;

ما هي الحرب النفسية وما هي أدواتها

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 04 أكتوبر 2022

تسعى الدول المتناحرة لاستعمال الحرب النفسية باعتبارها تتناسب مع مستوى التطور التكنولوجي والمعلوماتي الذي وصل إليه العالم من جهة، وتؤمّن من جهة أخرى هزيمة العدو قبل بدء المعركة، أو تساعد على هزيمته من خلال بث الإشاعات واستخدام أساليب نفسية تهدف إلى التأثير على جماهير الدولة العدو.

 

ما هو تعريف الحرب النفسية

هي مجموعة من الأساليب والأدوات التي تستخدمها دولة ضد دولة أخرى، بهدف تحطيم معنويات هذه الدولة ابتداءً من القيادات السياسية إلى الجنود وانتهاء بالمواطنين والمدنيين، وذلك بغية تحقيق الانتصار على الدولة بأقل الخسائر البشرية الممكنة، فتكون الحرب النفسية قبل الحرب وأثنائها وبعد انتهائها، وتختلف أساليبها بحسب المرحلة المستخدمة فيها، كذلك بحسب طبيعة الدولة المستهدفة وطبيعة شعبها وقياداتها وجنودها.

 

لمحة تاريخية عن الحرب النفسية وأبرز من قام باستخدامها

أدرك القادة العسكريون منذ القدم أهمية التأثير في العدو، ومن أبرز هؤلاء القادة ممن اعتمدوا الحرب النفسية لفرض سيطرتهم:

الإسكندر الأكبر والحرب النفسية

وهو ملك مملكة مقدونيا القديمة حكم من العام 498 قبل الميلاد إلى العام 454 قبل الميلاد، حيث غزا أجزاء واسعة بنجاح من أوروبا وآسيا، وذلك من خلال إجبار النخب المحلية في البلدان التي احتلها على التعاون معه، ونصح جنوده بإدخال الثقافة اليونانية وقمع الآراء المعارضة في المدن التي يحتلها، وذلك من خلال الزواج من بنات السكان المحليين بمهور عالية وذلك لدمج الجنود بالمجتمع الذي احتلوه.

جنكيز خان والحرب النفسية

وهو زعيم الإمبراطورية المنغولية في القرن ال13 الميلادي، واستخدم أدوات عدة من أجل التأثير في العدو، حيث هدد السكان المحليين بتدمير المدن إذا رفضوا تسليمها، ومن أدواته أثناء العمليات العسكرية الليلية، أيضاً كان جنكيز خان يأمر كل جندي بإضاءة ثلاثة مشاعل عند الغسق لإعطاء وهم لدى الآخر بأنهم سيواجهون جيشاً ساحقاً.

تيمور لنك

زعيم مغولي 1336 - 1405 م، حيث وضع 90000 من الرؤوس البشرية المقطوعة أمام جدران دلهي، لإقناع الهنود بتسليم أنفسهم خلال حملته على بلادهم، إذ كان جنوده يقطعون الرؤوس البشرية ويعلقونها على أسوار المدينة لتخويف السكان ودفعهم للاستسلام.

الحرب العالمية الأولى 1914-1918م

شهدت الحرب النفسية تطوراً في أدواتها وذلك من خلال استخدام وسائل الإعلام أثناء الحرب العالمية الأولى، من قبل طرفي الحرب وهما دول التفاهم (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والعرب)، ودول تكتل الوسط (ألمانيا، الإمبراطورية الهنغارية النمساوية، السلطنة العثمانية)، وسنستعرض بعض ممارسات هذه الدول للحرب النفسية:

  • بريطانيا: حيث امتلكت واحدة من أشهر أنظمة الأخبار في العالم، وخبرة كبيرة في التواصل الاجتماعي وحافظت على علاقات جيدة مع كثير من دول العالم، مما مكنها من التأثير في الرأي العام العالمي، كما قامت بتحريض الشعوب في الطرف الآخر على الثورة على الدول التي تحتلها، ونجحت من خلال إعلان العرب (الثورة العربية الكبرى) ضد السلطنة العثمانية في عام 1916.
  • فرنسا: فرضت الحكومة في بداية الحرب العالمية الأولى سيطرتها على وسائل لإعلام بهدف قمع التغطية السلبية، وفي عام 1916 أنشأت دار الصحافة (وهي مكان تطبع وتنشر فيه الصحف الفرنسية)، فبدأت فرنسا تستخدم الحرب النفسية، حيث أنشأت قسماً في مكتب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باسم (الطيران الجوي قسم الدعاية)، برئاسة جان جاك الفالس، وهو رسّام من منطقة الألزاس، حيث قام بتوزيع منشورات من الصور فقط، كما نشروا مبادئ الرئيس الأمريكي آنذاك ودرو ويلسون الأربعة عشر وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وذلك لإقناع العالم بأن الغرب يسعى لتحرير الدول المحتلة والارتقاء بها حتى تصبح قادرة على تقرير مصيرها وبالتالي يطبق عليها مبادئ ويلسون.
  • ألمانيا: حاولت إشعال الثورة داخل الأراضي التي احتلتها الإمبراطورية البريطانية آنذاك، مثل إيرلندا والهند، ولكنها لم تنجح، إذ قامت بريطانيا بابتزاز الشعوب، وإطلاق الوعود بمنحهم الاستقلال إذا ساندوها في الحرب العالمية الثانية.

الحرب العالمية الثانية 1939-1945

وظهرت خلال هذه الحرب لغة الخطاب والخدع كطريق للتأثير في الرأي العام، واشتهر بها المستشار الألماني أدولف هتلر الذي رفع شعار "اكذب.. اكذب.. حتى يصدقك الناس"، وطرفا الحرب كانا دول المحور (ألمانيا، إيطاليا واليابان)، ودول التحالف (فرنسا- بريطانيا- الاتحاد السوفييتي- الولايات المتحدة الأمريكية- الصين..)، وسنستعرض بعض ممارسات هذه الدول للحرب النفسية أثناء الحرب العالمية الثانية:

  • ألمانيا: استفادت ألمانيا من التجربة البريطانية في استخدام الحرب النفسية خلال الحرب العالمية الأولى، فعين جوزيف غوبلز وزيراً للدعاية، حيث نجحت الدعاية التي استخدمها كأسلوب من أساليب الحرب النفسية ضد تشيكوسلوفاكيا من خلال تحريض المواطنين ضد حكومتهم، ووصل تأثير هذه الدعاية إلى حد موافقة فرنسا وبريطانيا على احتلال ألمانيا لتشيكوسلوفاكيا ومسحها من الخارطة السياسية للدول في أوروبا وذلك في عام 1938.
  • بريطانيا: استخدمت بريطانيا الخداع على نطاق واسع في ممارسة الحرب النفسية ضد الألمان كالخداع البصري، والعمالة المزدوجة (إذ نجحت ألمانيا في القبض على مجموعة من العملاء الألمان الذين أرسلهم هتلر إلى بريطانيا للتجسس على العدو، وقامت بريطانيا بتلقين هؤلاء العملاء ما تريده لإيصاله إلى القيادة الألمانية، التي لم تكن تدري أنها وقعت ضحية عملائها)، فكان ذلك من الأسباب التي مكنت بريطانيا وحلفائها من الانتصار في الحرب العالمية الثانية التي دامت لنحو ست سنوات.

حرب فيتنام 1946-1953

حيث استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية برنامجاً مكثفاً من الحرب النفسية بعنوان "فينيكس" يهدف لاغتيال موظفي جبهة التحرير الوطني الفيتنامية، وترويع المتعاطفين معها والمؤيدين لها.

حرب العراق 2003

حيث استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب النفسية، من خلال بث فيديوهات ونشر أخبار عن سقوط بغداد قبل سقوطها بالفعل، الأمر الذي ساهم في تراجع الروح المعنوية لدى أفراد الجيش العراقي وانهياره لاحقاً.

حرب تموز 2006

حيث أدت كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التي قال فيها: "انظروا إلى البارجة الحربية الإسرائيلية التي قتلت عشرات المدنيين والنساء والأطفال انظروا إليها تحترق ومعها عشرات الجنود الصهاينة" إلى انتشار حالة من الهلع لدى الإسرائيليين، وكان لها دور كبير في انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز.

تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بداعش الإرهابي

الذي ظهر في عام 2013 واستخدم الإعلام والأفلام لإعدامات بحق المدنيين في سورية والعراق والتي أحدثت أثراً نفسياً كبيراً، من خلال استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية والإبهار البصري، وهذا أدى لتشكيل تحالف من ستين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهته، فمن جرائم هذا التنظيم إعدام الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف عام 2014.

 

شروط الحرب النفسية وأدواتها

الحرب النفسية كغيرها من الحروب لها شروطها ومعاييرها، فحتى تستطيع دولة معينة شن حرب نفسية ناجحة على دولة أخرى، يجب أن تمتلك فريقاً متخصصاً في الحرب النفسية، يعرف كل شيء عن الدولة المستهدفة كالعادات والتقاليد، نسبة وعي الشعب المستهدف، نقاط الضعف ونقاط القوة لدى العدو، طبيعة الشعب المستهدف عاطفي أم عقلاني.

وبعد تهيئة هذا الفريق المتخصص، يتم تحديد أدوات الحرب النفسية، والتي تتنوع بين توزيع المنشورات في أراضي الدولة العدوة (وهو ما فعله نابليون بونابرت عندما دخلت القوات الفرنسية مصر، حيث قال: "إن هدف الحملة الفرنسية تطوير المجتمع المصري ونشر معالم الحضارة الحديثة فيه"، إنشاء وسيلة إعلامية ناطقة بلغة العدو لمخاطبة مواطنيه والتأثير فيهم، (خلال الحرب الباردة حولت الولايات المتحدة الأمريكية إذاعة صوت أمريكا للتأثير في الاتحاد السوفييتي ابتداء من عام 1947).

خلاصة... تعد الحرب النفسية من أخطر أنواع الحروب عبر التاريخ، حيث ساهمت في انخفاض كلفة الحرب البشرية لترتفع عوضاً عنها الكلفة المادية من خلال استثمار أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لإحداث تغيير في الرأي العام للعدو.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه