;

نظرية الدومينو (Domino Theory)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
نظرية الدومينو (Domino Theory)

لكل سلوك سبب، هذا الأمر ينطبق على السياسة، فكل دولة تمارس سلوكيات ومواقف تبررها بشتى السبل، وأحياناً لا تبررها، ومن بين التبريرات الاعتماد على نظريات سياسية يعتبرونها مقبولة، ومن أبرز هذه النظريات نظرية الدومينو.

تعد نظرية الدومينو من أهم النظريات السياسية التي ظهرت في القرن العشرين، وتقوم على مبدأ تدحرج أحجار الدومينو.. فما هي هذه النظرية؟ وما هو مضمونها؟ من استخدمها؟ وما هي انتقاداتها؟

تعريف نظرية الدومينو

نظرية الدومينو هي نظرية سياسية ظهرت خلال الحرب الباردة وتحديداً في الحرب الفيتنامية، تقوم هذه النظرية على مبدأ أنه إذا تشابهت الدول في نظام الحكم، فإن أي تغيير في نظام إحدى الدول سيؤدي إلى تغييرات متتالية في بقية الأنظمة، وقد ترجمتها السياسة الأمريكية على الشكل التالي: إذا سقطت فيتنام في أيدي الشيوعيين، فهذا سيؤدي إلى سقوط الأنظمة الأخرى في الهند الصينية (لاووس، كمبوديا...) في أيدي الشيوعيين أيضاً.

الدومينو السوفيتي ونظرية الإحتواء

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، سيطر الاتحاد السوفياتي على معظم بلدان أوروبا الشرقية وأوروبا كجزء من التسوية التي حصلت خلال الحرب، وهو ما اعتبرته الدول الغربية بمثابة سقوط أحجار الدومينو، الأمر الذي دفع ونستون تشرشل ليعلن في خطابه عام 1946 في كلية وستمنستر في فولتون وميسوري ما يلي: "توسع الاتحاد السوفيتي من شتتين في بحر البلطيق إلى تريست في البحر الأدرياتيكي خطأ" لقد نزل الستار الحديدي في جميع أنحاء القارة، وراء هذا الخط تقع كل عواصم الدول القديمة في أوروبا الوسطى والشرقية (وارسو، براغ، بودابست، بلغراد، بوخارست، صوفيا)، كل هذه المدن الشهيرة والسكان حولها أصبحت في فلك الاتحاد السوفيتي، وكلها تخضع له بشكل وبآخر، وليس فقط إلى النفوذ السوفياتي، وفي بعض الحالات يتحكم الاتحاد السوفيتي في سياسات هذه الدول".

السياسة الأمريكية لمواجهة الدومينو السوفيتي

أعلن الزعيم الوطني الفيتنامي هوشي مينه استقلال فيتنام عن فرنسا في شهر أيلول/ سبتمبر عام 1945، وفي بداية الحرب الفيتنامية في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان، قدمت الحكومة الأمريكية المساعدة العسكرية السرية والمساعدات المالية للفرنسيين، كان المبرر أن فوز الشيوعيين في الهند الصينية من شأنه أن يُسرّع من انتشار الشيوعية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.

مبدأ ترومان

قدم الرئيس الأمريكي هاري ترومان قدّم مساعدات لليونان خلال الحرب ا��أهلية اليونانية، ولتركيا بعد الحرب العالمية الثانية خلال أواخر الأربعينات، لمساعدة هذه الدول في احتواء الشيوعية في أوروبا والشرق الأوسط فيما عرف باسم (مبدأ ترومان).

نظرية الاحتواء

كتب الدبلوماسي جورج كينان في أواخر الأربعينات مقالاً في مجلة الشؤون الخارجية التي أصبحت تعرف باسم المادة "X"، أعلن فيه سياسة الاحتواء، التي تهدف لفرض حصار على الاتحاد السوفيتي لمنعه من التمدد نحو الدول الأخرى، فأي بلد يصبح شيوعي سواءً بالانتخابات الديمقراطية أو القوة يعتبر أمراً غير مقبول، ويشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

كما شارك كينان أيضاً مع الآخرين في إدارة ترومان، في خلق خطة مارشال التي بدأت في عام 1947، لتقديم المساعدات إلى بلدان أوروبا الغربية (إضافةً لليونان وتركيا) كي لا تصبح هذه الدول شيوعية، وفي عام 1949 انتصرت الثورة الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ في الصين على الصين القومية، وهو ما اعتبرته الدول الغربية تمدداً للاتحاد السوفيتي والنفوذ الشيوعي وخسارة لها، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بقطع العلاقات مع الصين رداً على استيلاء الشيوعيين في عام 1949.

وفي عام 1950 اندلع القتال بين كوريا الشمالية الشيوعية المدعومة من الصين والاتحاد السوفيتي، وكوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما عُرف لاحقاً بالحرب الكورية، حيث كان قرار رئيس الصين ماو تسي تونغ الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية بمثابة محاولة مباشرة لمواجهة سياسة الاحتواء التي طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الشيوعية.

الهند الصينية .. "انظر إلى أحجار الدومينو واطرق واحداً منها.."

في أوائل عام 1950، كان صناع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية قد تبنوا بشدة فكرة أن سقوط الهند الصينية الشيوعية من شأنه أن يؤدي بسرعة إلى انهيار دول أخرى في جنوب شرق آسيا، فأدرج مجلس الأمن القومي نظرية الدومينو في تقريره عن الهند الصينية في عام 1951.

وفي شهر نيسان/ أبريل عام 1954، خلال معركة حاسمة بين الشيوعيين والقوات الفرنسية في ديان بيان فو، قال الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور معبراً عن نظرية الدومينو في مؤتمر صحفي له عقده في السابع من شهر نيسان/ أبريل عام 1954، من دون أن  يسميها: "انظر لأحجار الدومينو واطرق واحداً منها، وانظر ماذا سيحدث لآخر حجر دومينو بالتأكيد سيسقط بسرعة أكبر.

ومن هنا يمكن أن يتفكك النفوذ الشيوعي في الهند الصينية إذا أنقذنا فيتنام الجنوبية من الغزو الشيوعي، وإلا فإن تركنا فيتنام للسيطرة الشيوعية فإن ذلك سيؤدي إلى انتصارات شيوعية مماثلة في الدول المجاورة في جنوب شرق آسيا (بما في ذلك لاووس وكمبوديا وتايلاند) وغيرها (الهند، اليابان،  الفليبين، إندونيسيا، وحتى أستراليا ونيوزيلندا)، فالعواقب المحتملة لفقدان الهند الصينية لا تحصى بالنسبة للعالم الحر".

تحت ذات التبرير (نظرية الدومينو) واصلت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في الحرب الفيتنامية في عهد جون كنيدي في ستينيات القرن الماضي أي: للحفاظ على الفيتناميين الجنوبيين، كي لا يسقطوا في فخ الشيوعية، (على اعتبار أن سقوط فيتنام الجنوبية سيؤدي إلى سقوط دولاً أخرى في الشيوعية، وبعد اغتيال جون كينيدي، استخدم الرئيس الأمريكي ليندون جونسون نظرية الدومينو لتبرير تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في فيتنام من بضعة آلاف من الجنود لأكثر من نصف مليون جندي على مدى السنوات الخمس اللاحقة).

الحجج المؤيدة لنظرية الدومينو

تحققت نظرية الدومينوفي الهند الصينية، فبعد سقوط فيتنام الجنوبية وتوحدها مع جارتها الشمالية تحت راية الحزب الشيوعي، أصبحت أنظمة الحكم في لاوس وكمبوديا شيوعية، لكن في المقابل فشلت حملات الشيوعية في جنوب شرق آسيا، فعلى الرغم من مشاركة الشيوعيين في الحكم في إندونيسيا أواخر عام 1950، إلا أنه تم الإطاحة بالشيوعيين هناك في عام 1967.

بالتالي ساهمت هذه الضربة للنفوذ الشيوعي في توقف المد الشيوعي في هذه المنطقة، حيث قال مستشار الرئيس الأمريكي ماك جورج بوندي "إن احتمالات تأثير الدومينو، على الرغم من ارتفاعها في عقد الخمسينات من القرن العشرين لكنها تراجعت في عام 1965 عندما تم تدمير الحزب الشيوعي الإندونيسي عبر فرق الموت المدعومة من وكالة المخابرات المركزية في الإبادة الجماعية الإندونيسية".

ومع ذلك يعتقد أنصار نظرية الدومينو أن جهود احتواء الخطر الشيوعي قد أدت في نهاية المطاف إلى انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، كما يرى أنصار نظرية الدومينو أن الحكومات الشيوعية بالمقابل كانت ترسل المساعدات إلى الثورات الشيوعية في البلدان المجاورة، على سبيل المثال، قدمت الصين والاتحاد السوفيتي مساعدات للجيش الفيتنامي الشمالي فأمدته بالقوات والإمدادات العسكرية واللوجستية، كما قدّم الاتحاد السوفيتي للحزب الشيوعي الإندونيسي مساعدات ومستشارين عسكريين في الحرب الأهلية التي اندلعت هناك في عام 1958، وهو ما أعطى لنظرية الدومينو مصداقيتها.

الحجج ضد نظرية الدومينو

توجد أدلة وحجج ضد نظرية الدومينو، منها فشل التمدد السوفييتي في جنوب شرق آسيا، وهناك من يرى أن نظرية الدومينو فشلت في فهم طبيعة الصراع في الحرب الفيتنامية، ذلك من خلال افتراض أن زعيم فيتنام الشمالية هوشي منه شيوعي تابع لروسيا والصين، في حين كان هدف هوشي منه وأنصاره الاستقلال وليس مد النفوذ الشيوعي.

كما أن الخلافات بين الأنظمة الشيوعية تبطل مفعول نظرية الدومينو فعلى سبيل المثال: التنافس بين الصين والاتحاد السوفيتي الذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، كذلك الخلاف بين فيتنام الشيوعية بعد توحيدها وكمبوديا الشيوعية التي أدت في نهاية المطاف للحرب الفيتنامية الكمبودية بعد المجازر التي ارتكبها الخمير الحمر الكمبوديون بحق الفلاحين الفيتناميين، وانتهت هذه الحرب بسيطرة فيتنام على كمبوديا، وهو ما دفع الصين للوقوف ضد فيتنام (على مبدأ حلفاء الأمس أعداء اليوم) عام 1979 في الحرب الفيتنامية الصينية.

التمدد الشيوعي في الهند الصينية لم يكن بسبب نظرية الدومينو

ويرى المعارضون أن اعتماد لاووس وكمبوديا الحكم الشيوعي نتيجة مباشرة لحرب فيتنام، التي امتدت عبر الحدود من فيتنام إلى هذه البلدان، والأطماع الإقليمية السياسية لفيتنام، والتي شملت تنظيم مباشرة الأحزاب الشيوعية في كل من البلدين، فالحكم الشيوعي في لاووس جاء أساساً إثر غزو صريح من فيتنام وعدم قدرة جيش لاووس الدفاع عن البلاد، كما أن الحكم الشيوعي في كمبوديا كان له أسباب أكثر تعقيداً، ولكن أدت إلى انجرار البلاد إلى حرب مع فيتنام.

وقال المعارضون لنظرية الدومينو أن هذه النظرية حرفت الطبيعة الحقيقية للمعارضة المدنية على نطاق واسع ومتزايد بأن الأنظمة المدعومة من الولايات المتحدة في هذه البلدان قد ولدت بسبب الفساد الرسمي وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ولا سيما في جنوب فيتنام.

نظرية الدومينو لم يكن لها أي تأثير في الاتحاد السوفيتي، وقال مايكل ليند أنه بالرغم من أن نظرية الدومينو فشلت إقليمياً، إلا أنه كانت هناك موجة عالمية للشيوعية حيث وصل الشيوعيون للسلطة في كل من (بنين، أثيوبيا، غينيا-بيساو، مدغشقر، الرأس الأخضر، موزامبيق، أنغولا، أفغانستان، غرينادا، نيكاراغوا) خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، ويرى أن تفسير ذلك بتأثير نظرية الدومينو يعتمد بشكل كبير على هيبة النظرية، فهذه الثورات نجحت من دون دعم من القوى الشيوعية.

في حين يرى المؤرخ الأمريكي ماكس بوت أن استيلاء أعداء الولايات المتحدة الأمريكية على السلطة في دول مثل: موزامبيق، إيران، نيكاراغوا، وغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان كان بسبب فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تحرير الرهائن التي خطفتهم الثورة الإيرانية.

وفي عام 1977 عزا الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون زعزعة الاستقرار في أميركا لنظام الحكم في السلفادور وتشيلي على أساس نظرية الدومينو، معتبراً أن كوبا الشيوعية وتشيلي الشيوعية من شأنها أن تخلق (شطيرة حمراء) قد تربط أمريكا اللاتينية بالشمالية، وفي ثمانينات القرن الماضي استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية نظرية الدومينو لتبرير تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ريغان في أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.

كما وصف رئيس وزراء روديسيا السابق إيان سميث في مذكراته، وصول اليساريين إلى السلطة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد استقلالها بأنه "تكتيك الدومينو"، حيث أصبحت هناك حكومات موالية للشيوعية في تنزانيا بين عامي 1981- 1964، وزامبيا في عام 1964، وأنغولا وموزامبيق في عام 1975، و روديسا نفسها في عام 1980.

الدومينو في الشرق الأوسط

تذرعت الولايات المتحدة الأمريكية باحتمال تمدد الثورة الإسلامية في إيران خارجها، فشجعت الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) في ثمانينات القرن الماضي ووقفت إلى جانب العراق لمنع تمدد الثورة الإسلامية في إيران إلى دول الخليج العربي، وخلال الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، اعتمد الأمريكيون على نظرية الدومينو على اعتبار أن نشر الديمقراطية في العراق سيؤدي إلى نشر الديمقراطية والليبرالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وزير الدفاع الأمريكي روبيرت ماكنمار يقول "إن نظرية الدومينو كانت خطأ"

قال وزير الدفاع السابق روبرت ماكنمار في ربيع عام 1995، أنه يعتقد الآن بأن نظرية الدومينو كانت خاطئة، "أعتقد أننا كنا مخطئين، أنا لا أعتقد أن فيتنام مهمة للشيوعيين، لا أعتقد أن خسارتها كانت ستؤدي للسيطرة الشيوعية في آسيا".

في الختام.. شكلت نظرية الدومينو عماد السياسة الأمريكية خلال مرحلة الحرب الباردة على اعتبار أن نجاح الشيوعيين في الوصول إلى السلطة سيؤدي إلى انتشار الشيوعية في البلدان المجاورة، وهو ما أدى إلى إرسال القوات الأمريكية إلى فيتنام والتي استمرت الحرب فيها لسنوات، وأصبحت هذه الحرب عقدة للأمريكيين حرمتهم من إرسال قوات لأي بلد حتى عام 1990 حينما قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً لإخراج العراق من الكويت فيما عرف باسم (حرب الخليج الثانية).