;

أغاني الثورة الفلسطينية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 07 مارس 2023

مع مطلع القرن العشرين، بدأ الحديث عن إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يأخذ منحىً جدِّياً، وبدأت رحلة المقاومة منذ اليوم الأول لإعلان وعد بلفور المشؤوم عام 1917، كما أنَّ لهذه المقاومة أشكال متعددة، حيث حمل المقاتل الفلسطيني سلاحه في وجه العصابات اليهودية والاحتلال الإنجليزي، كما رفع صوته شِعراً وغناءً.

في هذه المادة؛ نستعرض معاً أبرز محطات الأغنية الثورية الفلسطينية، وأشهر الأغنيات التي ترنَّم بها الفلسطينيون والعرب، خلال رحلة النضال الطويلة في مواجهة العدو الإسرائيلي.

 

من أغاني فرقة العاشقين وكلمات نوح إبراهيم

هذه الأغنية من كلمات الشاعر الفلسطيني نوح إبراهيم، كتبها تذكيراً بشهداء ثورة البراق عام 1929، حيث اندلعت اشتباكات بين اليهود والمسلمين، على خلفية الاعتداءات على حائط البراق (الذي يسميه اليهود حائط المبكى)، وكان ذلك في شهر آب/أغسطس عام 1929، فقامت قوات الاحتلال الإنجليزي بإلقاء القبض على عدد من الشباب الفلسطينيين المشاركين، ثمَّ أقدمت على إعدام ثلاثة منهم في السابع عشر من حزيران/يونيو عام 1930، في سجن عكا، والشهداء هم؛ محمد خليل جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير، فكتب الشاعر نوح إبراهيم هذه القصيدة، وغنَّتها (فرقة العاشقين) على لحن تراثي، أعاد توزيعه ملحِّن الفرقة حسن نازك، والمغني الأساسي للفرقة حسين منذر (أبو علي):

مِن سجن عكا وطلعت جَنازه، محمد جمجوم وفؤاد حجازي

وجَازي عليهم يا شعبي جَازي، المندوب السامي وربعو عموما

محمد جمجوم ومع عطا الزيرِ، فؤاد حجازي عز الذخيرهِ(ي)

انظر المقدَّر والتقادير، بأحكام الظالم تا يعدمونا

ويقول محمد أنا أولكم، خوفي يا عطا أشرب حَسرِتكم

ويقول حجازي أنا أولكم، ما نهاب الردا ولا المنونا

 

تعتبر أغنية (جفرا) من أكثر الأغاني الفلسطينية شهرة

والجفرا اسم لفتاة، أحبها شاعر الأغنية أحمد عزيز (أبو علي) قبل النكبة، فكتب فيها أغنية عاطفية على لحن شعبي، كما أنَّه هو من أطلق عليها هذا اللقب، تشبيهاً بابنة الشاة الممتلئة، كما أجريت عدة تحقيقات صحفية بهذا الخصوص، أبرزها تحقيق الصحفية فاطمة عبد الرحمن، الذي نشره موقع مؤسسة فلسطين للثقافة، ومن كلمات القصيدة الأصلية:

جفرا يا هالربع نزلت على العينِ جرتها فضة وذهب وحملتها للزينِ

جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية

"جفرا" رمز للمقاومة

بطريقة درامية، تحولت قصة عشق (أبو علي) لجفرا، إلى قصةٍ وطنية، حيث نزحت العائلة من قريتهم (كويكات) في قضاء عكا، إلى مخيمات لبنان، لكن أهزوجة جفرا، طرأت عليها تعديلات كثيرة، لتصبح أغنية وطنية بامتياز، تبدأ دائماً باسم حبيبة الشاعر، حتى صار اسم (جفرا) تقليداً تراثياً فلسطينياً، من بين الأغاني الثورية التي حملت الهوية (الجفراوية):

جفرا وهي يا الربع وطير الحب الشادي .. يغني للسما الزرقا فلسطين بلادي

ويقول القدس الحرة تحرم ع الأعادي .. حيفا ويافا وعكا والضفة الغربية

جفرا فرقة العاشقين

أما فرقة العاشقين فغنَّت الجفرا على طريقتها أيضاً:

جفرا ويا هالربع ربع المراتينِ، شلاّل ينبع نبع دمّ الفلسطيني

لمّا يغيب القمر تضوي شراييني، وتزخّ زخّ المطر عَ دروب الحريّة

جفرا أبو عرب

كذلك المغني والشاعر الفلسطيني الشهير إبراهيم محمد صالح (أبو عرب)، انشد جفرا خاصة به:

جفرا ويا هالربع شعب وفدائية، ماشيين حتى النصر ضد الصهيونية

جفرا ويا هالربع تصيح وتنادي، مشتاق نبع الميا ع العين ورّادة

خذوني صوب الوطن لديرة بلادي ت اعمل عظامي جسر يمشوا الفدائية

 

كما تحولت أغاني الأعراس الفلسطينية إلى أهازيج للشهداء

لم يدَّخر الفلسطينيون شيء من تراثهم، إلَّا وظفوه في سبيل الحفاظ على هويتهم الوطنية، فالرموز الفلسطينية منتشرة حول العالم، لتثبت دائماً أنَّ الشعب الفلسطيني شعب حيّ، من هذه الرموز السُلك الفلسطيني، وحنظلة، إضافة إلى المفتاح الذي يمثل حق العودة، والخريطة الفلسطينية الكاملة، لكن؛ وإغراقاً في المأساة، حوّل الفلسطينيون أغاني الأعراس لأهازيج يودعون معها شهداءهم، ومنها:

قولوا لإمو تفرح وتتهنى، ترش الوسايد بالعطر والحنة

يا دار هنَّا، وابنها يا بنَّا، والفرح إلنا، والعرسان تتهنى

والدار داري، والبيوت بيوتي، واحنا خطبنا، يا عدوي موتي

 

أيضاً (يا زريف الطول) من الأغنية الراقصة إلى الأغنية الوطنية

الأغلب أنَّها أغنية تراثية، تم تأليف العديد من القصص عنها فيما بعد، أبرزها قصة الحب بين ظريف الطول وفتاة من قريته، لكن والد الفتاة حبسها ليمنعها من لقاء حبيبها، فرحل ظريف الطول عن القرية، عندها أنشدته الفتاة:

يا ظريف الطول وقف تَ اقولك، رايح ع الغربة وبلادك أحسنلك

خايف يا المحبوب تروح وتتملك، وتعاشر الغير وتنساني أنا

 

أبو عرب واحد من أبرز شعراء الأغنية الفلسطينية

يعتبر إبراهيم محمد صالح، واحداً من أبرز شعراء، ومغني الثورة الفلسطينية، وتمتزج أغنيته بين الثورة، والحنين إلى الأرض، له العديد من الأغاني المشهورة، حيث غنى قصيدة (سجن عكا) على لحنها التراثي، كما غنى العديد من الأغاني التراثية، مثل الدلعونا، العتابا، وغيرها، نذكر من أغانيه أيضاً، أغنية (هدي يا بحر هدي):

هدي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا ودي، سلامي ودي للأرض اللي ربتنا

سلملي ع الزيتونة وعلى أهلي اللي ربوني، بعدا امي الحنونة يتشمشم بمخدتنا

وسلم سلم ع بلادي، تربة بيِّ وجدادي، وبعدو العصفور الشادي، بيغرد لعودتنا

 

عَ الرباعية وفتى الثورة سعيد مزين

سعيد المزين، الشاعر الفلسطيني المعروف بـ(فتى الثورة)، قدم العديد من الأغاني الثورية الفلسطينية بالعربية الفصحى والعامية، نذكر منها إحدى أشهر الأغاني الفلسطينية:

عَ الرباعية ع الرباعية، واحنا ما بنّام عَ الغلوبية

الطريق ممدود للي بدمه يجود، يا غصن البارود، مشنشل فدائية

عَ الرباعية ع الرباعية، من قلب الأغوار، من كل حارة ودار مراتين الثوار تشتي حرية

عَ الرباعية ع الرباعية، نادي يا منادي، يوم استشهادي، فوق أرض بلادي تحلى المنيّة

 

من نشيد ثوري إلى نشيد وطني للدولة الفلسطينية

أيضاً من كلمات فتى الثورة سعيد المزين نشيد (فدائي)، من ألحان الموسيقي المصري علي اسماعيل، حيث كان نشيداً للثورة الفلسطينية، وحركة فتح منذ عام 1971، قبل أن يتم اعتماده نشيداً وطنياً عام 2005:

فِدائي فِدائي فِدائي يا أرضي يا أرضَ الجدود

فدائي فدائي فدائي يا شَعبِي يا شعبَ الخُلود

بعَزمي ونَاري وبُركانُ ثأري وأشواقُ دمي لأرضي وداري

صعدتُ الجِبالا، وخُضتُ النِضالا، قَهرتُ المحالا، حطمتُ القيود

بعزمِ الرياحِ ونار السلاحِ وإصرارِ شعبي لخوضِ الكفاحِ

فلسطينُ داري ودربُ انتصاري فلسطينُ ثاري وأرضُ الصمود

بحقِ القَسمْ تحت ظل العَلمْ بأرضِي وشَعبِي ونَارِ الألمْ

سَأحيا فِدائي وأمضي فِدائي وأقضي فِدائي إلى أنْ تْعودْ

 

من مذكرات الفلسطينيين عن اجتياح لبنان عام 1982

سجلت الأغنية الفلسطينية مراحل النضال الوطني الفلسطيني المختلفة، ومن أبرزها مقاومة الفلسطينيين للاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، فقدمت (فرقة العاشقين) أغنية (اشهد يا عالم)، التي وثَّقت صمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة جيش العدو الإسرائيلي، كما وثَّق انسحاب الفلسطينيين من بيروت، وتخاذل العرب في نصرتهم:

إشهد يا عالم علينا و عَ بيروت، إشهد للحرب الشعبية

واللي ما شاف بالغربال يا بيروت، أعمى بعيون أمريكية

بالطيارات أول غارة يا بيروت، غارة برية وبحرية

برج الشمالي وبالبحر يا بيروت، صور الحرة والرشيدية

قلعة الشقيف اللي بتشهد يا بيروت، عاللي داسوا راس الحية

الشجر قاتَل والحجر يا بيروت، والواحد جابه دورية

جبل المحامل شعبنا يا بيروت، بعين الحلوة والنبطية

واحنا ردينا الآلية يا بيروت، بحجارة صيدا والجَّية

تراب الدامور اللي بيشهد يا بيروت، عالخسارة الصهيونية

وبخلدة خلدنا الوحدة يا بيروت، لبنانية فلسطينية

عن التخاذل والخروج

تمانين يوم ما سمعناش يا بيروت، غير الهمة الإذاعية

بالصوت كانوا معانا يا بيروت، والصورة دابت بالمية

ولما طلعنا ودعناك يا بيروت، وسلاحنا شارب حرية

لا راية بيضا رفعنا يا بيروت، ولا طلعنا بهامة محنية

 

محمد هبَّاش من العاشقين إلى الجذور

هذه الأغنية لفرقة (الجذور الفلسطينية)، وعلى رأسهم محمد هبَّاش، الذي كان اسماً بارزاً في فرقة العاشقين، حيث اشتهر برواية المقدمات قبل الأغاني، وكان ما يزال فتى صغير، ثم أسس فرقة عائلية باسم الجذور، ومن أغانيهم (زغردي يا أم الجدايل) من كلمات خالد أبو خالد، وألحان محمد هبَّاش:

زغردي يا أم الجدايل، زغردي، وزيني فخر الأصايل بالودع

وازرعي الحنة على الصدر الندي، واربطي عصبة على كل الوجع

زغردي يا أم الجدايل، زغردي، دونك الزيتونة ع سفح الجبل

لوِّحي وسط المنايا، وارصدي.. درب النشامى، اليوم جاييكِ البطل

 

توفيق زيَّاد وأحمد قعبور

هذه الأغنية من كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق زيَّاد، وغناء اللبناني أحمد قعبور، كما تعد من أشهر ما غناه قعبور، ضمن سلسلة طويلة من أغاني المقاومة:

أناديكم، أشد علي أياديكم، وأبوس الأرض تحت نعالكم

وأقول أفديكم، وأهديكم ضياء عيني، ودفئ القلب أعطيكم

فمأساتي التي أحيا، نصيبي من مآسيكم

 

الأغنية العربية التي هزت الوجدان العربي (وين الملايين؟!)

كتب كلمات هذه الأغنية الشاعر الليبي علي الكيلاني، ومن ألحان الليبي عبد الله محمد منصور، غنَّتها كُلّ من، اللبنانية جوليا بطرس، السورية أمل عرفة، التونسية سوسن الحمامي، وتعتبر هذه الأغنية من أكثر الأغاني تأثيراً في الوجدان العربي:

وين وين وين، وين الملايين، الشعب العربي وين؟!

الغضب العربي وين، الدم العربي وين، الشرف العربي وين، وين الملايين

اللي بوسط الضلوع أقوى من الدروع ، في صدري مخزن رشاشة و نقول خوتي وين

الله معانا أقوى وأكبر من بني صهيون، يشنق يقتل يدفن يقبر أرضي مابتهون

الدم الأحمر راوي الأخضر في طعم الليمون، نار الثورة تقوى تسعر نحنا المنتصرين

 

شادي البوريني وقاسم النجار

انتهى العهد الذهبي للأغنية العربية، والفلسطينية المقاوِمة، خاصة مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبدء مرحلة جديدة في التفاوض بين منظمة التحرير وحكومة العدو، لكن ما زالت هناك أصوات تسعى لتجديد النضال في الأغنية، ونأخذ مثالاً على ذلك الشابان الفلسطينيان شادي البوريني، وقاسم النجار، حيث غنَّى شادي (ظريف الطول) بكلمات جديدة، كذلك غنَّى النجار أغنية (بهمش)، وقدما معاً أغنية (اضرب اضرب تل أبيب) عام 2012:

لازم تعرف يا محتل، الفلسطيني ما بنذل، ما بدنا هدنة ولا حل، بدنا نضرب تل أبيب

يا جيش اسرائيل الغاشم، كلو إلا غزة هاشم، هيو جاك الرد الحاسم، واضرب اضرب تل أبيب

لو غزة تصفي منكوبة، رح نبنيها طوبة طوبة، بكفي إنها مهيوبة، واضرب اضرب تل ابيب

وديتو الطيارة غارة، تقصف فينا حارة حارة، واحنا سقَّطنا الطيارة، لك اضرب اضرب تل أبيب

ختاماً... لم تخلُ جعبة المناضل الفلسطيني من الرصاص، ولم تتوقف حنجرته عن الهتاف، فجسَّد حقه شعراً، ونثراً، وغناءً، كما أن الأرشيف الفلسطيني، والعربي، حافل بأغنيات ثورية أخرى، غير التي ذكرناها؛ شاركنا بما تتذكره.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه