;

انتفاضة الأقصى، الانتفاضة الفلسطينية الثانية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
انتفاضة الأقصى، الانتفاضة الفلسطينية الثانية

أسدلت اتفاقية أوسلو عام 1993 الستار على الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة 1987)، وبدأت مرحلة جديدة من مراحل الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، تميزت بانتقال المقاومة الفلسطينية إلى الداخل الفلسطيني، بعد إعلان استقلال فلسطين (الضفة الغربية، وغزَّة) عام 1988، وانتخاب الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) كأول رئيس لدولة فلسطين عام 1996، لكن ما الذي حدث حتى أشعل الفلسطينيون الانتفاضة الثانية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه.

السيادة الفلسطينية لم تتحقق كما أرادها الفلسطينيون

امتدت الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة أو انتفاضة أطفال الحجارة) لمدة ست سنوات تقريباً، بين عامي 1987 و1993، حيث تعتبر أولى أشكال إعادة إحياء المقاومة في الداخل الفلسطيني، منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ولم تتوقف الانتفاضة، حتى حصل الفلسطينيون على اعتراف بوجود حقٍ لهم بإقامة دولة على أرضهم، عن طريق اتفاقية أوسلو عام 1993، لكن الثورة الشعبية التي استخدمت المقلاع، والحجر، لم تغادر نفوس الفلسطينيين، بل سادت حالة من الترقب، لمعاينة وضع الدولة الفلسطينية الوليدة بالنسبة للاحتلال، والعالم.

لذلك يمكن القول؛ أنَّ الانتفاضة الثانية، جاءت امتداداً للأولى، حيث لم يحصل الفلسطينيون على السيادة التي طالبوا بها طيلة ستة أعوام، كما لم تقم دولة الاحتلال بتطبيق كامل الاتفاقية، فامتد ترقب الفلسطينيين، وانتظارهم، سبع سنوات، كان الاحتقان خلالها يتزايد يوماً بعد يوم، حتى انفجرت الانتفاضة الثانية، معلنةً رفض الشعب الفلسطيني لكل ممارسات الاحتلال، ومبدِّلة الحجر، بالكفاح المسلح.

أوسلو والانتفاضة الثانية

لنقل أنَّ الفلسطينيين (على المستوى الشعبي بأقل تقدير) لم يأمنوا التزام العدو الإسرائيلي بالاتفاق منذ البداية، لكنهم في نفس الوقت، حافظوا على أملهم في الحصول على أدنى حقوقهم في الأرض، والمواطنة، وتأسيس الدولة، إلا أنَّ الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ فعلياً، حيث تم تطبيق بعض موادها، المتعلقة بالانتخابات، والنقل الجزئي للسطلة، والانسحاب من الضفة مع استمرار السيطرة الفعلية على منافذها.

إضافة لانسحاب جزئي من مدينة غزَّة، والحفاظ على مستوطنات محمية عسكرياً في القطاع، لكن المشكلة تكمن، بأنَّ شرط بدء المرحلة الانتقالية، كان مرتبطاً بالبند الخامس من الاتفاقية، الذي ينص على (The five-year transitional period will begin upon the withdrawal from the Gaza Strip and Jericho area)، (المرحلة الانتقالية خمس سنوات، ستبدأ اعتباراً من الانسحاب من قطاع غزَّة، ومنطقة أريحا).

ثم تم توقيع ملحقات أوسلو، التي عرفت باسم (أوسلو2)، وتعلقت أيضاً بالانسحاب من غزَّة، والضفة، لكن هذا لم يحصل بشكل كامل حتى عام 2005، أي بعد بدء الانتفاضة بخمس سنوات، كما استمرت ممارسات الاحتلال على نهجها الأول، بل بتعنت أكبر، خاصة فيما يتعلق بحملات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية (التي يفترض أنَّها دولة فلسطين)، والنقطة المركزية المتعلقة بتهويد القدس، حيث لم تحدد الاتفاقية شيئا بخصوص القدس، بل تركت الأمر للمفاوضات التي يفترض أنْ تنعقد قبل السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية التي لم تك قد بدأت.

