;

أطفال بذاكرة الأجداد… هل حقًّا يتذكّرون حيوات لم يعيشوها؟

  • تاريخ النشر: منذ 5 أيام زمن القراءة: 4 دقائق قراءة آخر تحديث: منذ يوم
أطفال بذاكرة الأجداد… هل حقًّا يتذكّرون حيوات لم يعيشوها؟

يُثير حديث الأطفال عن تفاصيل لا تمتّ لعالمهم بصلة حيرة العائلات والباحثين على السواء؛ إذ يروي بعضهم حوادث من زمن آخر، ويصفون وجوهاً لم يلتقوا بها، وينطقون أسماء مدن لم يسمعوها من قبل. وتتراوح التفسيرات بين البعد الروحي الذي يرى في ذلك دليلاً على “تناسخ الأرواح”، وبين النظريات العلمية التي تُخضِع الظاهرة للتجريب والتحليل النفسي. وفي هذا التحقيق نقترب من تلك الحالات الغامضة، ونستعرض ما توصّل إليه الباحثون الذين كرّسوا سنوات طويلة لدراسة ما يسمّى بـ “ذكريات الحياة الماضية”.

حكايات تُربِك المنطق

١. الطفل الذي عرف قريته قبل أن يراها

تحكي أسرة هندية أنّ ابنها ذا الثلاثة أعوام ظلّ يردّد اسم قرية نائية لم تسمع بها العائلة قط. وعندما اصطحبوه إليها ـ بدافع الفضول ـ بدا الطفل قادراً على وصف منازلها بدقّة، وتعرّف على رجلٍ ادّعى أنّه “أحد جيرانه في حياته السابقة”. ورغم أنّ القرية لم يسبق أن سمع عنها من ذي قبل، بدا كما لو أنّ ذاكرة خفيّة تقوده بين طرقاتها.

٢. الطفلة التي تكلّمت لغة لا تعرفها

في إحدى الدول الأوروبية، أخذت طفلة صغيرة تردّد كلمات من لهجة محليّة قديمة انقرضت منذ عقود. ولم يكن أحدٌ في محيطها يجيد تلك اللغة، كما لم تُشاهَد في أيّ محتوى إعلامي أمامها. وقد أثارت حالتها جدالاً واسعًا بين من رأى فيها موهبة لغوية فذّة، ومن اعتبرها صدى لذاكرة بعيدة لا تفسير لها.

٣. الصبي الذي وصف لحظة موته

روى طفل في الخامسة تفاصيل دقيقة لحادث غرقٍ وقع قبل ثلاثين عامًا لرجلٍ لا تربطه بعائلته صلة. وذكر أماكن وأسماء لم يسمعها من أحد. وعندما قارن الباحثون روايته بالسجلات القديمة، وجدوا تطابقًا لافتًا في بعض النقاط، وإن ظلّ التفسير العلمي لهذه الحالة محلّ نقاش طويل.

الدراسات العلميّة… بين القبول والتحفّظ

يُعَدّ الدكتور إيان ستيفنسون (Ian Stevenson) من أبرز الباحثين الذين اهتمّوا بدراسة هذه الظاهرة. وقد وثّق أكثر من ٣٠٠٠ حالة لأطفال زعموا تذكّر تفاصيل من “حيوات سابقة”. واعتمد في عمله على مقابلات دقيقة، وفحص للبيئة المحيطة، ومقارنة بين روايات الأطفال والسجلات التاريخية.

نتائج أبحاثه:

  • وجود تشابهات لافتة بين وصف الأطفال وبين وقائع حقيقية حدثت قبل ولادتهم.
  • رصد حالات تظهر فيها علامات جسدية لدى الأطفال تتطابق مع إصابات مذكورة في تفاصيل “الحياة السابقة المفترضة”.
  • عدم القدرة على إثبات العلاقة السببية المباشرة بين الذكريات والوقائع.
  • ورغم أنّ دراساته حظيت باهتمام عالمي، إلا أنّها واجهت انتقادات تتعلّق بمنهجية التوثيق، وإمكانية حدوث تلقين غير مقصود من الأسر، أو الاعتماد على الذاكرة الانتقائية التي قد تبالغ في تضخيم التفاصيل.

التفسيرات البديلة التي يطرحها العلم

١. الخيال النشط لدى الأطفال

يمتلك بعض الأطفال خيالًا خصبًا يسمح لهم بصنع عوالم كاملة من الصور والأحداث، خصوصًا في سنوات ما قبل المدرسة حين تتداخل الأحلام بالواقع.

٢. التلقين العائلي غير المقصود

قد يسمع الطفل كلمات أو قصصًا في بيئته دون أن ينتبه أحد، ثم يعيد تركيبها في صورة “ذاكرة” تبدو غامضة للوالدين.

٣. الذاكرة الزائفة

تُظهِر الأبحاث في علم النفس أنّ الذاكرة البشرية قابلة لإنتاج أحداث غير واقعية، خصوصًا لدى من يمتلكون حساسية إدراكية عالية.

٤. العبقرية المبكرة

في حالات نادرة، يُظهِر الأطفال نبوغًا لغويًا أو إدراكيًا يجعلهم قادرين على اكتساب معلومات غير مألوفة بسرعة لافتة.

بين الروح والعلم… أين تقف الحقيقة؟

لا تزال ظاهرة “الأطفال الذين يتذكّرون حيوات سابقة” تتأرجح بين الإيمان الشعبي والبحث العلمي. وربّما تكمن أهميتها في قدرتها على دفع العلماء إلى إعادة النظر في آليات الذاكرة، وفي طريقة تشكّل هوية الطفل ووعيه. ورغم عدم وجود دليل علمي قاطع يدعم فرضيّة التناسخ، فإنّ القصص المتتالية التي تأتي من ثقافات مختلفة تجعل الظاهرة مفتوحة على مزيد من الأسئلة.

مهما يكن أصل هذه الظاهرة، تبقى قصص “أطفال بذاكرة الأجداد” شهادة على دهشة الإنسان المستمرة أمام أسرار عقله. ولعلّ قيمة هذه الحكايات لا تكمن في إثباتها أو نفيها، بل في قدرتها على توسيع حدود الأسئلة التي نطرحها عن الذاكرة، والوعي، وما إذا كان الماضي يكتب نفسه فينا بطرق لا ندركها.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه