;

معركة بلاط الشُّهداء

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
معركة بلاط الشُّهداء

تعتبر موقعة بلاط الشُّهداء من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، فقد رسمت هذه المعركة حدود التوسع الإسلامي في أوروبا بشكل نهائي بعد أن كان المسلمون على وشك السيطرة على فرنسا.

من جهة ثانية هناك من يقلل من شأن هذه المعركة ويعتبر أنَّها لم تكن سوى هزيمة طبيعية نتيجة الفارق الكبير في العدد بين الجيشين المتحاربين.

ولم تكن لها تلك الآثار العظيمة التي حاول المؤرخون المسيحيون الترويج لها، فما هي حقيقة معركة بلاط الشُّهداء؟

بطاقة تعريف بمعركة بلاط الشُّهداء

  • تاريخ وقوع معركة بلاط الشُّهداء: وقعت معركة بلاط الشُّهداء في شهر رمضان من سنة 114 للهجرة/ شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 732 للميلاد.
  • أطراف معركة بلاط الشُّهداء: جيش الأندلس الإسلامي في العهد الأموي بمواجهة جيش دوقية أكيتانيا وجيش الفرنجة.
  • قائد جيش المسلمين: والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز.
  • قائد الفرنجة: شارل مارتل قائد الفرنجة، الدوق أودو قائد جيش دوقية أقطانية.
  • أعداد الجنود: غير متفق عليها والأرقام متفاوتة بشكل كبير.
  • موقع بلاط الشُّهداء: بين مدينتي تور وبواتييه الفرنسيتين.
  • أسماء أخرى لمعركة بلاط الشُّهداء: (Battle of Tours، Battle of Poitiers).

كانت الأندلس قاعدة المسلمين في قارة أوروبا

تمكن المسلمون من الوصول بفتوحاتهم إلى أقصى الشمال الغربي من أفريقيا في عهد الدولة الأموية، فأصبحوا على بعد خطوات قليلة من دخول أوروبا عبر إسبانيا.

كان دخول شبه جزيرة أيبيريا عملاً مغرياً بالنسبة للمسلمين، فمن جهة سيساهم ذلك بانتشار الإسلام وتوسيع الإمبراطورية، ومن جهة ثانية ستشكل إسبانيا مصدراً جديداً للأموال والغنائم ما يعني بالتالي قوة أكبر للخلافة.

وبعد حملات استطلاعية واتفاقات سرية مع يوليان حاكم سبتة استطاع طارق بن زياد عامل الوالي موسى بن نصير على طنجة أن يدخل إلى شبه جزيرة أيبيريا وسيطر على أجزاء واسعة من مملكة القوط الغربيين.

كان ذلك بدءاً من عام 711 ميلادي في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، حيث استمر توسع المسلمين في إسبانيا لسنوات طويلة، ويذكر أن الاعتماد الأكبر في هذه التوسعات كان على البربر المسلمين.

حاول المسلمون مراراً السيطرة على بلاد الغال جنوب فرنسا

بلاد الغال أو غالة (Gula) هي المنطقة الجنوبية من فرنسا، حيث تفصل جبال ألبرت أو البرتات (جبال الأبواب) بين إسبانيا وجنوب فرنسا، كما كانت بلاد الغال تتألف من عدة ولايات أبرزها ولاية سبتمانية وإقليم بروفانس وعاصمته أبنيون إضافة إلى إقليم برغندية وعاصمته ليون.

ومن غير المرجَّح أن موسى بن نصير أو طارق بن زياد قد تجاوزا جبال ألبرت، فالأغلب أن أول توسع باتجاه جنوب فرنسا بدأ في عهد الوالي السمح بن مالك الخولاني (100-102هـ/ 719-721م) من خلافة عمر بن عبد العزيز.

أولى معارك المسلمين في بلاد الغال

وصل السمح بن مالك الخولاني إلى إمارة الأندلس في مرحلة حساسة من تاريخها، حيث كانت الفتنة بين العرب والبربر تهدد جيش المسلمين.

كما كانت الأمور الإدارية للدولة الإسلامية في الأندلس بتراجع ملحوظ، فبدأ ابن مالك الخولاني بسلسلة من الإصلاحات، وأصبحت أمور الأندلس ترتبط بالخلافة مباشرة بدلاً من ارتباطها بولاية أفريقيا في عهده.

وما أن شعر السمح بن مالك أن الأمور قد استتبت له في إمارته حتَّى عزم على التوسع باتجاه الشمال والسيطرة على بلاد الغال، وكانت هي المعركة التي أودت بحياته.

معركة تولوز وهزيمة الأمويين الأولى في بلاد الغال

جهَّز السمح بن مالكٍ الخولاني جيشاً كبيراً وسار به عبر سرقسطة واجتاز جبال ألبرت حتَّى وصل إلى عاصمة سبتمانية، فتحصن في أربونة وانطلق ليتوغل أكثر في غالة.

تقدم ابن مالك الخلاني على رأس جيشه إلى مدينة طولوشة أو تولوز (Toulousa) وحاصرها بالمنجنيقات والخنادق حتَّى كادت تسقط في يده لولا أنَّ الدوق أودو دوق أكيتانيا فاجأ المسلمين بهجومه عليهم.

فتمكن من هزيمتهم وقتل السمح بن مالك الخولاني، تعرف هذه المعركة باسم معركة تولوز نسبة لمكان وقوعها، حيث كان ذلك في يوم عرفة من سنة 102 للهجرة المصادف لليوم العاشر من حزيران/يونيو عام721 للميلاد.

بعد موت السمح بن مالك الخولاني في معركته مع دوق أقطانية تمكن القائد عبد الرحمن الغافقي من العودة بفلول المسلمين إلى أربونة ومنها إلى الأندلس.

كما حاول سكان المدن التي احتلها السمح أن يثوروا على حكامهم المسلمين لكن المدن التي سيطر عليها السمح بقيت تحت سيطرة المسلمين على الرغم من هزيمتهم في تولوز.

وبذلك حافظ المسلمون على مدينة أربونة كقاعدة لعملياتهم العسكرية في جنوب فرنسا.

استمرت محاولات المسلمين للسيطرة على غالة حتَّى معركة بلاط الشُّهداء

تولى عبد الرحمن الغافقي -الذي سيقود معركة بلاط الشهداء لاحقاً- أمور الأندلس فترة قصيرة حتَّى تم تعيين عنبسة بن سحيم الكلبي والياً على الأندلس.

حيث سيَّر هذا الأخير حملة كبيرة باتجاه جنوب فرنسا، فتمكن من السيطرة على قرقشونة ثم تمكن من السيطرة على معظم غالة القوطية حتَّى بلدة سانس (Sens) على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب باريس.

لكن الوالي عنبسة الكلبي قُتل في طريق عودته إلى إسبانيا عام107هـ/725م، فخلفه عذرة بن عبد الله الفهري والياً على الأندلس.

ولا يذكر المؤرخون العرب أي نشاطات عسكرية مهمة في فترة ولاية الفهري، فيما يذكر المؤرخون الأوروبيون أن الفهري قام بأعمال عسكرية خطيرة في جنوب فرنسا وفق ما جاء في كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس للدكتور خليل السامرائي وآخرين.

وقد خلف الفهري في إمارة الأندلس ولاة عدَّة لم يقم أي منهم بعبور جبال ألبرت باتجاه جنوب فرنسا، حتَّى وصل إلى الولاية القائد عبد الرحمن الغافقي عام 730 للميلاد.

وكانت هذه ولايته الثانية حيث تولى أمور الأندلس لفترة وجيزة بعد وفاة السمح بن مالك الخولاني كما ذكرنا.

عبد الرحمن الغافقي قائد معركة بلاط الشُّهداء

بعد أن وصل الغافقي إلى إمارة الأندلس عزم على استكمال ما بدأه السمح بن مالك الخولاني من فتوحات في جنوب فرنسا.

فاتجه بجيشه عبر ممرات رونشفالة (Roncesvalles) مجتازاً جبال ألبرت، وكان هذا الطريق يفضي مباشرة إلى قلب دوقية أقطانية أو أكيتانيا التي كانت ما تزال تحت حكم الدوق أودو المنتصر في معركة تولوز.

وفي الطريق إلى أقطانية تمكن المسلمون من استعادة مدينة آرل التي ثارت ضدهم، ثم توجهوا إلى بوردو عاصمة أقطانية وخاضوا معركة عنيفة مع جنود الدوق أودو انتهت بالسيطرة على المدينة وانسحاب الدوق وجنوده شمالاً.

وهنا أصبح المسلمون على بعد أيام قليلة من هزيمة كبرى تسمى بلاط الشُّهداء.

بداية معركة بلاط الشُّهداء

أدرك دوق أكيتانيا الدوق أودو أنَّه لن يتمكن من صدِّ المسلمين وحده، فاستنجد بشارل مارتل (Charles Martel) -معنى اسمه شارل المطرقة- الذي كان حاجب ملك الدولة الميروفنجية والحاكم الفعلي للفرنجة.

ولم يفكر مارتل كثيراً قبل أن يجهز نفسه لملاقاة المسلمين.

استعان مارتل بجنودٍ أشدَّاء استدعاهم من حدود نهر الرين، وجهَّز جيشاً قوياً لملاقاة المسلمين الذين كانوا يستعدون للاستيلاء على مدينة تور، فبدأت المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرنجة.

أحداث معركة بلاط الشُّهداء

لم يتم تحديد موقع معركة بلاط الشُّهداء بدقة، لكنها على الأرجح دارت قريباً من حصنٍ أو قصر يقع بين مدينة بواتييه ومدينة تور الفرنسيتين.

حيث بدأت المناوشات بين الجيشين في شهر رمضان من سنة 114 للهجرة، شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 732 للميلاد واستمرت سبعة أيام.

وبعد انقضاء أسبوع على المناوشات وقعت المعركة الكبرى، وكان قتالاً عنيفاً استمات به الطرفان لتحقيق النصر، كما كانت كفة المعركة تميل إلى المسلمين بداية الأمر، لكن المعركة انتهت لصالح الفرنجة.

وكان مقتل الوالي عبد الرحمن الغافقي هو نهاية المعركة فعلياً، حيث قرر المسلمون الانسحاب جنوباً في الظلام ليستيقظ الفرنجة ويجدوا المسلمين قد انسحبوا وتركوا وراءهم خيمهم خاوية إلا من الغنائم وبعض الجرحى.

أسباب وتفاصيل الهزيمة في معركة بلاط الشُّهداء

هناك خلاف كبير حول أسباب الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في معركة بلاط الشُّهداء، خاصَّة وأن هذه المعركة خلفت وراءها عدداً كبيراً من الشُّهداء المسلمين ربما تجاوز عشرة آلاف مقابل حوالي 1500 من الفرنجة.

لذلك يسمي العرب هذه المعركة باسم بلاط الشُّهداء.

الظروف العسكرية لمعركة بلاط الشُّهداء

بلغ عدد قوات المسلمين في معركة بلاط الشُّهداء بين 60 ألف و80 ألف مقاتل، فيما تتضارب المعلومات حول عدد جيش مارتل، فأغلب المؤرخين العرب لم يأتوا على ذكر تفاصيل المعركة.

فيما تذكر المراجع الأوروبية أن عدد جنود الفرنجة كان أقل من نصف عدد جنود المسلمين، لكن الأغلب أن عدد الفرنجة كان أكبر من عدد جيش الغافقي بعد انضمام مارتل لدوقية أقطانية.

عموماً لم تكن الظروف العسكرية مواتية بالنسبة لجيش المسلمين، فهم بعيدون عن مراكز إمدادهم كما أنَّهم يحاربون في أرض أعدائهم.

فجنود الفرنجة وقادتهم يعلمون تماماً التفاصيل الجغرافية لموقع المعركة، كما أنَّهم أكثر قدرة على التعامل مع طبيعة المنطقة من المسلمين.

ولا بد أن تدخل مارتل في المعركة قد غيَّر قواعد اللعبة، إضافة إلى استماتة الفرنسيين في الدفاع عن مناطقهم لإيمانهم أن المسلمين لن يتوقفوا عند حد السيطرة على تور أو ما بعدها من مدن وبلدات.

تمكن الفرنجة من إحداث ثغرة في صفوف الجيش الإسلامي

هاجم جنود مارتل مؤخرة الجيش الإسلامي واستطاعوا بذلك أن يحدثوا ثغرة أدَّت إلى ارتباك في صفوف الجيش الإسلامي، فاتجه فرسان المقدمة لحماية مكان الثغرة وفي هذه الأثناء أصيب الغافقي بسهم قاتل.

ما زاد من الارتباك والفوضى في صفوف الجيش الإسلامي، وما أن حلَّ الليل حتَّى اتخذ قادة الفرق قرار الانسحاب.

فيما تشير بعض الروايات التحليلية إلى حدوث خلاف بين العرب والبربر في جيش المسلمين لعب دوراً في إضعاف الجيش، حيث كان هذا الخلاف حول الغنائم، وما كان رجوع الفرسان إلى مؤخرة الجيش بعد سماعهم بخبر الثغرة إلَّا لحماية الغنائم.

هذه الرواية يؤيدها السفير الدكتور محمد بن عبد الرحمن البشر في كتابه "مآسي الأندلس"، فيقول عن موقعة بلاط الشُّهداء:

"وبعد قتال مرير بين الطَّرفين استمر لعدَّة أيام كاد المسلمون أن يحرزوا النصر فيه، إذا بثغرة صغيرة تظهر في المعسكر الإسلامي، وإذا بالمندسين في الصفوف الإسلامية يصيحون بقرب وقوع حامية الغنائم بيد العدو؛ فارتد بعض الفرسان إلى الخلف خشية وقوع ما غنموه بيد العدو، فاختل عندها ترتيب الجند وبدأ الصراع الداخلي في الجيش الإسلامي وفي هذه الأثناء أصيب عبد الرحمن الغافقي بسهم...."

لكن مؤلفي كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس (د.خليل السامرائي، د.عبد الواحد ذنون طه، د.ناطق صالح مطلوب) لهم رأي آخر في هذا الموضوع:

فبالنسبة لهم لم يكن سبب ارتباك الجيش هو خلافٌ بين العرب والبربر أو طمع بالغنائم، بل أن وجود عائلات المقاتلين معهم هو ما سبب هذا الارتباك.

حيث يشير مؤلفو الكتاب إلى أنَّ كتيبة من جيش الفرنجة كانت بقيادة دوق أكيتاينة هاجمت مؤخرة الجيش حيث معسكر العائلات الذي يضم نساء الجنود وأولادهم.

لذلك ترك الكثير منهم مواقع القتال واتجه إلى معسكر الأسر لحمايتهم، وكانت هذه بداية القلقلة التي أدت إلى الهزيمة.

نتائج معركة بلاط الشُّهداء

كما أنَّ هناك تضارباً كبيراً حول الحقائق التي أحاطت بمعركة بلاط الشُّهداء هناك أيضاً خلافٌ حول أهميتها.

حيث مرَّ عليها المؤرخون العرب مرور الكرام دون أن يتوقفوا عندها طويلاً معتبرين أنَّ الهزيمة التي لحقت بالمسلمين لم تكن ذات أثر استراتيجي كبير على تواجدهم في أوروبا.

فيما لجأ المؤرخون الأوروبيون لاعتبار انتصار مارتل على المسلمين إنقاذاً لأوروبا المسيحية وإنهاء لتمدد "شبح الإسلام" في أوروبا.

فعلياً لم يتمكن المسلمون من الوصول إلى أبعد مما وصلوا إليه بعد معركة بلاط الشُّهداء، لكن نشاطهم العسكري لم يتوقف في جنوب فرنسا في الفترة اللاحقة خاصة في ولاية عقبة بن الحجاج السلولي 116-123هـ/ 734-741م.

ختاماً... اليوم بعد مرور مئات السنين على موقعة بلاط الشُّهداء ما زال البعض يعتبر أنَّها كانت المعركة الفاصلة بين وصول المسلمين إلى أوروبا أو انسحابهم إلى إفريقيا.

فيما يشكك آخرون بقيمة هذه الهزيمة بل يعتبرون أن تمركز المسلمين الفعلي كان مقتصراً على شمال إسبانيا حتى جبال ألبرت، ولم تكن حملات جنوب فرنسا إلَّا حملات حماسية لم تحظَ بالقدر الكافي من التخطيط والاهتمام.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه