تضع القوانين، وتنفيذية تنفذ القوانين، وقضائية تراقب عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وفقا لمنظوره.

ويختلف العقد الاجتماعي عند لوك عن العقد الاجتماعي عند هوبز، فالغاية من العقد الاجتماعي عند لوك الحد من الصراع وتجنبه، أما عند هوبز فالغاية من العقد الاجتماعي إحلال السلام.

3. العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau (1712-1778):

صاغ جان جاك روسو (وهو فيلسوف فرنسي) نظريته في كتابه العقد الاجتماعي الذي نشر في عام 1762، حيث يعتقد المفكر الفرنسي جان جاك روسو أن الإنسان في الحالة الطبيعية ليست خيراً وليس سيئاً.

ولكن المجتمع يفسده بسرعة، حيث يعمل الجميع على تحقيق مصالحهم الشخصية، ويهدف العقد الاجتماعي إلى جعل الشعب صاحب السيادة.

حيث يتخلى الشعب عن اهتمامه بالمصالح الشخصية والتفرغ للمصلحة العامة، وبموجب العقد يتخلى الأفراد عن كل حقوقهم للدولة ولكن دون أن يخسروها.

في المقابل يجب أن تكون الدولة عادلة، وفي حال إخلال الدولة بعدالتها يحق للأفراد تغيير الحاكم فيها بموجب الحقوق ذاتها التي تنازلوا عنها. 

تلاحظ أن العقد الاجتماعي عند روسو أقرب إلى العقد الاجتماعي عند هوبز، فكلاهما يقول: أن الغاية من العقد الاجتماعي كسر الحالة الطبيعية وإحلال السلام.

ويختلف العقد الاجتماعي عند روسو عن العقد الاجتماعي عند هوبز ولوك، بأن المسؤولية الاحتياطية في الحفاظ على الحقوق تقع على عاتق الشعب الذي يتمتع بالسيادة، وتعد هذه النظرية أساس للثورة الفرنسية، والديمقراطية.

 

أبرز منتقدي نظرية العقد الاجتماعي

وجه العديد من المفكرين انتقادات لهذه النظرية وفقا لاعتبارات عدة، وقد كان أبرزهم:

  1. بنيامين ثابت BeniaminThabet (1767-1830)، وهو عالم دين مصري، حيث اعتبر في كتابه مبادئ السياسة، أن نظام العقد الاجتماعي كرس الكثير من الأخطاء كالعبودية.
  2. برتراند راسل Bertrand Russell ( (1970-1872،وهو فيلسوف بريطاني، يقول: لا وجود للعقد الاجتماعي لأنه لا يوجد للفرد الخيار بين الحالة الطبيعية والدولة.
  3. مورايروثبارد   Murray Rothbard ((1995-1926، وهو مؤرخ نمساوي، يقول لم تنشأ الدولة من خلال العقد الاجتماعي بل من خلال الغزو والاستغلال.

ختاما... من دون شك، أن وجود الدولة كان مادةً أثارت فضول المفكرين، ودفعتهم للبحث عن أسبابها، وابتداع هوبز ولوك وروسو  العقد الاجتماعي لم يكن سوى لتبرير ظهور الدولة.

ولكن هذه النظرية أدت إلى تكريس مفاهيم أساسية كالحقوق، والولاء للدولة، وفي ذات الوقت شكلت سبباً إضافياً للسعي نحو التغييرـ فكانت نظرية العقد الاجتماعي لدى روسو وراء الثورة الفرنسية.

التي غيرت وجه فرنسا الملكية المطلقة وغيرت معها العالم، وتبقى الانتقادات الموجهة للنظرية صحيحة فلا يوجد ما يثبت تاريخياً وجود عقد اجتماعي على النمط الذي ساقته النظرية.