حتى أنَّ كلمة القدس (Jerusalem) لم تذكر في نص الاتفاقية إلا مرة واحد، في البند الخامس، المادة الثانية، حيث ذكرت مع مجموعة من أهم شؤون الفلسطينيين، مثل العاصمة، وحق العودة، التي سيتم نقاشها في مفاوضاتٍ لاحقة، كما كان الفلسطينيون على المستوى الشعبي يعانون من بطش الاحتلال، كما حدث في مصادرة أراضي الروحة من مدينة أم الفحم الفلسطينية عام 1982، حيث استخدم جند الاحتلال الرصاص الحي في قمع المتظاهرين، بالتزامن مع عجز السلطة عن وضع حد لهذه المأساة، فكان الصبر الفلسطيني على وشك أن ينفذ، إلا أنَّ إهانةً صارخةً، جعلت الأمور تتخذ منحى جديداً في الصراع، وعجلت في نفاذ الصبر، واشتعال الغضب.

من هو أرييل شارون وما دوره في إشعال انتفاضة الأقصى؟

أرييل شارون، من مواليد فلسطين عام 1929، أيام الاحتلال البريطاني، ومن أصولٍ بولندية-روسية، تميز منذ صغره بميول عسكرية عنيفة، حيث انضم إلى عصابة هاجاناه في الرابعة عشر من عمره، فنشأ في بيئة يهودية متطرقة، كانت وقتها تمارس أبشع أنواع الجرائم العنصرية بحق العرب، التي انتهت بإقامة دولة الاحتلال عام 1948، فانضم شارون إلى جيش الاحتلال، الذي تم تأليفه من دمج عدة عصابات إجرامية، أبرزها هاجاناه، وشترن، وارجن، فمعظم قادة الاحتلال جاءوا من تلك العصابات، ملطخةٌ أيديّهم بالدماء.

كان شارون أحد العسكريين البارزين منذ بداياته، حيث تبوأ عدة مناصب، من بينها قيادة قطاعات حدودية في الجنوب، إضافة لمشاركته في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وفي حرب عام 1967، لكنه استقال من جيش الاحتلال عام 1972، ليعود في حرب تشرين الثاني/أكتوبر عام 1973، التي شنّها الجيش السوري، والمصري لاستعادة الأراضي المحتلة.

ثم تدرَّج في الرتب العسكرية، مع تمثيل برلماني قصير المدة، إلى أن وصل إلى وزارة الدفاع، فكان المشرف المباشر على عمليات اجتياح لبنان عام 1982، علماً أنَّ شارون ورَّط القيادة الإسرائيلية آن ذاك بحصار بيروت، حيث أنَّ الخطة الأصلية، لم تقتض التقدم أكثر من أربعين كيلومتراً شمال فلسطين، حتى نهر الليطاني، لتأمين مستوطنات الشمال، من صواريخ منظمة التحرير الفلسطينية.

ثمَّ قدَّم شارون استقالته من وزارة الدفاع عام 1983، بعد أن أكَّدت إحدى لجان التحقيق الحكومية الاسرائيلية ضلوعه في مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها القوات اللبنانية عام 1982، لكن اللجنة تحدثت عن مسؤولية غير مباشر، ثم استلم عدة وزارات، كما كان مسؤول التفاوض مع السلطة الفلسطينية عام 1998، حتى أصبح رئيساً لحزب الليكود الإسرائيلي عام 1999، وفي عام 2000، كان هو المحرِّض الأساسي لاشتعال الانتفاضة.

أبرز أحداث انتفاضة الأقصى

في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 2000، دخل شارون إلى باحة المسجد الأقصى، في زيارة تحمل الكثير من الرسائل السياسية، والدينية، خاصةً مع المضي قدماً في محاولات تهويد القدس، كما وجَّه رسالة صريحة أنَّ (الهيكل سيبقى إسرائيلياً)، لكن الفلسطينيين لم يتقبلوا دخوله بهذه البساطة، فقامت مظاهرات عارمة داخل المسجد الأقصى، دفاعاً عن قدسيته، وعن حق الفلسطينيين التاريخي فيه، حيث أكَّد الفلسطينيون قبل الزيارة، أنَّهم لن يقفو مكتوفي الأيدي، لكن ارييل شارون كان قد اصطحب معه أكثر من ألفي عنصر من الحرس المسلح؛ فكان أن اندلعت اشتباكات عنيفة في ساحات المسجد الأقصى، أسفرت عن ارتقاء سبعة شهداء فلسطينيين، وجرح أكثر من مائتي وخمسين آخرين، إضافة إلى إصابة عدد من الجنود الإسرائيليين، لتنطلق الانتفاضة الفلسطينية الثانية اعتباراً من ذاك التاريخ، وأُطلق عليها (انتفاضة الأقصى).

المظاهرات والإضراب

عمَّت المظاهرات عدة مناطق فلسطينية، وبدأت قوات الاحتلال بقمع الاحتجاجات بطريقة وحشية، ما زاد من احتقان الشارع الفلسطيني، خاصة بعد بث شريط مصوَّر، وثَّق قتل الطفل محمد الدرة، في حضن أبيه، باستهدافٍ متعمَّد من قبل أحد جنود الاحتلال، فثارت فلسطين كلُّها، كما أثار مشهد قتل الطفل مشاعر العالم، فأعلنت فسطين الإضراب العام في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، كما تم انتخاب ارييل شارون رئيساً لحكومة الاحتلال في السادس من شباط/فبراير عام 2001، فتعامل الفلسطينيون في ثورتهم هذه مع شخصية معروفة بإجرامها، وحلولها العسكرية، حيث وعد شارون أنَّه سيقضي على الانتفاضة "خلال مائة يوم".

معرطة مخيم جنين

على الرغم من محاولة العدو الإسرائيلي وأد الانتفاضة الثانية، من خلال تحويل المعركة إلى مقر الرئيس الفلسطيني أبو عمار، وتصفية قيادات الحركات الفلسطينية، إلا أنَّ العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون، كانت من بين سمات تلك المرحلة، وقد انتهت (لأول مرة، وللأبد) فكرة وجود الإسرائيليين كقوة غير متناهية لا يمكن الرد عليها في الداخل الفلسطيني، وبشكل مباشر، حيث تعتبر هذه المرحلة أيضاً، أولى مراحل استخدام السلاح الثقيل محلي الصنع في الأراضي المحتلة، مع تصنيع صاروخ قسَّام، الذي تحول إلى عنصر ردع لا يستهان بقوته.

حيث وصل الأمر بالمستوطنين أنَّهم صاروا يخافون من ركوب حافلة، أو ارتياد مطعم، أو حتى الوقوف في موقف السيارات، حيث كان أيّ تجمع لليهود، مدنيين وعسكريين، يعتبر هدفاً لعميات الفدائيين، لكن سطراً من هذا الكتاب، أدمى قلوب الفلسطينيين، وإنْ أضاءها، حيث قامت قوات الاحتلال باقتحام مخيَّم جنين شمال الضفة الغربية، في الأول من نيسان/أبريل عام 2002، لكن قوات الاحتلال لاقت مقاومة هي الأعنف حتى ذلك الوقت، حيث واجهت 200 فلسطيني تمترسوا في المخيَّم، فيما حشدت مئات الجنود المسلحين، والمدعومين بالدبابات، والطائرات، فاستمرت معركة الكرِّ، والفرّ، حوالي خمسة عشر يوماً، انتهت بالسيطرة على المخيَّم، بعد أن تكبد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الدبابات، والمدرعات، كما سقط ثمانية وخمسون شهيداً فلسطينياً، مقابل خمسين قتيلاً من جيش الاحتلال، لم يعترف إلا بثلاثة وعشرين منهم.

تصفية القيادات الفلسطينية

إذا راجعنا أحداث الانتفاضة الأولى، سنجد أنَّ حكومة الاحتلال لم تأخذ الثوار الفلسطينيين على محمل الجد، بل كانت تتعامل مع الموضوع من منطلق القوي الذي سيقضي على الحراك ربما خلال ساعات، لكن الانتفاضة الأولى استمرت ست سنوات، أجرى الإسرائيليون بعدها حسابات جديدة، وطوروا استراتيجيات مختلفة.

كذلك فعل الفلسطينيون، لكن الاحتلال لم يتعامل مع القضية باستخدام القوة فقط، بل كانت لديه استراتيجية مبنية على قاعدتين أساسيتين، الأولى تصفية قادة ورموز النضال الفلسطيني، أما الثانية؛ تجيير الصراع بنقله بعيداً عن الساحة الشعبية، من خلال حصار الرئيس ياسر عرفات، وتصوير الانتفاضة للعالم على أنَّها أعمال (إرهابية) مرتبطة بوجود عرفات، والسلطة، وربما نجحت بذلك، على الرغم من المشاركة الواسعة لأطياف المقاومة الفلسطينية في العمليات العسكرية والفدائية، فضلاً عن التظاهرات الشعبية، والحجارة، والمقاليع، إلَّا أن العالم الغربي خصوصاً، تعامل مع الموضوع كأنَّه حرب (إسرائيل) مع السلطة، وليس مع الشعب.

اغتيال أبو علي مصطفى

انتهجت إسرائيل سياسة تصفية القيادات، فكان أول شهداء القيادات الفلسطينية بعد اندلاع الانتفاضة، الشهيد أبو علي مصطفى (مصطفى الزبري مواليد قضاء جنين 1938)، قائد الجناح العسكري في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمساهم الأكبر في تشكيل الوحدات العسكرية التابعة للجبهة منذ عام 1967، كما تسلم منصب الأمين العام للجبهة عام 2000، بعد عودته إلى فلسطين بعام واحد.

ويعتبر واحداً من أبرز قادة الانتفاضة الثانية، ما جعل العدو الإسرائيلي يقوم بتصفيته يوم السابع والعشرين من شهر آب/أغسطس عام 2001، من خلال غارة جوية على مكتبه في رام الله، وقد أحدث اغتياله تغيُّراً نوعياً في مسيرة الانتفاضة، خاصة على صعيد الجبهة الشعبية، التي قامت بعدة عمليات فدائية في الداخل الفلسطيني، أبرزها اغتيال وزير سياحة العدو الإسرائيلي (رحبعام زئيفي) يوم السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، في فندق بالقدس الشرقية المحتلة.

الشهيد الشيخ أحمد ياسين

قامت القوة الإسرائيلية بتصفية الشيخ أحمد ياسين فجر الثاني والعشرين من شهر آذار مارس عام 2004، بغارة جوية استهدفته أثناء عودته من صلاة الفجر، حيث يعتبر الشيخ أحمد ياسين من أبرز رموز المقاومة الإسلامية في فلسطين، وهو مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، تعرَّض في شبابه لحادث أدى إلى شلل في الأطراف، لكن الشيخ أحمد كان شجاعاً، وجسوراً، تحدى العدو الإسرائيلي طيلة حياته من كرسيه المتحرك، واستطاع أن ينشئ بنية قوية لحركة حماس، فكان لاغتياله آثار تنظيمية عميقة على الحركة.

علماً أنَّ حماس نفذت عشرات العملية الفدائية التي استهدفت اليهود في كل مكان، وكان لها حصة كبيرة من الاعتقال في سجون الاحتلال، إضافة إلى تصفية الكثير من عناصرها، وقادتها، ومنهم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، الذي خلف الشيخ الشيد أحمد ياسين في قيادة حماس، فاغتاله الاحتلال في السابع عشر من نيسان/أبريل عام 2004، بعد شهر واحد من اغتيال الشيخ أحمد.

الإقامة الجبرية لأكبر رموز الدولة الفلسطينية

يعتبر الرئيس ياسر عرفات واحداً من أبرز الشخصيات النضالية الفلسطينية، ولد في الرابع من آب/أغسطس عام 1929 في القدس، واسمه محمد ياسر عبد الرؤوف القدوة الحسيني، عرف في شبابه باسم عرفات القدوة، ثم اشتهر باسم ياسر عرفات، عاش طفولته في القاهرة، ودرس فيها، كما بدأ نضاله منها ابتداء مع اقتراب خطر تأسيس دولة الاحتلال بداية عام 1948.

نشط في الحركة النضالية الطلابية في مصر، وشارك في حرب عام 1956 (العدوان الثلاثي)، ثم انتقل إلى الكويت في الخمسينات، وبدأ مع الشهيد أبو جهاد (صلاح خلف) بتأسيس البذرة الأولى لحركة فتح، وإصدار جريدة (فلسطيننا نداء الحياة)، في تشرين الأول/أكتوبر عام 1958، ثم بدأت شهرة ياسر عرفات الذي يتبنى فكر الكفاح المسلح تتسع في الأوساط الفلسطينية، والعربية، وكانت أولى مكاتب فتح في الجزائر، بعد انتصار الثورة الجزائرية عام 1962، ثم دمشق، كما كانت أولى العمليات العسكرية لفتح (عملية عيلبون) في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1964، والتي أصبحت ذكرى انطلاق الكفاح المسلح.

ارييل شارون؛ العدو التاريخي لياسر عرفات

بعد توقيع اتفاقية أوسلو، ووصول ياسر عرفات إلى فلسطين، ثم انتخابه رئيساً للسلطة الفلسطينية في كانون الثاني/يناير عام 1996، بدأت مرحلة الترقب التي ذكرناها في البداية، كما كانت أصوات المعارضين لاتفاق أوسلو قاسية، منها ما نكر على عرفات تاريخه النضالي، واعتبر أنَّ عرفات لم يعد كما كان، بعد أن هادن الاحتلال، لكن الانتظار استمر حتى ظهر العدو الأبرز لياسر عرفات، الجنرال ارييل شارون، حيث كان عرفات يشكِّل عدواً حقيقياً لارييل شارون، نتيجة ظروف حرب لبنان الأهلية، واجتياح بيروت، لكن جيش العدو الإسرائيلي، الذي لم يتمكن من الوصول إلى عرفات في بيروت، أعلن عليه الحصار في مقر الرئاسة في رام الله، في الثامن من كانون الثاني/يناير عام 2001.

ثمَّ شنَّ شارون هجوماً إعلامياً واسعاً ضد عرفات، من منطلق أنَّه داعم الإرهاب، وعثرة في طريق السلام في المنطقة، كما استغل شارون وصول الرئيس جورج بوش الابن إلى سدة الرئاسة في أمريكا، ليقنعه بضرورة التخلص من عرفات، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، ثم بدأت الدبابات الاسرائيلية تحوم حول مبنى المقاطعة (مقر عرفات)، كما قصفت المقار الرئاسية في المدن، ومطار غزَّة، لتضمن أنَّ عرفات لن يتمكن من الخروج.

عملية (السور الواقي)

بقي الأمر مقتصراً على الإقامة الجبرية ضمن مبنى المقاطعة في رام الله، والحرب الإعلامية المجنونة ضد عرفات، التي أعادت تسويق فكرة عرفات الإرهابي، وقائد المنظمة الإرهابية، بعد أنْ كان على طاولة المفاوضات قبل أشهر، وبقي هذا التشويه لصورة الانتفاضة، ولصورة عرفات حتى آذار/مارس 2002، حيث اجتاح جيش العدو رام الله، ودمر معظم محيط المقاطعة، إلى أن وصل إلى مقر عرفات، وحاصره بالدبابات والمدرعات، وفي داخله 480 فلسطينيا مع رئيس السلطة.

كما قطعت الماء، والكهرباء عن المبنى، فصرح عرفات تصريحه الشهير: "يريدونني إما أسيراً، وإما طريداً، وإما قتيلاً؛ لا أنا بقولهم شهيداً، شهيداً، شهيداً"، فحاولت قوات الاحتلال الوصول لعرفات، حياً، أو ميتاً، حيث قصفت مباني المقاطعة بالدبابات والطائرات، ثم قصفت المبنى الذي يقيم فيه عرفات، لكنه نجا، كما شهدت هذه الفترة محاولات من عدة أطراف عربية ودولية، لفك الحصار عن الرئيس الفلسطيني، حتى كان ذلك في الثاني من أيار/مايو من العام نفسه، بعد ضغط أمريكي.

لكن الحصار تجدد ثانيةً، بعد شهر واحد، على خلفية عملية (مجدو) الاستشهادية التي نفذتها حركة الجهاد الإسلامي، أصبح الحصار لعبة الإسرائيليين في تغيير مسار الانتفاضة، لكن الفلسطينيين نزلوا بالآلاف إلى الشوارع، منددين بممارسات الاحتلال، حيث تعرضوا للقتل، والاعتقال.

تضاربت الأقوال إن كان موت الرئيس الفلسطيني طبيعياً، أم تم اغتياله

بقي أمر الحصار على ما هو عليه، وبدأت الضغوطات الأمريكية التي تدعو عرفات للتنازل عن السلطة، وتدعو الأطراف الفلسطينية لتشكيل سلطة بديلة عن سلطة عرفات، كما استغل الاحتلال (صحوة أمريكا) المفاجئة على محاربة الإرهاب، ليصف عرفات بأنَّه (بن لادن الفلسطيني)، إلى أن تم استحداث منصب رئيس الوزراء، كما تم اقتراح اسم محمود عباس (أبو مازن) ليشغل هذا المنصب، مع احتفاظ عرفات ببعض سلطاته، وكان ذلك بالتزامن مع حرب الخليج الثالثة، وغزو العراق في الواحد والعشرين من آذار/مارس عام 2003.

ثم تم اعتماد محمود عباس رئيساً للوزراء في نيسان/أبريل من نفس العام، حيث بدأت المفاوضات مع شارون بخصوص إنهاء حالة العنف، وكانت هذه الإجراءات التي اتخذتها السلطة من باب سد الذرائع، لكن الحصار استمر بذرائع لا تنتهي، حتى أنَّ شارون منع عرفات من الذهاب إلى غزَّة للمشاركة في تشييع شقيقته، إلا بشرط واحد "ألا يعود إلى رام الله"، لكن عرفات بقي في المدينة ولم يذهب، كما استقال أبو مازن من منصبه في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، احتجاجاً على محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين التي نجا منها، وأخذ رئاسة الحكومة بعده أحمد قريع.

كما بدأت التصريحات الإسرائيلية بضرورة إزالة ياسر عرفات، تتزامن مع بداية ظهور التدهور الصحي على الرئيس عرفات، إلى أن قامت مروحية بنقله إلى فرنسا للعلاج في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2004، ثم إعلان وفاة واستشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فجر الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، وأغلب الظن أنَّه مات مسموماً.

تشير اللجنة الطبية المكلفة من قبل مؤسسة ياسر عرفات، من خلال التقرير الذي قدمته في الاجتماع السنوي عام2012، إلى أنَّ الرئيس الفلسطيني الراحل:

"بدأت أعراض المرض تظهر عليه، باضطراب الجهاز الهضمي، واحتقان الأنف، وذلك بعد تناول وجبة العشاء، في 12/10/2004 حسب التقرير الفرنسي، وفي 10/10/2004 حسب التقرير الفلسطيني في رام الله، أصاب المرض الجهاز الهضمي، باضطراب وتهيج شديد، ثم حدث مسلسل من الاضطرابات الأخرى بدءاً بالنخاع العظمي، أدى إلى نقص الصفائح الدموية، وإلى ظهور خلايا آكلة للدم فقط في النخاع، وأدى هذا الاضطراب إلى تخثر الدم، ثم بدأت تظهر علامات مرضية للكبد، بارتفاع الصفراء، وأخيراً اضطراب الجهاز العصبي، من الخمول إلى الغيبوبة الكاملة، ثم الوفاة نتيجة نزيف دماغي حاد."

النتائج التي ترتبت على الانتفاضة الثانية تمهد لانتفاضةٍ ثالثة

يُفترض أنَّ الانتفاضة الثانية انتهت في الثامن من شباط/فبراير عام 2005، بعقد ما عُرف بقمة شرم الشيخ، التي جمعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس وزراء الاحتلال ارييل شارون، بحضور الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، إضافة إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

حيث انتهت القمة بإعلان وقف إطلاق النار، ومتابعة المفاوضات بين الطرفين لحل الأمور العالقة، علماً أنَّ العديد من الفصائل الفلسطينية لم تعترف بهذه المقررات، ما أدى إلى انقسام كبير في البيت الفلسطيني، تحول إلى صراع دموي عام 2007، نتجت عنه حكومتان لدولة واحدة، لم يتم الاعتراف بها بشكل كامل بعد.

إضافة إلى انفصال كامل بين الضفة وغزَّة على الصعيد الإداري، والسياسي، كما أنَّ الانتفاضة لم تنتهي على المستوى الشعبي، فهي ما أنْ تأخذ استراحة، حتى تتجلى بالاحتجاجات، أو عمليات الدهس، والطعن، خاصة في الأعوام الأخيرة، حتى أنَّ كلمة (الانتفاضة الثالثة) بدأت تتردد في الإعلام، منذ عام 2015، تزامناً مع عمليات الطعن التي نفذها فلسطينيون في القدس، وغيرها، لكنها إلى الآن، لم تأخذ بعد مداها المأمول، ربما هو مخاض لولادة.

سقط أكثر من 4414 شهيداً فلسطينياً في الانتفاضة الثانية

يمكن أن نلخص نتائج الانتفاضة بشكل موجز كالآتي:

  1. سقوط أكثر من 4414 شهيداً فلسطينياً، وأكثر من 48 ألف جريحاً، مقابل 1100 قتيل إسرائيلي، بينهم 300 جندي، إضافة إلى حوالي 4500 جريح.
  2. حصول أول صدام مسلح على نطاق واسع بين قوات السلطة الوطنية الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، حيث استشهد عدد كبير من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في هذه الانتفاضة.
  3. البدء ببناء جدار الفصل العنصري حول مناطق الضفة الغربية منذ العام 2002.
  4. ارتفاع السوية العسكرية للفصائل الفلسطينية، والدخول في معارك قاسية مع الاحتلال، كما برزت حركة حماس، والجهاد الإسلامي، من خلال صناعة الصواريخ المحلية.
  5. تصفية القيادات الفلسطينية الرئيسية، وأبرزهم الشهيد أبو علي مصطفى القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والشهيد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، والشهيد عبد العزيز الرنتيسي قائد حركة حماس، إضافة إلى الشهيد الرئيس ياسر عرفات، وما ترتب عن تبدلات تنظيمية (سلبية أو إيجابية) في بنية الفصائل بعد غياب أولئك الشهداء.
  6. نجاح حكومة العدو في تحول الصراع من صراع شعبي مع المحتل، إلى صراع مع الأفراد، أو التنظيمات، من خلال حصار رام الله بشكل أساسي.
  7. انسحاب جيش الاحتلال من غزَّة، وتفريغ المستوطنات من اليهود، بقرار من ارييل شارون عام 2005.
اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه