;

التَّوكيد وأدوات التَّوكيد في اللُّغة العربيَّة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
التَّوكيد وأدوات التَّوكيد في اللُّغة العربيَّة

يُعتبر أسلوب التَّوكيد واحداً من أساليب اللُّغة العربيَّة التي تفيد بتحديد القول ومنع اللَّبس والتَّوهُّم بالمجاز في الكلام، فللتَّوكيد دوره في تقوية الكلام وتبيِّينه، إضافة لدوره في الحصر والتَّحديد بحيث يكون المعنى واضحاً بشموله وإحاطته.

تعريف التَّوكيد

يعرِّف الدُّكتور أسعد النادري التَّوكيد في كتابه (نحو اللُّغة العربيَّة) فيقول:

التَّوكيد أو التَّأكيد تابعٌ يقرِّرُ أمر المتبوع في النِّسبة والشُّمول، كقولنا: انهزمَ انهزمَ العدوُّ، حضرَ الرَّئيسُ نفسُهُ للاحتفال.

ويضيف الدُّكتور مبارك مبارك في كتابه (قواعد اللُّغة العربيَّة) إلى تعريف التَّوكيد فيقول:

التَّوكيد تابعٌ يقرِّرُ أمر متبوعه في الشُّمول أو النِّسبة، ويجعله ثابتاً بعيداً عن الاحتمال بحيث لا يُظنُّ به غيره.

فالتَّوكيد إذاً يرفع احتمال السَّهو أو المجاز في الكلام، والتَّوكيد من أساليب اللُّغة العربيَّة لتقوية أثر الكلام في نفس السَّامع، كما يُصنَّف التَّوكيد من التَّوابع.

لماذا يصنَّف التَّوكيد في التَّوابع؟

التَّوابع كما يعرِّفها سعيد الأفغاني في (الموجز في اللُّغة العربيَّة) أن تتبع الكلمة ما قبلها في الإعراب لعلاقة معنوية بينهما، فتُرفَع أو تجرُّ أو تُنصَبُ أو تُجزَمُ تبعاً لمتبوعها، وهي:

النَّعتُ، العَطف بأنواعه، البدلُ، والتَّوكيد الذي نتناوله في هذه المادَّة.

ويصنَّف التَّوكيد في قسمين:

  1. التَّوكيد المعنوي.
  2. والتَّوكيد اللَّفظي.

- أمَّا التَّوكيد اللَّفظي فيكون في تكرار اللَّفظ لتأكيد المعنى وإبعاده عن الظَّنِّ والمجاز، كقولنا: دقَّتْ دقَّتْ ساعةُ الحربِ.

- وأمَّا التَّوكيد المعنوي فلا يكون المؤكَّد فيه إلَّا اسماً ويكون التَّوكيد المعنويُّ بألفاظٍ محصورةٍ سنأتي على تفصيلها في الفقرات القادمة.

التَّوكيد اللَّفظيُّ توكيدٌ لا يختصُّ بقسمٍ من أقسام الكلمة

التَّوكيد اللَّفظي كما ذكرنا توكيد بالتَّكرار، ولا يشتَرط في التَّوكيد اللَّفظي أن يكون قسماً من أقسام الكلمة دون غيره (راجع أقسام الكلمة في اللُّغة العربيَّة).

فقد يكون اسماً أو حرفاً أو فعلاً، كما يكون معرفة أو نكرة، ظاهراً أو ضميراً، جملة اسمية أو فعلية:

  • توكيد الفعل اللَّفظي: جاءَ جاءَ الفرجُ.
  • توكيد لفظي اسم ظاهر معرفة: زيدٌ زيدٌ حضر.
  • توكيد لفظي اسم ظاهر نكرة: دخل رجلٌ رجلٌ.
  • توكيد لفظي ضمير: نحن نحن الفائزون.
  • توكيد لفظي حرف: لا لا أوافق على هذا.
  • توكيد لفظي جملة اسمية: البيتُ جميلٌ البيتُ جميلٌ.
  • توكيد لفظي جملة فعلية: انتهى العملُ انتهى العملُ.

من أحكام التَّوكيد اللَّفظي

لا يُشترط في التَّوكيد اللَّفظي تكرار اللَّفظ نَفسِه، بل يمكن تكرار معناه باستخدام مرادفه، كقولنا: فازَ انتصَرَ الجَيشُ.

وقد تقترن جملة التَّوكيد بأحرف العطف وهي كثيرة، فنقول: أولى لكَ فأولى لكَ ثمَّ أولى لكَ، أمُّك ثمَّ أمُّك ثمَّ أمُّك.

فيما يجب تركُ العاطف إذا أوقع لبساً في التَّعدُد أو التَّرتيب دون التَّوكيد، كأن نقول (قرأتُ كتاباً فكتاباً) فليس المعنى توكيداً، بل نقول (قرأت كتاباً قرأت كتاباً).

كما يجوز تأكيد الضمير المتصل بضمير رفع منفصل، كقولنا: قمتَ أنتَ، علماً أن الاسم الظاهر لا يجوز تأكيده بضمير، فلا نقول (×جاء زيدٌ هو×) بل نقول: جاء زيدٌ زيدٌ.

وإذا كان التَّوكيد موصولاً فلا بد من تكرار صلته معه، كقولنا: أكرِم مَن أكرَمكَ مَن أكرَمكَ. وفي توكيد الفعل يُعاد الفعل دون فاعله (جاءَ جاءَ الفرجُ) فإن أُعيد مع فاعله صارَ التَّوكيد جملة (جاءَ الفرجُ جاءَ الفرجُ).

إعراب التَّوكيد اللَّفظي

اللَّفظُ الواقع توكيداً لفظياً يتبع المؤكَّد في ضبطه الإعرابي، غير أنَّه لا محل له من الإعراب ولا يعمل في غيره، فيُعرب المؤكَّد في محلِّه من الجملة، أمَّا التَّوكيد فيتم إعرابه: توكيدٌ لفظي.

فإذا قلنا: البيتُ البيتُ جميلٌ.

البيتُ: مبتدأ مرفوع بالضَّمَّة الظَّاهرة.

البيتُ (الثانية): توكيدٌ لفظيٌّ.

جميلٌ: خبر مرفوع بالضَّمَّة الظاهرة على آخره.

أمَّا التَّوكيد المعنوي فمختصٌّ بالاسم دون غيره

يختصُّ التَّوكيد المعنويُّ بالاسم دون الفعل أو الحرف أو الجملة، تُستخدم فيه أدوات التَّوكيد لا تكرار اللَّفظ، ويكون التَّوكيد بسبعة أسماء تُضاف إلى ضمير المؤكَّد، هي: النَّفسُ، العينُ، كلُّ، كِلا، كِلتا، جَميع، عامَّة.

أمَّا المقصود بقولنا: تضاف أدوات التَّوكيد إلى ضمير المؤكَّد؛ أي أنَّ أداة التَّوكيد تتصل بضمير يدلُّ على المؤكَّد، فنقول: جاء الرَّجلُ عينه.

التَّوكيد بالنَّفس والعين

تحملُ (عين، نفس) معنى الذَّات، أي هو الشَّيءُ أو الأمرُ ذاته، وتستخدمان للتَّأكيد المعنوي لدفع المجاز السَّهو أو النِّسيان، يجب أن يسبقها المؤكَّد، وأن تضافا إلى ضميره الذي يطابقه في التَّذكير والتًّأنيث والجَمع.

فنقول: حضر الطالبُ نَفسُه/عينُه، اعتذر المخطئون أعينُهم/أنفسُهم (لاحظ تطابق الحركة بين أداة التَّوكيد والمؤكَّد).

والمشهور ألّا تتم تثنية النَّفس والعين وإن كان المؤكَّد مثنَّى، بل يجوز جمع النَّفس والعين مع المؤكَّد والمثنَّى أو إفرادهما، والأصح جمعهما، فنقول: عاد الزبونان أنفسُهم.

كما جاز أن تتصل النَّفسُ والعين بـ باء الجرِّ الزَّائدة فنقول: حضر الرَّئيسُ بنفسِهِ/ هذا هو بعينِهِ. فيزيل الجرُّ بباء الزائدة تطابق حركة أداة التَّأكيد مع المؤكَّد لفظاً.

وإنْ أردنا التَّأكيد بالعين والنَّفس معاً لذات المؤكَّد وجب تقديم النَّفس على العين، فنقول: هذا هو نَفسُه عينُه.

التَّوكيد بكِلا وكِلتا

تستخدم كِلا لتَوكيد الاسم المثنَّى المذكَّر، وكِلتا لتوكيدِ الاسم المثنَّى المؤنَّث، وتستخدمان للتَّأكيد على الشُّمول ودفع شبهة المجاز، يجب أنْ يَسبقَ المؤكَّد كِلا وكِلتا وأنْ تُضافا إلى ضميره.

عرفتُ الأمرينِ كِليهما، جاءَ الرَّجلانِ كِلاهُما، حضرتِ المتهمتانِ كِلتاهُما، حُكِم على المتهمتينِ كِلتيهِما.

وتعرَبُ كِلا وكِلتا إعراب المثنَّى، فالرَّفعُ بالألفِ والنَّصبُ والجرُّ بالياء، وبما أنَّ التَّوكيد في التَّوابع فتكون كِلا وكِلتا تابعتين لما قبلهما بالحركة، كما في الأمثلة السَّابقة.

أمَّا إذا كان القولُ لا يَصلُح لواحدٍ ضرورةً فلا داعي لاستخدام كلِا أو كِلتا، ومِن هذا الأفعال التي تستلزم وجود أكثر مِن واحد نحو: تسابقَ البَطلانِ. فهنا لا مجال لوقوع اللَّبسِ، كذلك في قولنا: المالُ بينَ الرَّجلينِ. فلا شبهة ولا مجاز ندفعه.

للتَّوضيح: حينَ قال امرؤ القيسِ: قفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومَنزِلِ.

اختلفَ المفسِّرونَ في قصده مِن (قفا) هل خاطب نفسه، أم خاطب نفسه وجواده، أم خاطب صديقاً له بصيغة تكثير، أم خاطب صديقين.

فإذا أردنا دفع هذه الشُّبهة قلنا: قفا كِلاكُما نبكِ. فلَم يَعُد للقولِ إلَّا تفسيرٌ واحد هو الخطاب لاثنين.

أما في قولنا: تعارك الرَّجلان، تسابقَ اللَّاعبانِ، مرَرّتُ بأحد المدينتينِ...إلخ، كلُّه واضحٌ لا ضرورة ولا مسوغ للتَّوكيد المعنوي معه.

التَّوكيد المعنوي بكلِّ وجميع وعامَّة

تستخدم أدوات التَّوكيد (جميع، كلُّ، عامَّة) للدلالة على الإحاطة والشُّمول ودفع توهُّمِ المبالغة والمجاز، وذلك بتأكيد شمول جميع الفاعلين بالفعل، وإحاطة الفاعلين كلِّهم لا أكثرهم.

فإذا قلنا: جاءَ الطُّلابُ. قد يظنُّ السامع أنَّ مجموعة منهم لا كلُّهم، فنقول: جاء الطُّلابُ كلُّهم، أو جميعُهم، أو عامَّتهم.

ولا تُستخدم هذه الأدوات إلا  في تأكيد مجموعٍ قابلٍ للتجزئة (حضرَ المعلِّمونَ كلُّهم)، أو مفردٍ قابلٍ للتجزئة (اشتريتُ الأرضَ كلَّها)، فإذا كان المفرد غير قابل للتجزئة كالأشخاص بَطُل استعمال هذه الأدوات، فلا نقول (× جاء سعيدٌ كلُّه×).

وينطبق على (كلّ وجميع وعامَّة) أحكام أدوات التَّوكيد الأخرى، فلا بدَّ أن يسبقوا  المؤكَّد، ولا بد أن يتَّصل بهم  ضميرٌ يعود على المؤكَّد ويطابقه في التَّذكير والتَّأنيث والجمع، فنقول:

احتجَّت النُّواب كلُّهنَّ، دخلتُ البيوتَ جَميعَها، اشتريتُ البَضائعَ كلَّها، نفَّذتُ الأوامرَ عامَّتَها.

وتتبع هذه الأدوات المؤكَّد بالإعراب ضرورةً، بالجر والرَّفع والنَّصب.

أدوات أخرى للتوكيد

مِن أدوات التَّوكيد أيضاً (أجمَعْ، أبصَعْ مِن البَصع وهو الجمع، أكتَعْ، أبتَعْ)، هذه لا تُضاف لظاهرٍ ولا لضمير، كقولنا: جاء الرَّجل فاستقبلتهُ القريةُ كلُّها جمعاءُ بصعاءُ، استعدنا أرضنا المحتلَّةَ كلَّها جمعاءَ بصعاءَ كتعاءَ بتعاء، اندحر الأعداء كلُّهم أجمعونَ أكتعونَ أبصعونَ أبتعون.

ختاماً... نودُّ أنْ نذكِّركم أخيراً أنَّ التَّوكيد شأنه شأن كلِّ أساليب اللُّغة العربيَّة بل كلّ قواعدها، لا بد أن يخلو من اللَّبس والتَّوهُّم، وهذا هو هدفه، فاختيار أسلوب التَّوكيد يكون دقيقاً في سياقه لدرء أي لبس بالاعتماد على معاني أدوات التَّوكيد وأحوال التَّوكيد التي بيَّنَّاها.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه