;

الحرب الأهلية الصينية (Chinese Civil War)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
الحرب الأهلية الصينية (Chinese Civil War)

لم تكن الحرب الأهلية الصينية متواصلة، فقد توقفت بين عامي 1937 و 1945 حيث توحد الطرفان المتحاربان (حزب الكومينتانغ الحاكم والحزب الشيوعي الصيني) لمواجهة العدوان الياباني، واستؤنفت الحرب بعد إخراج اليابان من الصين أي منذ عام 1945 واستمرت حتى عام 1949.

لتواجه الصين أزمة اعتراف دولي دامت سنوات قبل أن تعترف الجمعية العامة للأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية كممثل عن الصين وكعضو دائم في مجلس الأمن الدولي يتمتع بحق النقض الفيتو.. نتعرف في هذه المقالة على الظروف التي اشتعلت فيها الحرب الأهلية الصينية، وأطراف هذه الحرب، وتطور أحداثها، وصولاً لانتهائها والاعتراف الدولي بجمهورية الصين الشعبية كممثل وحيد عن الصين.

الأوضاع في الصين عشية الحرب الأهلية

بعد نجاح ثورة شنغهاي بإسقاط الحكم الملكي في الصين في عام 1911 عمَّت الصين الفوضى والاضطرابات، واستولى أمراء الحرب على البلاد وتقاسموها فيما بينهم، فسعى زعيم حزب الكومينتانغ صن يات صن لهزيمتهم وتوحيد الصين من جديد، ومن أجل تحقيق هذه الغاية وجَّه صن يات صن نداءات إلى العديد من الدول الديمقراطية الغربية لمساعدته، لكن نداءاته كانت من دون نتيجة.

صن يات صن والاتحاد السوفيتي

عندما لم يحصل صن يات صن على مساعدات من الدول الغربية لجأ إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1921 وطلب منه المساعدة، فوافق الاتحاد السوفيتي على مساعدة حزب الكومينتانغ شرط أن يسمح للحزب الشيوعي الصيني الصغير بالانضمام له.

وفي عام 1923 أبرم الاتحاد السوفياتي وحزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني اتفاقاً ينص على أن الاتحاد السوفيتي سيساعد الصين حكومة واحدة وليس حكومات كثيرة، وفي العام ذاته شكل كل من حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني جبهة واحدة ضد أمراء الحرب.

كما أرسل صن يات صن الذي كان يتزعم حزب الكومينتانغ؛ تشيانغ كاي شيك (كان عضواً في حزب الكومينتانغ) للدراسة في موسكو، وفي عام 1924 أصبح تشيانغ كاي شيك رئيساً للأكاديمية العسكرية في الصين، فقدم الاتحاد السوفيتي للأكاديمية الكثير من المواد التعليمية والتنظيم والمعدات بما في ذلك الذخائر، وبفضل هذه المساعدات تمكن صن يات صن من جمع "جيش للحزب" متخصص، حيث كان يأمل بهزيمة أمراء الحرب.

تشيانغ كاي شيك رئيس حزب الكومينتانغ

بعد وفاة زعيم حزب الكومينتانغ صن يات صن في شهر أيار/ مايو في عام 1925 استلم قيادة الحزب تشيانغ كاي شيك، فقام تشيانغ كاي شيك بحملة تطهير ضد اليساريين وأعضاء الحزب الشيوعي الصيني وألقى القبض على المئات منهم وأعدمهم، وهو ما عُرف باسم (مذبحة شنغهاي) التي حصلت في الثاني عشر من شهر نيسان/ أبريل عام 1926.

كما حارب تشيانغ كاي شيك الفلاحين الذين استولوا على الأراضي التي كانوا يعملون بها وكان يسيطر عليها كبار الملاك، فقام ماو تسي تونغ الذي كان آنذاك عضو اللجنة المركزية لحزب (الكومينتانغ) (ذكرنا في فقرة سابقة أن حزب الكومينتانغ والحزب الشيويع الصيني انضموا في جبهة واحدة ضد أمراء الحرب في عام 1923) بالمطالبة بعزل تشيانغ كاي شيك من رئاسة حزب الكومينتانغ وذلك في شهر آذار/ مارس عام 1927 لكن رُفض طلبه، وكان ذلك سبب الانفصال وإيقاف التعاون بين الحزبين (حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني).

أطراف الحرب الأهلية الصينية

تقاتل في هذه الحرب طرفان محليان مدعومان بطرفين دوليين، هذا الدعم كان بعد الغزو الياباني للصين:

  1. الحزب الشيوعي الصيني، بقيادة ماو تسي تونغ، ذراعه العسكرية الجيش الأحمر الصيني، المدعوم من الاتحاد السوفيتي.
  2. حزب الكومينتانغ الصيني، بقيادة تشانغ كاي شيك، ذراعه العسكرية الجيش الوطني الصيني، المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية.

المرحلة الأولى للحرب الاهلية الصينية

بدأ الاشتباك بين الحزب الشيوعي الصيني ممثلاً بالجيش الأحمر وحزب الكومينتانغ الذي كان يحكم الصين آنذاك ويخضع له الجيش الوطني الصيني في الأول من شهر آب/ أغسطس عام 1927.

وفي الرابع من شهر آب/ أغسطس عام 1927 انسحب الجيش الأحمر الصيني من مدينة نانتشانغ فسيطر عليها الجيش الوطني الصيني، في هذه الأثناء سيطر الجيش الأحمر الصيني على مدينة قوانغدونغ في الجنوب.

وخلال اجتماع الحزب الشيوعي الصيني في السابع من شهر آب/ أغسطس عام 1927 أعلن أعضاء الحزب نيتهم الوصول إلى السلطة بالقوة، فرد الجيش الوطني الصيني في اليوم التالي بحملة واسعة ضد الشيوعيين في مدينة ووهان، ثم سيطر الجيش الأحمر الصيني المؤلف من الجنود الوطنيين الثوريين السابقين المتمردين وكذلك الفلاحين المسلحين على عدة مناطق في جنوب الصين.

وفي شهر أيلول/ سبتمبر قام تمرد مسلح بقيادة ماو تسي تونغ في الريف عُرِف باسم (انتفاضة حصاد الخريف)، فكان ذلك بداية لبضع سنوات من الكفاح المسلح المعروف في الصين القارية (الصين كانت جزئين أرض الصين وجزيرة تايوان التابعة للصين، لذلك يطلق على أرض الصين "الصين القارية") باسم "الحرب الأهلية العشرية"، وفي تفاصيل الحرب الأهلية العشرية اندلعت في عام 1930 حرب السهول الوسطى كصراع داخلي في حزب الكومينتانغ أطلقها فنغ يو شيانغ، ويان زيشان.

كذلك وانغ جينغ وي، حيث تم القضاء على ما تبقى من شيوعيين داخل حزب الكومينتانغ في خمس حملات استمرت حتى عام 1934، وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 1934 قام الجيش الأحمر الصيني بمحاصرة قوات الجيش الوطني الصيني.

المسيرة الطويلة.. انسحابات الجيش الأحمر بقيادة ماو تسي تونغ

تراجع الجيش الأحمر الصيني بقيادة ماو تسي تونغ بما عُرف باسم (المسيرة الطويلة)، وهي سلسلة انسحابات قام بها الجيش الأحمر الصيني من الجنوب إلى الشمال والغرب أمام الجيش الوطني الصيني، وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935 توقفت الانسحابات عندما وصل الحزب الشيوعي الصيني إلى داخل مدينة شنشي.

وفي الثاني عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1936، قام اثنان من أعضاء حزب الكومينتانغ هما تشانغ شويليانغ كذلك يانغ هو تشنغ بمحاصرة تشيانغ كاي شيك وإجباره على مهادنة (إيقاف الحرب) الحزب الشيوعي فيما عرف باسم حادثة شيان في عام 1936.

وهكذا توحد الحزب الشيوعي الصيني (الجيش الأحمر الصيني) مع حزب الكومينتانغ (الجيش الوطني الصيني) لمواجهة العدو المشترك ألا وهو العدو الياباني لتتوقف بعدها الحرب الأهلية في عام 1937 حتى عام 1945. (وسنكون في مقالة مفصلة عن العدوان الياباني على الصين).

المرحلة الثانية للحرب الأهلية الصينية

انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة اليابان، وبموجب شروط الاستسلام التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان استسلمت القوات اليابانية للجيش الوطني الصيني، أما في منشوريا - حيث لم يكن هناك أي تواجد للجيش الوطني الصيني؛ استسلم اليابانيون للاتحاد السوفيتي، فطلب قائد الجيش الوطني الصيني تشيانغ كاي شيك من الاتحاد السوفيتي تأجيل انسحابهم من منشوريا ريثما تصل قواته إلى هناك، إلا أن الاتحاد السوفيتي رفض السماح للجيش الوطني الصيني بعبور أراضي منشوريا.

وقال الرئيس هاري ترومان في مذكراته حول ما وصفه بأنه "استخدام اليابانيين لعزل الشيوعيين": "كان واضحاً لنا تماماً أنه إذا قلنا لليابانيين أن يضعوا أسلحتهم على الفور ويسيروا إلى الساحل، سيتولى الشيوعيون البلد بأكمله. لذلك كان علينا أن نأخذ خطوة غير عادية باستخدام العدو كحامية حتى نتمكن من نقل القوات الوطنية الصينية إلى جنوب الصين وإرسال جنود المارينز لحماية الموانئ البحرية"، في تلك الأثناء كانت السيطرة على الريف للحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ.

محاولات الهدنة بين حزبي الكومينتانغ والشيوعي الصيني

حصلت أول مفاوضات سلام بعد الحرب بين تشيانغ كاي شيك بصفته رئيس حزب الكومينتانغ (الجيش الوطني الصيني) وماو تسي تونغ بصفته رئيس الحزب الشيوعي الصيني (الجيش الأحمر الصيني) في تشونغتشينغ في الثامن والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 1945، واختتمت في العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1945 بتوقيع اتفاق أكد فيه الجانبان على أهمية إعادة البناء السلمي.

لكن المؤتمر لم يسفر عن أي نتيجة ملموسة، واستمرت المعارك بين الجانبين حتى عندما كانت مفاوضات السلام جارية حتى تم التوصل إلى اتفاق في شهر كانون الثاني/ يناير عام 1946، يقوم على تشكيل حكومة مشتركة من حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني.

استراتيجية الجيش الأحمر الصيني

بحلول نهاية الحرب الصينية اليابانية الثانية، نمت قوة الجيش الأحمر الصيني بشكل كبير، وازداد تعداد قواته الرئيسية إلى مليون ومئتي ألف جندي، مع ميليشيات أخرى تبلغ مليوني جندي، وسيطر الجيش الأحمر الصيني على ربع أراضي الصين التي يقيم عليها ثلث سكان الصين، شمل ذلك العديد من المدن الهامة.

علاوة على ذلك حوَّل الاتحاد السوفياتي جميع أسلحة اليابانيين المستولى عليها وكمية كبيرة من الإمدادات الخاصة بهم إلى الحزب الشيوعي الصيني الذي سعى لكسب الفلاحين إلى جانبه من خلال وعده بتقديم الأراضي التي يعملون بها لهم فور انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب.

استراتيجية الجيش الوطني الصيني

سيطر الجيش الوطني الصيني التابع لحزب الكومينتانغ بزعامة تشانغ كاي شيك على معظم البنوك والمصانع والممتلكات التجارية التي كان قد استولى عليها الجيش الياباني الإمبراطوري، كما قام بتجنيد القوات بوتيرة وحشية من السكان المدنيين وبتجهيز الإمدادات استعداداً لاستئناف الحرب مع الشيوعيين.

تسببت هذه الاستعدادات المتسارعة والقاسية في معاناة كبيرة لسكان مدن مثل شنغهاي التي ارتفع فيها معدل البطالة بشكل كبير وصل إلى 37,5% بالمئة، ودعمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الجيش ضد الجيش الأحمر الصيني التابع للحزب الشيوعي الصيني المدعوم من الاتحاد السوفيتي.

استئناف الحرب الأهلية الصينية

قام قائد الجيش الوطني الصيني تشيانغ كاي شيك بشن هجوم على قوات الجيش الأحمر الصيني التابعة للحزب الشيوعي الصيني وذلك في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1945، حيث بدأ بشن هجومٍ في مدينة تشينتشو وتمكن من السيطرة عليها في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1945.

أعقب ذلك هجوم شيوعي على شبه جزيرة شانتونغ (شاندونغ) وكان ناجحاً إلى حد كبير، حيث تمكن الجيش الأحمر الصيني من السيطرة على شبه الجزيرة، وانتهى الاتفاق في السادس والعشرين من شهر حزيران/ يونيو عام 1946 عندما اندلعت حرب واسعة النطاق بين قوات الحزب الشيوعي الصيني وقوات الكومينتانغ ثم دخلت الصين في حالة حرب أهلية استمرت أكثر من ثلاث سنوات.

المواجهات بين الجيشين الأحمر الصيني والوطني الصيني في عام 1946

مع انهيار المحادثات، استؤنفت الحرب الشاملة، ويشار إلى هذه المرحلة في الصين القارية والتاريخية الشيوعية بأنها "حرب التحرير"، ففي العشرين من شهر تموز/ يوليو عام 1946 شن الجيش الوطني الصيني تشيانغ كاي شيك هجوماً واسع النطاق على الأراضي الشيوعية وشكل ذلك المرحلة النهائية من الحرب الأهلية الصينية.

ثم نفذ الجيش الأحمر الصيني استراتيجية "الدفاع السلبي"، وتجنب النقاط القوية للجيش الوطني الصيني، فكان على استعداد للتخلي عن الأراضي من أجل الحفاظ على قواته، وفي معظم الحالات كانت المناطق الريفية المحيطة والمدن الصغيرة تحت تأثير الجيش الأحمر الصيني قبل وقت طويل من المدن.

كما حاول الجيش الأحمر الصيني إبعاد الجيش الوطني الصيني قدر المستطاع، ويبدو أن هذا التكتيك كان ناجحاً؛ فبعد عام أصبح توازن القوى أكثر ملاءمة للجيش الأحمر الصيني.

الجيش الأحمر الصيني يسيطر على وسط الصين بحلول عام 1949

وفي شهر آذار/ مارس عام 1947 حقق الجيش الوطني الصيني انتصاراً رمزياً من خلال الاستيلاء على عاصمة الجيش الأحمر الصيني مدينة يانان، وفي الثلاثين من شهر حزيران/ يونيو عام 1947 عبرت قوات الجيش الأحمر الصيني النهر الأصفر وانتقلت إلى منطقة جبال دابي واستعادت السهول الوسطى.

وفي الوقت نفسه بدأت قوات الجيش الأحمر الصيني بهجوم مضاد في شمال شرق الصين وشمال الصين وشرق الصين، وبحلول أواخر عام 1948 استولى الجيش الأحمر الصيني على المدن الشمالية لشنيانغ وتشانغتشون كما سيطر على شمال شرق البلاد.

إضافةً إلى ذلك أجبر الجيش الأحمر الصيني الجيش الوطني الصيني على الاستسلام بعد محاصرته في مدينة تشانغتشون لمدة ستة أشهر، حيث استولى الجيش الأحمر على الدبابات والمدفعية الثقيلة والأسلحة الأخرى التي كانت بحوزة الجيش الوطني.

وبحلول شهر نيسان/ أبريل عام 1948 سيطر الجيش الأحمر الصيني على مدينة لويانغ، ثم استولى على جينان ومقاطعة شاندونغ في الرابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، وبحلول أوائل عام 1949 كان الجيش الأحمر قد سيطر على وسط الصين لصالح الحزب الشيوعي الصيني.

الجيش الأحمر الصيني يحسم الحرب الأهلية لصالحه في عام 1949

أراد الرئيس السوفيتي جوزف ستالين أن تنتهي الحرب الأهلية الصينية بتشكيل حكومة ائتلافية من الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ في الصين، وحاول ستالين (كي تتشكل حكومة مشتركة من حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني) منع الجيش الأحمر الصيني بقيادة ماو تسي تونغ من عبور نهر اليانغتسي والانتقال إلى الجنوب.

لكن الأخير رفض ذلك وعبر الجيش الأحمر الصيني في الحادي والعشرين من شهر نيسان/ أبريل عام 1949 نهر اليانغتسي، وبعد يومين تمكن من الاستيلاء على عاصمة الجيش الوطني الصيني مدينة نانجينغ، فانسحب الجيش الوطني الصيني إلى مدينة كانتون (قوانغتشو) في الخامس عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1949، ثم إلى مدينة تشونغتشينغ حتى الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1949.

ثم تشنغدو قبل أن يتراجع الجيش الوطني الصيني إلى تايوان في العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1949، وبحلول أواخر عام 1949 كان الجيش الأحمر يلاحق فلول الجيش الوطني في جنوب الصين.

انتهاء الحرب الأهلية وتأسيس جمهوريتي الصين

أعلن رئيس الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ (الذي كان يحارب من خلال الجيش الأحمر الصيني) في الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1949 جمهورية الصين الشعبية، وحدد عاصمتها في مدينة بيبينغ التي أعيدت تسميتها بكين.

وتراجع حزب الكومينتانغ (الذي كان يحارب من خلال الجيش الوطني الصيني) إلى جزيرة تايوان في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1949 بعد خسارته آخر مدينة كان يسيطر عليها في البر الصيني ألا وهي سيتشوان، وفي الشهر ذاته أعلن تشانغ كاي شيك رئيس حزب الكومنتانغ؛ تأسيس جمهورية الصين المؤقتة واستمر في التأكيد بأن حكومته هي السلطة الشرعية الوحيدة في الصين.

الموقف الأمريكي من جمهورية الصين الشعبية

بعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية، اعترف الاتحاد السوفيتي بجمهورية الصين الشعبية بقيادة ماو تسي تونغ، فيما أعلن الرئيس الأمريكي هاري ترومان في الخامس من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1950 بأن بلاده لن تشارك في أي نزاع حول مضيق تايوان، وأنه لن يتدخل في حال هاجمت جمهورية الصين الشعبية جزيرة تايوان التي تحكمها الجمهورية الصينية المؤقتة برئاسة تشانغ كاي شيك.

لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، فمع اندلاع الحرب الكورية في شهر حزيران/ يونيو عام 1950 ووقوف جمهورية الصين الشعبية إلى جانب كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية؛ أمر الرئيس الأمريكي هاري ترومان الأسطول الأمريكي السابع بالإبحار إلى مضيق تايوان لمنع جمهورية الصين الشعبية من مهاجمة تايوان.

أزمات مضيق تايوان

أزمة مضيق تايوان الأولى

قامت جمهورية الصين المؤقتة في تايوان وبدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية بحرب عصابات ضد جمهورية الصين الشعبية في جنوب الصين، ورداً على ذلك قام الجيش الصيني الشعبي (بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية أصبح يطلق على الجيش الأحمر الصيني اسم (الجيش الصيني الشعبي)) في الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1954 بقصف مدينة كيموي وهدد بالسيطرة على جزر داخين في تشجيانغ القريبة من جزيرة تايوان.

وفي العشرين من شهر كانون الثاني/يناير عام 1955 اقتحم الجيش الصيني الشعبي جزر ييجيانغشان القريبة، وبعد أربعة أيام من الحادثة أصدر الكونغرس الأمريكي (قرار فورموزا) الذي يأذن للرئيس بالدفاع عن جزر روك البحرية، وانتهت أزمة مضيق تايوان الأولى في شهر آذار/ مارس عام 1955 عندما توقف الجيش الصيني الشعبي عن غزو تايوان، واختتم الأزمة خلال مؤتمر باندونغ في إندونيسيا في عام 1954.

أزمة مضيق تايوان الثانية

حصلت في الثالث والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 1958 عندما حاول الجيش الصيني الشعبي غزو تايوان، وانتهت الأزمة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958 بعد تقديم الولايات المتحدة الأمريكية الدعم لحكومة تايوان نتيجة مصادقة الكونغرس الأمريكي في السابع من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1957 بإرسال قافلة من السفن إلى مضيق تايوان.

أزمة مضيق تايوان الثالثة

حصلت في الفترة ما بين عامي 1995 و1996 وذلك إثر قيام جمهورية الصين الشعبية باختبار سلسلة من الصواريخ في منطقة ليست ببعيدة عن تايوان (هي حالياً جمهورية مستقلة؛ لكن الصين لا تعترف باستقلالها وتعتبرها جزءاً من الصين).

الاعتراف الدولي بجمهورية الصين الشعبية

اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1971 بجمهورية الصين الشعبية، وطردت تايوان التي كانت عضواً مؤسساً في الأمم المتحدة وكانت واحداً من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وسرعان ما تبع ذلك الاعتراف من معظم الحكومات الأخرى بجمهورية الصين الشعبية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية خلال زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون لبكين في الفترة الممتدة بين الحادي والعشرين والثامن والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1972، وألغى اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بتايوان.

في الختام.. شكلت الحرب الأهلية الصينية نموذجاً من الحروب الأهلية الطويلة الأمد والتي غيرت وجه الصين، وعلى الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها هذا الشعب نتيجة تلك الحرب، إلا أنه يسجل للشعب الصيني وعيه ووعي قياداته لاسيما عندما قرر طرفا الحرب (الجيش الأحمر الصيني، الجيش الوطني الصيني) إيقاف الحرب بينهما لمواجهة العدو الياباني الذي غزا بلادهم، ليتفرغوا بعد هزيمة هذا العدو لاستئناف الحرب التي حسمت لصالح الجيش الأحمر الصيني ومن خلفه الحزب الشيوعي الصيني المدعوم من الاتحاد السوفيتي وهزيمة الجيش الوطني الصيني ومن خلفه حزب الكومينتانغ المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه