;

العقوبات الدولية (International Sanctions)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
العقوبات الدولية (International Sanctions)

مثلما تُعاقب الدولة الأفراد هناك من يعاقبها، هكذا يمكن وصف العقوبات الدولية التي تستهدف الدول وفقط الدول، بدأت العقوبات الدولية منذ إنشاء عصبة الأمم في عام 1920 حيث فرضت عقوبات على اليابان لاحتلالها منشوريا في عام 1931 وهو ما دفع اليابان للانسحاب من عصبة الأمم.

كما فرضت عصبة الأمم عقوبات على إيطاليا لاحتلال أثيوبيا في عام 1936 فقامت إيطاليا بالانسحاب من عصبة الأمم رداً على تلك العقوبات، ومع إنشاء منظمة الأمم المتحدة باتت تستخدم العقوبات كوسيلة لمعاقبة الدول عوضاً عن اللجوء للخيار العسكري الذي بات بوجود العقوبات خياراً أخيراً للدول والمنظمات الدولية.

فمتى تُعاقَب الدول؟ وما العقوبات التي تُفرض بحقها؟ ما هي أنواع هذه العقوبات؟ وكيف يمكن أن ترفع؟ هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عنها في هذه المقالة.

تعريف العقوبات الدولية وأسباب فرضها على الدول

هناك عدة تعاريف للعقوبات الدولية (International Sanctions)، منها:

  1. أن العقوبات الدولية هي أداة تستخدمها البلدان أو المنظمات الدولية لإقناع حكومة معينة أو مجموعة من الحكومات بتغيير سياستها عن طريق تقييد التجارة أو الاستثمار أو أي نشاط تجاري آخر.
  2. كما تعرف العقوبات الدولية بأنها: تدبير قسري اقتصادي أو عسكري اعتمدته عادة عدة دول بالتظافر لإجبار دولة تنتهك القانون الدولي على الكف عن الحكم أو البت فيه.
  3. كذلك تعرف بأنها: "التدابير التعاقدية أو التقييدية التي تتخذها بلدان عديدة عادة بالتظافر للضغط على بلد ما لتغيير سياساته المحددة".
  4. وأخيراً هي: "القيود التي تحد من حرية الدولة أو الجماعة أو قادتها في العمل، تُفرض من خلال قرار جماعي من دول أخرى. وذلك لأن المجتمع الدولي يريد استخدام الوسائل السلمية لمحاولة التأثير على سلوك الدولة أو الجماعة أو الفرد من خلال مختلف التدابير الاقتصادية والسياسية، وقد يكون الهدف هو تغيير سياسات دولة تهدد السلم والأمن الدوليين، ونزع فتيل الصراع في بلد ما، وحمل دولة على وقف الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان".

أسباب فرض العقوبات الدولية

توجد عدة أسباب للعقوبات الدولية بمختلف أنواعها، وهذه الأسباب هي:

  1. إجبار الدولة المُستهدفة على الخضوع للقانون الدولي، مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الذي فرض عقوبات على العراق في السادس من شهر آب/ أغسطس عام 1990 إثر غزوه (العراق) للكويت المجاورة، وتم تشديد العقوبات الأممية بموجب القرارين 665 و 670 حيث تم فرض حصار بحري وجوي على العراق، وكان الغرض من العقوبات الأممية هو إجبار العراق على اتباع القانون الدولي التالي، الذي يتضمن الاعتراف بسيادة الكويت وبالتالي الانسحاب من الكويت.
  2. احتواء أي تهديد للأمن والسلام الدوليين، كالعقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي وذلك بموجب القرار رقم 1929 الصادر في التاسع من شهر حزيران/ يونيو عام 2010، ونص القرار على فرض قيود على المواد الصاروخية والأسلحة التي يمكن استخدامها لإنشاء أسلحة مدمرة.
  3. منع إجراءات اتخذتها الدولة المُستهدفة، كالعقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1965 على روديسيا، وذلك رداً على إعلان الأقلية البيضاء في روديسيا استقلال البلاد، وتضمنت العقوبات حظر جميع المنتجات العسكرية والاقتصادية والنفطية والبترولية.

عقوبات دولية.. رياضية وبيئية وعسكرية ودبلوماسية

هناك عدة أنواع من العقوبات، هي:

  1. العقوبات الدبلوماسية: هي تدابير سياسية تتخذ للتعبير عن عدم الرضا أو الاستياء إزاء إجراء معين من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية بدلاً من التأثير على العلاقات الاقتصادية أو العسكرية، وتشمل التدابير تقييد أو إلغاء الزيارات الحكومية، تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية (خفض التمثيل الدبلوماسي) أو قطع العلاقات الدبلوماسية، وهذا يعني إغلاق السفارات والقنصليات في الدولة المُستهدَفة، ومن الأمثلة على تخفيض العلاقات الدبلوماسية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض عدد الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2017، كذلك قطع العلاقات الدبلوماسية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان في عام 1972، وقيام إيران بقطع علاقاتها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بعد الثورة الإيرانية في عام 1979.
  2. العقوبات العسكرية: تعني التدخل العسكري في الدولة المُستهدَفة، كالتدخل العسكري في ليبيا في عام 2011 إثر الثورة الليبية.
  3. العقوبات الرياضية: منع شعب وفرق بلد واحد من المنافسة في الأحداث الدولية، كقرار اتحاد شمال أفريقيا حرمان المنتخب المغربي من المشاركة في كأس إفريقيا بنسختي 2017 و2019؛ بسبب تأجيله دورة 2015 ونقلها من المغرب إلى غينيا الاستوائية.
  4. العقوبات المفروضة للأسباب البيئية: منذ إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة زادت الجهود الدولية لحماية البيئة تدريجياً، ومن الأسباب لفرض هذا النوع من العقوبات استخدام المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون وخرق القوانين البيئية وعلى الرغم من أن العقوبات والقوانين المتعلقة بالبيئة جديدة نسبياً فإن المخاوف الأخيرة بشأن القضايا البيئية تشجع الأفراد والحكومات على التعاون بنشاط في معالجة المشاكل.
  5. العقوبات الاقتصادية: ونظراً لأهميتها سنتوسع بها في الفقرات التالية.

مفهوم العقوبات الاقتصادية

العقوبات الاقتصادية هي عقوبات تجارية ومالية يطبقها بلد أو أكثر على بلد أو مجموعة أو فرد مستهدف، تستخدم العديد من الحكومات العقوبات الاقتصادية كأداة للسياسة الخارجية. وعادة ما تُفرض هذه العقوبات من قبل بلد أكبر على بلد أصغر لسببين:

  1. إما أن هذا الأخير يشكل تهديداً للأمن الدولي.
  2. أو أن هذا البلد يعامل مواطنيه بشكل غير عادل.

ويمكن استخدامها كتدبير قسري لتحقيق أهداف سياسية معينة تتصل بالتجارة أو بالانتهاكات الإنسانية، وتستخدم العقوبات الاقتصادية بوجهٍ عام كسلاح بديل عن الذهاب إلى الحرب لتحقيق النتائج المرجوة.

ماذا تشمل العقوبات الاقتصادية؟

  1. تجميد الأصول والموارد الاقتصادية الأخرى، والقيود المفروضة على المعاملات المالية، والقيود المفروضة على الاستثمار، كالأعمال التجارية المملوكة للدولة أو التي تعمل في قطاع صناعي معين، أو فيما يتعلق بالاستثمار والتأمين المقدمين لهذه الأعمال.
  2. القيود التجارية المفروضة على المنتجات الخاصة مثل الأسلحة، المنتجات ذات الاستخدام المزدوج (تستخدم لأغراض عسكرية ولأغراض غير عسكرية؛ الوقود يستخدم للطائرات الحربية والطائرات المدنية)، الماس، المعادن، النفط، المنتجات البتروكيماوية أو الخدمات المرتبطة بتصدير أو استيراد هذه المنتجات، وهذا يشمل التمويل والخدمات المالية، كذلك التأمين وإعادة التأمين للمنتجات المعنية، فضلاً عن خدمات النقل والخدمات المرتبطة بها.
  3. قيود السفر والقيود المفروضة على الطيران، وتشمل حظر الطيران في الأجواء، منع السفر إلى تلك الدولة، منع الخطوط الجوية للدولة المُعاقَبة من الهبوط في مطارات الدول الأخرى.

ما المقصود بقوائم العقوبات الاقتصادية

عادةً تستهدف العقوبات الأفراد والكيانات المحددة المعينة التي تعتبر مسؤولة عن الأعمال التي تعارضها الدول التي تفرض هذه العقوبات، وتكون هذه العقوبات من خلال تجميد الأصول التي يحتفظ بها الأفراد والكيانات المُعينون، ويجب رفض أي شكل من أشكال النشاط التجاري معهم، وينطبق هذا الأخير أيضا على أشكال التعاون غير المباشرة.

على سبيل المثال في الحالات تقوم بها الشركات المُعاقَبة باللجوء إلى شركات لا تشملها العقوبات للحصول على المواد الأولية أو لتسويق المنتجات، ولهذا السبب ينبغي للشركات عادة أن تمتنع أيضا عن التعامل مع أي من الشركات التابعة للكيانات المحددة.

عواقب العقوبات الدولية الاقتصادية

المشكلة في العقوبات وتحديداً الاقتصادية أنها غالباً ما تؤذي الفقراء والمدنيين الأبرياء، وليس المسؤولين الحكوميين المقصودين بالعقوبات، فعلى سبيل المثال من المرجح أن يؤثر الحظر التجاري على مزارع الكفاف (أي المزارع التي تنتج كفاية المُزارع) الذي لا يستطيع بيع محاصيله للتصدير أو لعامل في مصنع غير قادر على الحصول على المواد الخام.

وفي معظم الحالات تستبعد العقوبات المواد الإنسانية مثل الأدوية، وخلال حكم صدام حسين كانت العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد العراق كثيراً ما تتعرض للانتقاد؛ لأنها تضر بالناس الذين تريد الحكومة الأمريكية أن يثوروا ضد صدام، شملت تلك العقوبات الأدوية حيث تم منع تصدير الأدوية إلى العراق.

وبدأ مجلس الأمن الدولي تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق في عام 1996 بغية الحد من معاناة العراقيين من الجوع نتيجة العقوبات.

كيفية فرض العقوبات في مجلس الأمن الدولي

باعتباره الجهاز الرئيسي لإدارة الأزمات في الأمم المتحدة يمكن لمجلس الأمن أن يستجيب للتهديدات العالمية بقطع العلاقات الاقتصادية مع الجماعات الحكومية وغير الحكومية، ويجب أن تمرر قرارات العقوبات في المجلس المكون من خمسة عشر عضواً بأغلبية الأصوات شرط عدم استخدام حق النقض (الفيتو) من أي من الأعضاء الخمس الدائمين وهم:

  1. الولايات المتحدة الأمريكية.
  2. والصين.
  3. وفرنسا.
  4. وروسيا.
  5. وبريطانيا.

وأهم أنواع العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة (وهي ملزمة لجميع الدول الأعضاء)؛  تجميد الأصول وحظر السفر وحظر توريد الأسلحة.

وعادة ما تدار نظم الجزاءات (العقوبات) التابعة للأمم المتحدة من قبل لجنة خاصة وفريق مراقبة، وتساعد المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) بعض لجان العقوبات (لجان مهمتها الإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالعقوبات) لا سيما اللجان المتعلقة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، إلا أن الأمم المتحدة ليس لديها وسائل مستقلة للتنفيذ، وتعتمد كثيراً على الدول الأعضاء التي لا يملك الكثير منها سوى موارد محدودة وحافز سياسي ضئيل.

عقوبات خارج الأمم المتحدة

لا تقتصر العقوبات الدولية على مجلس الأمن الدولي فقط، فقد تفرضها منظمات دولية (كالاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية)، كما تفرضها دول على دول أخرى كالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا في عام 2015، والعقوبات التي فرضتها روسيا على تركيا بعد إسقاطها طائرة السوخوي شمال سوريا في العام ذاته.

كيف تزول العقوبات الدولية؟

هناك عدة طرق لإزالة وحل العقوبات التي تم تنفيذها على دولة ما، من هذه الطرق:

  1. قرار عكسي من مجلس الأمن يلغي العقوبات، كالعقوبات المفروضة على العراق (منذ عام 1990) التي لم تُلغَ إلا بموجب قرار معاكس صدر في السادس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2016.
  2. تطبيق الحدود الزمنية للعقوبات، أي تحديد أجل للعقوبات المفروضة على الدولة المُستهدفَة، فالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضد البلدان كانت تحدد بأجل لمدة عام ومن ثم تُجدّد تلقائياً، وبعد عام إما تمدد العقوبات لعام آخر أو تخففها أو تلغيها، وكمثال على تخفيف العقوبات قرار الاتحاد الأوروبي تخفيف العقوبات عن إيران في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني في الأول من شهر آب/ أغسطس عام 2015.

في الختام.. شكلت العقوبات الدولية التي بدأت في عهد عصبة الأمم وحتى اليوم وسيلة من وسائل حل النزاعات، وذلك من خلال تحميل الدولة المخالفة للقانون الدولي (كالاعتداء على دولة أخرى) المسؤولية عن أفعالها ومعاقبتها.

وذلك في وسيلة لمنع الحروب أو الحد منها قدر الإمكان لتصبح بذلك الحلول العسكرية هي الخيار الأخير وليس الأول لحل النزاعات بين الدول، إلا أن العقوبات الدولية تنال من الشعب في دولة ما دون تحقيق الهدف المرجو منها، فعلى الرغم من فرض العقوبات على النظام العراقي لغزوه الكويت؛ إلا أن الحل العسكري وقع وماذا حل بالعقوبات؟! بقيت تستنزف الشعب العراقي لستة وعشرين عاماً حتى وقت قريب.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه