;

تجارب الاقتراب من الموت: ماذا يقول العلم فعلاً؟

  • تاريخ النشر: منذ يومين زمن القراءة: دقيقتين قراءة آخر تحديث: منذ ساعة
تجارب الاقتراب من الموت: ماذا يقول العلم فعلاً؟

لطالما أثارت تجارب الاقتراب من الموت فضول الإنسان، لما تحمله من روايات متشابهة عن الخروج من الجسد، ورؤية الضوء، والشعور بالسلام العميق، أو استعراض شريط الحياة في لحظات خاطفة. وبين التفسيرات الروحيّة والانطباعات الشخصيّة، يقف العلم محاولًا تفكيك هذه الظاهرة بهدوء، سائلًا: ماذا يحدث فعلًا في الدماغ حين يقترب الجسد من حدوده القصوى؟

ما المقصود بتجارب الاقتراب من الموت؟

تشير تجارب الاقتراب من الموت إلى مجموعة من الخبرات الذاتيّة التي يبلّغ عنها أشخاص تعرّضوا لتوقّف قلبيّ، أو غيبوبة عميقة، أو حالات تهديد مباشر للحياة، ثم عادوا منها. تتكرّر في هذه التجارب عناصر مشتركة، مثل الإحساس بالانفصال عن الجسد، أو العبور عبر نفق مضيء، أو لقاء أشخاص مألوفين، ما منح الظاهرة طابعًا عالميًّا يتجاوز الثقافات.

ماذا يحدث في الدماغ في هذه اللحظات؟

يقدّم العلم تفسيرًا يرتكز على الفيزيولوجيا العصبيّة. فعند انخفاض الأكسجين الواصل إلى الدماغ، أو اضطراب تدفّق الدم، تدخل الخلايا العصبيّة في حالة نشاط غير منتظم. يمكن لهذا الاضطراب أن يخلق هلوسات بصريّة، وإحساسًا بالتحليق، وتشويهًا في إدراك الزمن والمكان.

كما تُظهر دراسات أنّ الدماغ، في لحظات الخطر الشديد، قد يُطلق موجات عصبيّة كثيفة، شبيهة بتلك المرتبطة بالأحلام أو حالات التأمّل العميق، ما يفسّر الشعور بالهدوء أو النشوة رغم خطورة الموقف.

الإحساس بالخروج من الجسد

يُعدّ الشعور بمغادرة الجسد من أكثر عناصر هذه التجارب إثارة. يربط العلماء هذا الإحساس باضطراب في منطقة الفص الجداري، المسؤولة عن دمج الإشارات الحسيّة وبناء صورة الجسد في الوعي. وعندما يختلّ هذا الدمج، يشعر الشخص وكأنّ وعيه انفصل عن جسده الماديّ.

لماذا تتشابه التجارب بين أشخاص مختلفين؟

يفسّر العلم هذا التشابه بكون الدماغ البشريّ يعمل وفق آليات مشتركة عند التعرّض للضغط القصوى. فالصور الرمزيّة، مثل الضوء أو النفق، قد تكون ناتجة عن طريقة معالجة الدماغ للإشارات البصريّة في حالات نقص الأكسجين، حيث تبدأ الرؤية من المركز وتنهار الأطراف، مولّدة إحساس النفق.

دور الثقافة والتوقّعات

لا يُغفل العلم تأثير الخلفيّة الثقافيّة والدينيّة في تشكيل تفاصيل التجربة. فبينما تتشابه البنية العامّة للتجربة، تختلف الرموز والتأويلات. يفسّر كلّ فرد ما يختبره ضمن الإطار المعرفيّ الذي نشأ عليه، ما يضيف بُعدًا ذاتيًّا لا يمكن تجاهله.

هل تثبت هذه التجارب وجود وعي مستقلّ عن الجسد؟

حتّى الآن، لا يقدّم العلم دليلًا تجريبيًّا يؤكّد انفصال الوعي عن الدماغ. فكلّ التفسيرات المتاحة تربط هذه الخبرات بنشاط عصبيّ قابل للرصد والدراسة. ومع ذلك، يعترف الباحثون بأنّ الوعي نفسه لا يزال من أعقد الألغاز العلميّة، وأنّ فهمه الكامل لم يُحسم بعد.

لا ينفي العلم عمق تجارب الاقتراب من الموت ولا تأثيرها النفسيّ العميق في من يمرّ بها، لكنّه يضعها ضمن إطار تفاعلات عصبيّة معقّدة تحدث عند حدود الحياة. وبين التفسير العلميّ والتجربة الإنسانيّة، تبقى هذه الظاهرة مساحة مفتوحة للتأمّل، تذكّرنا بأنّ المعرفة البشريّة، مهما تقدّمت، لا تزال تقف أمام أسئلة كبرى لم تُجب عنها نهائيًّا بعد.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه