;

مكانة المسجد الأقصى في الإسلام وتاريخه قبل الاحتلال الإسرائيلي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام وتاريخه قبل الاحتلال الإسرائيلي

يمثل المسجد الأقصى ثالث أهم رمز إسلامي، بعد الحرم المكّي، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، كما يدَّعي اليهود أنَّ لهم حقوقاً دينية في المسجد الأقصى، ما شكل صراعاً كبيراً بين الديانتين، بلغ ذروته منذ احتلال فلسطين، وقيام الدولة العبرية على أرضها. في هذه المادة؛ سنوضح معنى (المسجد الأقصى) وموقعه، إضافة إلى أهم الأحداث المتعلقة به.

هناك اعتقاد خاطئ أن المسجد الأقصى هو ذو القبة الذَّهبية فقط

يقع المسجد الأقصى في الزاوية الجنوبية الشرقية لمدينة القدس؛ العاصمة الفلسطينية، حيث يمتد فوق مساحة 144 دونماً (144 ألف متراً مربعاً)، فوق هضبة موريا، فكلَّ المعالم ضمن السور تسمى المسجد الأقصى، وتتضمن مسجدين رئيسيين؛ مسجد قبة الصخرة ذو القبة الفضية، والمسجد القِبلي ذو القبة الرصاصية الداكنة، إضافة إلى عدة جوامع أخرى، كما تتوسط قبة الصخرة هضبة موريا، التي يتربع فوقها المسجد الأقصى، فيضم أكثر من مائتي معلم ديني، بينها مآذن، ومحاريب، ومصاطب...إلخ.

شكل المسجد الأقصى وحدوده

بُني المسجد الأقصى على شكل شبه منحرف، طول جداره الجنوبي 281 متراً، والشرقي 462 متراً، كما أنَّ طول جداره الشمالي 310 أمتار، وجداره الغربي 491 متراً، يضم هذا السور كلَّ المعالم الدينية، التي يطلق عليها اسم (المسجد الأقصى)، كما حاول الاحتلال الإسرائيلي تجريف الأحياء الإسلامية المحيطة بالمسجد، لطمس هويته الإسلامية، حيث نجح بإزالة بعضها، لكن أغلبها موثقة في المراجع والكتب والمنظمات التراثية العالمية.

حيث يطل المسجد الأقصى من الجنوب على الزاوية الختنية، تليها قرية سلوان الفلسطينية، ومن الشرق، يصبح سور المسجد هو سور القدس القديمة، الذي يطل على باب الرحمة، ثمَّ وادي جهنم، وجبل الزيتون، أما من الشمال تحده حارة حطة، و جزء من حارة الغوانمة، وفي الغرب يطل الأقصى على باب السلسلة، وسوق القطَّانين، وباب الناظر، إضافة إلى موضع حارة المغاربة من جهة حائط البُراق الشريف، التي أزالها الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة العام 1967.

من بنى المسجد الأقصى؟

هناك خلاف تاريخي عميق حول نشأة المسجد الأقصى، وعصر بنائه، حيث يدَّعي اليهود أنَّ لهم حقوقاً تاريخيةً فيه، كما يؤكد المسلمون على أنَّ المسجد بكافة معالمه، وقفٌ إسلاميٌ خالص، لكن الثابت أن تاريخ تخطيط المسجد يعود إلى ما قبل الإسلام، حتى أنَّ كتاب (أطلس معالم المسجد الأقصى) لمؤلفيه عبد الله معروف، ورأفت مرعي، يعود بتاريخ وضع خطوط المسجد إلى سيدنا آدم عليه السلام:

"والأرجح أنَّ أول من بناه هو آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام (الحرم المكِّي)، بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس، أو كنيسة، أو هيكل، أو معبد، وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك، فقد عمَّره سيدنا إبراهيم عليه السلام حوالي العام 2000 قبل الميلاد، ثمَّ تولى المهمة ابناه اسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه حوالي 1000 قبل الميلاد".

هل بناه سيدنا آدم أم سيدنا إبراهيم عليهما السلام؟

الثابت من الحديث النبوي الشريف أنَّ المسجد الأقصى، ثاني مسجد بُني في التاريخ، بعد بناء المسجد الحرام، حيث جاء الحديث في صحيح الإمام البخاري:

"عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ، ثمَّ قَالَ: حَيْثما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِد"

إذاً؛ المسجد الأقصى ثاني مسجد في العالم، لكن في مواجهة النظرية التي تقول أن سيدنا آدم هو أول من بنى المسجد الأقصى، هناك نظرية أخرى، تُؤجل بناء المسجد الأقصى إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، اعتماداً على قوله تعالى في سورة البقرة:

"إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"

فإذا كان سيدنا إبراهيم هو من رفع قواعد البيت الحرام، سيكون هو من بنى المسجد الأقصى بعد أربعين عام، لكن د.معروف عبد الله عمر، مؤلف كتاب (المدخل إلى دراسة المسجد الأقصى المبارك)، يناقش الموضوع من باب تفسير كلمة (وَضِعَ) وكلمة (يَرفَعُ)، فيقول:

"وكلمة وَضَعَ في الأرض في هذا الحديث، تعني التسمية والتحديد، فأول مكانٍ سمِّي في الأرضِ مسجداً، وتقرر أنه مسجد لله تعالى، هو المسجد الحرام (...) وبعده بأربعين عام يأتي المسجد الأقصى المبارك، وتحديد معالمه (...) كلمة يرفع، تدل على أنَّ بناء إبراهيم عليه السلام للمسجد كان بناء ترميم، وليس بناء تأسيس".

حيث أسرى الله بنبيه محمد عليه الصلاة والسلام

لا خلاف على الإسراء والمعراج في الإسلام، حيث يستدلُّ عليه من سورة الإسراء، وقوله تعالى:

" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"

وإنْ كان هناك خلاف حول مكان المسجد الأقصى الذي وصل إليه النبي محمد (ص) وصلَّى فيه، سنأتي على ذكره لاحقاً، لكن المسلمين أغلبهم يتفقون أنَّ المسجد الذي أسرى الله بنبيه إليه، هو المسجد الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية لمدينة القدس، هذا ما أكسب المسجد رمزية إضافية، وقدسية فوق قدسيته، كما كان للحائط الجنوبي الغربي للمسجد قدسيته أيضاً، حيث ربط النبي (ص) البُراقَ إليه، والبُراق هو الدابة التي بعثها الله لتحمل محمداً (ص) إلى القدس، كما أنَّ المسجد الأقصى كان قبلة المسلمين طيلة الفترة المكِّية، وحتى نزول قوله تعالى في سورة البقرة:

"قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"

لكن تحول القبلة من المسجد الأقصى، لم يفقده شيئاً من قدسيته لدى المسلمين، لا في العصر النبوي، ولا ما تلاه، لكن سيكون لنا وقفة مع قولة (ثالث الحرمين).

يوسف زيدان ونفي الإسراء إلى فلسطين

أطلَّ الكاتب المصري يوسف زيدان عام 2015 بنظريته الخاصة عن الإسراء والمعراج، حيث يقول الباحث والروائي المصري المعروف في تسجيل مسرب، لم ينكره، أنَّ المسجد الأقصى المذكور في القرآن ليس هو ذاته المسجد الأقصى في فلسطين، بل هو في مكان آخر قريب من مكَّة في الطائف.

حيث يستند إلى عدة حجج في ذلك أبرزها:

أولاً، أنَّ المسجد الأقصى بناه الأمويون، بل لم يكن من مسجدٍ لا في فلسطين ولا في المدينة المنورة عند نزول الآية، لأنها من الآيات المكية، التي نزلت قبل الهجرة إلى يثرب وبناء المسجد في المدينة، وبذلك لا يمكن أن يكون النبي قد ذهب إلى مكان غير موجود في الأرض.

ثانياً، أنَّ معنى المسجد في الآية لم يكن المسجد المبني، باعتبار أنَّه لم يكن قد تم بناء المساجد بعد، بل المقصود هو موضع للسجود، فمن الممكن أنْ يكون أي مكان آخر، ولا يوجد ما يشير إلى أقصى القدس.

ثالثاً، أنَّ كلمة (أسرى) الواردة في الآية تعني مشى ليلاً، ولا تحمل أي دلالة على الطيران من مكانٍ إلى مكان.

رأي يوسف زيدان في ضوء ما ذكرناه سابقاً

في ضوء ما ذكرناه، أنَّ المسجد الأقصى ليس بناءً بعينه، بل هو مكان البناء الذي وضع خطوطه سيدنا آدم، أو سيدنا إبراهيم، بعد وضع أساسات المسجد الحرام بأربعين سنة، ممتداً فوق هضبة موريا، بمساحة 144 دونماً، بما عليها من بناء لاحق، فلا يمكن إثبات نظرية دكتور يوسف زيدان من باب أنَّ المسجد لم يكن موجوداً في وقت الإسراء، حيث أنَّ المراجع التي ذكرناها وغيرها ماتزال تنادي بعدم النظر إلى المسجد الأقصى كبناء تاريخي، بل هو بقعة من الأرض مرسومة الحدود ومقدسة، كما يرى بعض الباحثين في ردهم على الدكتور يوسف زيدان عبر قناة الجزيرة، أنَّ نظرية زيدان تفتقر إلى السند التاريخي اللازم، حتى أنَّ البعض اتهموه بالعمالة، وخدمة الاحتلال الصهيوني، بنزع حقوق المسلمين في المسجد الأقصى.

هل تجوز تسمية المسجد الأقصى ثالث الحرمين؟

هناك العديد من الأخطاء الشائعة حول المسجد الأقصى، أولها أنَّ قبة الصخرة (القبة الذهبية) هي المسجد الأقصى، وعندما يريد البعض تصحيح المعلومة، يقول أنَّ المسجد القِبلِي (ذو القبة الرصاصية) هو المسجد الأقصى، لكن الحقيقة كما بينَّا أنَّ المسجد الأقصى هو مكان، وليس مسجداً واحداً بعينه، وإنَّما كلُّ ما بني، أو بقي فارغاً، في المساحة المذكورة (حوالي144دونماَ) هو المسجد الأقصى، أما الخطأ الثاني؛ في قولة (ثالث الحرمين الشريفين)، فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وهذا مُثبتٌ في الإسلام، إلَّا أنَّ لا حرماً في الإسلام إلا مكَّة المكرمة، والمدينة المنورة.

معنى الحَرَم في الإسلام

الحَرَم في الإسلام، هو المكان الذي حرَّمه الله كما جاء في الحديث الوارد في الصحيحين، عن ابن عباس أنَّ رسول الله (ص) قال: يوم فتح مكة:

"إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا

يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ "

فمكَّة المكرمة حرامٌ عما ذُكر، كذلك المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وحرمَته باتفاق الجمهور، والعلماء، أحمد بن حنبل، ومالك بن أنس، والإمام الشافعي، والحرمة في الحديث ألّا يتم في الحَرَم صيد، ولا قلع زرع، ولا أخذ ما في أرضه إلا للبحث عن صاحبه، أما المسجد الأقصى الشريف، فلم يُذكر كحَرَمٍ في أيٍّ من المراجع التي اطلعنا عليها، إنَّما له قداسته وقيمته التاريخية، والدينية الكبير، لكنه ليس ثالث الحرمين، كما يعتقد بعض الباحثين كالدكتور معروف عمر- في كتابه المذكور سابقاً، أنَّ هذه التسمية من شأنها أن تفصل بين الآثار الإسلامية الموجودة في المسجد الأقصى، حيث يراد منها أن يظن الناس في الحرم القدسي غير المسجد الأقصى، فيتم تحديد المسجد الأقصى ببناء واحد، من أصل 220 بناءً آخر كلُّها تشكل المسجد الأقصى.

كانت أول عهود الإسلام في المسجد الأقصى في عصر الفاروق

كان الفتح الإسلامي الأول للقدس الشريف سنة 15هجرية، الموافقة لعام 636 ميلادية، في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث وصل الجيش الإسلامي بقيادة أبو عبيدة بن الجراح، الذي حاصر المدينة وفاوض أهلها، كما أتاها الخليفة الفاروق ليتسلم مفاتيحها، وأعطى أهلها العهدة العمرية، التي آمنتهم على أموالهم، وأنفسهم، ومقدساتهم، على أنْ يدفعوا الجزية، ومن هذه الأحداث، استمدت القدس قيمتها الروحية، والدينية لدى المسلمين، كما أن لها مثل تلك القيمة في نفوس المسيحيين، واليهود، ولكلٍّ منهم تاريخه فيها، إضافة إلى أنَّ القدس لم تَعرف يوماً بلا أطماع، فانتقلت من غزو إلى آخر، من يد الفرس، إلى الروم، ثمَّ إلى المسلمين، ثمَّ الفرنجة، فعاد بها صلاح الدين الأيوبي، فجاءها العثمانيون، فالإنجليز، الذيين زرعوا بذور الدولة العبرية التي نشهدها.

بعض ما جاء في العهدة العُمرية كما ذكره الطبري في تاريخه

"هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء (القدس) من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها، وبريئها، وسائر ملَّتها، أنَّه لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا ينقص منها، ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارُّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن (...) شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان".

أعاد صلاح الدين الأيوبي الطابع الإسلامي إلى معالم بيت المقدس

بدأ بناء معالم المسجد الأقصى مع العصر الأموي، فكان بناء الجامع القبلي في عهد عبد الملك بن مروان ثمَّ أتمَّه ابنه الوليد بن عبد الملك بين عامي 90-96هـ/709-714م، كذلك كان الأمر مع قبة الصخرة، ثم توالت الدول الإسلامية، التي كان لها اهتمام كبير في ترميم وبناء معالم الأقصى، من الدولة العباسية، والفاطمية، إلى الأيوبية، فالمملوكية، وحتى العثمانية، لكلٍّ منهم نقشٌ على حجر من حجارة بيت المقدس، لبناءٍ، أو ترميم، لكن عهداً من العهود غيَّر معالم الأقصى التي وضعها الأمويون والعباسيون.

الغزو الصليبي للقدس

وصلت الجيوش الصليبية إلى القدس عام 1099 في عهد الدولة الفاطمية، بعد أن هرب الخليفة افتخار الدولة خارج المدينة، فأسس الصليبيون مملكة القدس اللاتينية في بيت المقدس، وحولوا معظم الآثار الإسلامية في المسجد الأقصى إلى كنائس، ومستودعات، ومكاتب، إضافة إلى الاسطبلات، نذكر من تلك التعديلات تحويل قبة الصخرة إلى كنيسة قدس الأقداس، كذلك تحويل المصلى المرواني (التسوية الشرقية) إلى اسطبل للخيول، كما اقتطعوا من الصخرة المباركة، وباعوا القطع بوزنها ذهباً، ويذكر أن الصليبيين هم من بنوا البناء الذي يسمى الآن جامع النساء.

معركة حطين وحتى الاحتلال الصهيوني

حرر صلاح الدين الأيوبي القدس في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1187، بعد معركة حطين الشهيرة التي بدأت الرابع من تموز/يوليو من نفس العام، وكانت حملة صلاح الدين امتداداً لما بدأ فيه نور الدين زنكي (الشهيد)، حيث أراد أن يصل إلى بيت المقدس، لكن المنيَّة وافته قبل ذلك سنة 1175، لكنه بنى محراباً من خشب، وأوصى أن يوضع في بيت المقدس، وهذا ما كان بعد النصر الأيوبي، لكن المنبر احترق باعتداء مفتعل، أتى على ثلث الجامع القبلي عام1969.

أعاد صلاح الدين الأيوبي لمعالم القدس إسلاميتها، فوحد ما فصله الرومان، وأعاد تهيئة ما استخدموه للمبيت والخيول، ليتم إعادة استخدامه للعبادة والعلم، واستمرت السيطرة الإسلامية على القدس، مروراً بالمماليك الذين بنوا المآذن كلها، ورمموا معظم معالم البيت، ثم الإمبراطورية العثمانية التي انتزعت حكم الشام من المماليك عام 1516، فحافظ العثمانيون على معظم بناء المسجد، وجددوه، كما قام السلطان العثماني سليمان القانوني بتلبيس بناء قبة الصخرة بالقيشاني، ثم أمر السلطان عبد الحميد الثاني قبل عزله عام 1909، بكتابة سورة ياسين على الجدران الخارجية للبناء، وهذا ما كان، إلى أن سيطر الإنجليز على فلسطين عام 1917 ضمن معارك الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة العرب، طمعاً بالحصول على الاستقلال، لكن الإنجليز قدموا فلسطين كلَّها لليهود على طبق من ذهب، فقامت دولة الاحتلال في أرض فلسطين في الخامس عشر من أيار عام 1948.

ختاماً... على الرغم من المحاولات الكثيفة لطمس هوية المسجد الأقصى طيلة سنوات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتغيير معالمه لتثبيت ادّعاءات الاحتلال، إلا أَّن المعالم ما تزال قائمة في معظمها، وهي إسلامية في عمارتها واستخدامها، باستثناء حائط البُراق الشريف، الذي يتنازع عليه المسلمون واليهود، حيث أزال اليهود حي المغاربة الذي يطل عليه، وأقاموا ساحة المبكى على أنقاضه، كما لحقت به بعض الأضرار نتيجة اعتداءات المستوطنين المتطرفين، لكنها كلُّها موثقة، ولم تتمكن من إحداث الأضرار التي يرجوها الاحتلال، ولا بد من ذكر الحفريات التي تجري تحت أبنية المسجد الأقصى، والتي قد تؤدي إلى انهيار أبنيته.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه