;

مجزرة صبرا وشاتيلا

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
مجزرة صبرا وشاتيلا

الأقسى في مجزرة صبرا وشاتيلا أنها حصلت بأيدي لبنانيين ظنوا أن عدوهم هو الفلسطيني المقيم في المخيمات، وانطلت عليهم الادعاءات الإسرائيلية حول مسؤولية الفلسطينيين عن قتل رئيس لبنان.. فما قصة هذه المجزرة؟ وكيف حصلت؟ ومن نفذّها؟ وتحت إشراف من؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

الأوضاع في لبنان عشية المجزرة

بدأت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، حيث حاربت منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب الحركة الوطنية اللبنانية التي ضمت كل من (الحزب التقدمي الاشتراكي، حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي)، ضد الجبهة اللبنانية التي ضمت كل من (حزب الكتائب اللبنانية، القوات اللبنانية، حزب الوطنيين الأحرار، تيار المردة)، استغلت إسرائيل هذه الحرب لاجتياح لبنان مرتين؛ الأولى في عام 1978 والثانية في عام 1982.

اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982 يمهد لمجزرة صبرا وشاتيلا

تذرّعت إسرائيل بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي لدى بريطانيا شلومو أرغوف في الثالث من حزيران/ يونيو عام 1982 لاجتياح لبنان مرةً ثانية في السادس من شهر حزيران/ يونيو عام 1982 ومحاصرة العاصمة اللبنانية بيروت، وبعد شهرين من القتال المكثف، تم التفاوض على وقف لإطلاق النار بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية من خلال وساطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب.

وبموجب شروط وقف اطلاق النار، كان على منظمة التحرير الفلسطينية إجلاء بيروت تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات تم نشرها في الجزء الغربي من المدينة. وتوقع اتفاق حبيب أن تكون بيروت الغربية تحت سيطرة الجيش اللبناني، وأن يوفر الاتفاق ضمانات بشأن أمن المدنيين في المخيمات بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية.

في هذه الأثناء انتخب مجلس النواب اللبناني في الثالث والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 1982 زعيم القوات اللبنانية بشير الجميل رئيساً للبنان، وبحلول الأول من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982 تم إجلاء مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت تحت إشراف القوة المتعددة الجنسيات، وكان الإجلاء مشروطاً بمواصلة وجود القوة المتعددة الجنسيات لتوفير الأمن لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وبعد يومين اجتمع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن مع الجميل في نهاريا، وحثه بشدة على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، لكن الرئيس اللبناني بشير الجميل رفض توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، وفي العاشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982 غادرت القوات الدولية التي تكفل سلامة اللاجئين الفلسطينيين بيروت، وفي اليوم التالي أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أرييل شارون أن هناك ألفي مقاتل فلسطيني ما يزالون في المخيمات الفلسطينية ولم يغادروها.

أحداث صبرا وشاتيلا

اغتيل الرئيس اللبناني بشير الجميل في انفجار ضخم هدم مقره وذلك في الرابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982، وفي مساء الرابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982 استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، ووزير الدفاع أرييل شارون حالة الفوضى التي سادت لبنان نتيجة الذهول من حادث الاغتيال وظروفه، وقرروا غزو بيروت الغربية حيث يوجد فيها مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين؛ بحجة وجود مقاتلين فلسطينيين لم يخرجوا من المخيمات استناداً لما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون في الحادي عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982.

وخلال ليلة الرابع عشر الخامس عشر من شهر أيلول/سبتمبر عام 1982 اجتمع وزير الحرب الإسرائيلي أرييل شارون مع القوات والكتائب اللبنانية وقال لهم وفق ما نقله الرئيس السابق للكتائب اللبنانية كريم بقرادوني في برنامج "حوار مفتوح" على قناة الجزيرة القطرية في عام 2010 بمناسبة ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا:

"أنتم تبكون كالنساء على رجل صنعكم، لو كان أحدكم هو من اغتيل ماذا كان سيفعل بشير هل سيبكي أم سيثأر لكم، أنتم أهل الثأر وأنا أقول لكم أن المسؤولية تقع على الفلسطينيين وأنا مستعد لأسهل لكم ثأركم".

ويرى بقرادوني أن "المسؤول عن الفكرة والتخطيط والتحريض لمجزرة صبرا وشاتيلا؛ أرييل شارون بأدوات تنفيذية هي القوات اللبنانية، وهو ما حصل، حيث دخل الجيش الإسرائيلي بيروت الغربية في الساعة السادسة من صباح الخامس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982.

تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا

نجحت إسرائيل في إقناع الكتائب اللبنانية التي ينتمي إليها الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل وجناحها العسكري (القوات اللبنانية) بأن الفلسطينيين هم من قتلوا بشير الجميل، ولم يبقَ سوى الانتقام والثأر الذي شجع عليه وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون وفق ما ذكره كريم بقرادوني، فدخل الجيش الإسرائيلي مدينة بيروت الغربية، وحاصر مخيمي صبرا وشاتيلا، واتخذ الجنود الإسرائيليون من المباني العالية المحيطة بالمخيمين كمراكز للمراقبة.

وبعد ساعات، بدأت دبابات الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي بقصف الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، وفي صباح اليوم التالي؛ أي في السادس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982، صدر أمر من الجيش الإسرائيلي السادس يتعلق بالهجوم على غرب بيروت، وقد نص على ما يلي:

"لا يتم دخول مخيمات اللاجئين، وسيتم تفتيش المخيمات وتطهيرها من قبل الكتائب اللبنانية"، حيث سمح الجيش الإسرائيلي لميليشيات الكتائب بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا بقيادة مسؤول الأمن والمعلومات إيلي حبيقة في السادسة من مساء السادس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982.

حيث قامت الكتائب خلال ثمانٍ وأربعين ساعة بقتل عدد كبير من المدنيين العزل، لا سيما النساء والأطفال والمسنين، وعلى الرغم من أن القوات الإسرائيلية في المنطقة كانت على علم بما يحدث في المخيمات، إلا أنها قدمت الدعم للعملية من خلال منع المدنيين من مغادرة المخيمات، وكذلك ترتيب المخيمات لتكون مضيئة طوال الليل من خلال مشاعل أطلقت من قبل قواتها، واستمرت هذه المجزرة التي شارك فيها أيضاً جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد الموالي للاحتلال الإسرائيلي؛ حتى الثامن عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982.

عدد ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا

تفاوتت الأرقام بشأن عدد الضحايا، حيث أصدر الهلال الأحمر الفلسطيني ألف ومئتي شهادة وفاة، كما أكدت قناة (BBC البريطانية) أن عدد الضحايا ثمانمائة فلسطيني، في حين كتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت:

"أن عدد الضحايا وصل إلى ألف وسبعمئة قتيل".

في وقت أكد فيه الصحفي الإسرائيلي أمنون كابليوك أن عدد الضحايا وصل إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة شخص، ولا يمكن توثيق عدد دقيق للضحايا الفلسطينيين في هذه المجزرة، وذلك لأن مئات الأشخاص دفنتهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مقابر بيروت، كما دفن عدد كبير من الجثث تحت المباني التي هدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إضافةً لنقل مئات الأشخاص على قيد الحياة في شاحنات باتجاه جهات مجهولة، ويفترض أنهم قتلوا.

ردود الفعل على مجزرة صبرا وشاتيلا

  • منظمة الأمم المتحدة

أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في السادس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1982 المجزرة بموجب القرار 37/123، ووصفتها بأنها إبادة جماعية "الإبادة الجماعية تعني الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، كليا أو جزئيا، جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".

  • لجنة ماكبرايد

أقرت اللجنة المستقلة برئاسة ساين ماكبرايد للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا؛ أن مفهوم الإبادة الجماعية ينطبق على مجزرة صبرا وشاتيلا، لأن نية أولئك الذين يقفون وراء المذبحة "التدمير المتعمد للحقوق والهوية الوطنية والثقافية للشعب الفلسطيني"، وخلص تقرير لجنة ماكبرايد الذي حمل عنوان "إسرائيل في لبنان"، إلى أن السلطات أو القوات الإسرائيلية مسؤولة عن المذابح وعمليات القتل الأخرى التي أفادت التقارير أن ميليشيات لبنانية قد نفذتها في صبرا وشاتيلا في منطقة بيروت بين السادس عشر و الثامن عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982.

  • لجنة كاهان الإسرائيلية

شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا إسحاق كاهان في الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1982 وفق ما ورد في كتاب ديفيد هيرست الذي حمل عنوان (حذار من البلدان الصغيرة) (Beware of small states)، وخلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية مسؤولة بشكل غير مباشر عن هذه المجزرة.

كما قالت اللجنة في تقريرها أن وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون يتحمل مسؤولية شخصية "لتجاهل خطر إراقة الدماء والانتقام" و"عدم اتخاذ التدابير المناسبة لمنع سفك الدماء"، فإهمال شارون حماية السكان المدنيين في بيروت والخاضعين للسيطرة الإسرائيلية، هو عدم وفاء.

وأوصت اللجنة بإقالة شارون من منصب وزير الحرب، وفي البداية، رفض شارون الاستقالة ورفض مناحيم بيغن إقالته، ولكن بعد وفاة اميل غرونزويغ بقنبلة يدوية وضعها اسرائيلي يميني في مظاهرة مناهضة لمجزرة صبرا وشاتيلا أدت لإصابة عشرة آخرين؛ تم التوصل الى حل وسط لاستقالة شارون من منصب وزير الحرب، على أن يبقى أرييل شارون وزيراً بدون حقيبة (وزير دولة: بمعنى ليس له صلاحيات ولا وزارة إنما يقوم بالمهام التي يكلفه بها رئيس الوزراء).

  • أقارب الضحايا مقاضاة شارون

وبعد انتخاب شارون في عام 2001 لمنصب رئيس وزراء إسرائيل، رفع أقارب ضحايا المجزرة دعوى قضائية، وفي الرابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر عام 2003، رفضت المحكمة العليا البلجيكية قضية جرائم الحرب ضد أرييل شارون، حيث لم يكن أي من المدعين بلجيكي الجنسية.

  • اغتيال إيلي حبيقة

اغتيل المسؤول المباشر عن هذه المجزرة إيلي حبيقة بتفجير سيارة مفخخة في بيروت في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2002، يأتي ذلك بعد ساعات على إعلان إيلي حبيقة بأنه سيكون مستعداً للإدلاء بشهادته أمام المحكمة البلجيكية حول دور شارون في المجزرة، حيث قال إيلي حبيقة قبل اغتياله:

"أنا مهتم جداً بأن تبدأ المحاكمة [البلجيكية] لأن براءتي قضية جوهرية".

ووفقا لما ذكره آلان مينارغز في 15 أيلول / سبتمبر، فقد دخلت مجموعة من العمليات الخاصة الإسرائيلية من سايرت ماتكال المخيم لتصفية عدد من الكوادر الفلسطينية وغادرت في اليوم نفسه. وتبعه في اليوم التالي "قتلة" من جيش لبنان الجنوبي في جنوب حداد، قبل دخول وحدات القوات اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة إلى المخيمات.

في الختام.. ربما لم يكن يدري النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيون الذين بقوا في المخيمات الفلسطينية في بيروت؛ أن تكون نهايتهم بهذه الطريقة البشعة على يد لبنانيين متألمين من موت زعيمهم، والذين أقنعتهم إسرائيل الموجودة أصلاً في بيروت بأن المسؤول المباشر عن اغتيال هذا الزعيم هو الفلسطينيون، فتأججت نار الانتقام لدى هؤلاء ليكون الفلسطينيون ضحية في واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في القرن العشرين.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه