;

قصة النبي موسى عليه السلام، كليمُ الله

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
قصة النبي موسى عليه السلام، كليمُ الله

في آونةٍ كان يُذبح فيها كل الأولاد الذكور من بني إسرائيل، وفي آونةٍ كان لا ينجو فيها من يعتدي على أحد من أتباع فرعون، نجا النبي موسى إذ كان طفلاً، عندما انتُشل من اليم وعاد إلى أمه سالماً، ثم نجا شاباً، بعد ما قتل قبطياً من رجال فرعون، وطورد ولوحق ليوضع تحت القصاص، ذلك قبل أن يعلمه الله عز وجل عند جبل طور بأنه اصطفاه، ليهدي فرعون وقومه، وينقذهم من الضلالة.

كانت دعوة النبي موسى محفوفة بالمصاعب، لما كان عليه فرعون مصر من طغيان وجبروت، إذ كان يرى نفسه بمقام الإله، فكيف سيتقبل فكرة إله آخر، إلا أن وعد الله تحقق في كل مراحل الدعوة، حتى كانت نجاة موسى مع قومه أخيراً، وهلاك فرعون وقومه، وهي عاقبةٌ ذاقت مرارتها كل الأقوام التي بغت وظلمت من قبل، وإن اختلفت طريقة الهلاك.

نشأة النبي موسى والخوف من قتله

ولد موسى في مصر، ولا يوجد إجماع حول العام الحقيقي الذي ولد فيه النبي موسى، و يقول الربانييون اليهود (هم فرقة من اليهود يؤمنون بالتلمود والمشناه وهي مجموعة تفاسير وشروح للعهد القديم) إن فترة دعوة النبي موسى امتدت من 1391 قبل الميلاد إلى عام 1279 قبل الميلاد، وبهذه الفترة يمكن حصر ولادة النبي موسى، بيد أن هناك اتفاق أن النبي موسى عاش 120 عاماً، ومات عام 1200 قبل الميلاد، ما يعني أن مولده كان عام 1320 قبل الميلاد.

والد النبي موسى هو عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أما والدته فهي جوكيبد (Jochebed)، وموسى اسم علم أعجمي وأصل الاسم هو موشيه، أو موشا وهو مكون من مقطعين /مو/ وتعني الماء في اللغة المصرية القديمة، و/شا/ وتعني الشجرة، وسمي بذلك نسبة إلى المكان الذي ألقته أمه فيه، وأيضاً هناك اختلاف حول الأسرة الفرعونية التي كانت تحكم مصر في فترة ولادة ودعوة النبي موسى، لكن الرأي الأرجح هو انه عايش فرعونين الأول رمسيس الثاني وهو الثالث من الأسرة التاسعة عشر وحكم بين 1279 إلى 1213 قبل الميلاد والفرعون الثاني هو مرنبتاح ابن رمسيس الثاني الذي حكم بين 1213 إلى 1203 قبل الميلاد.

كان بنو اسرائيل يقعون تحت ظلم فراعنة مصر (رمسيس الثاني ني على وجه الخصوص) إذ كان ينكل بهم ويضطهدهم، وأصدر قراراً بقتل الأبناء الذكور منهم، حيث كان ينتشر أتباع فرعون ويبحثون على الأولاد لقتلهم، خوفاً من ذلك وضعت أم موسى طفلها الوليد في تابوتٍ وألقت به في مياه النيل، ويصور الله تعالى هذا المشهد في القرآن الكريم بقوله في سورة القصص الآية رقم 7:

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، وبذلك أنقذت الأم حياة ابنها من أتباع فرعون وتركت مصيره للمياه.

انتشال موسى من قبل أتباع فرعون

وُجد التابوت الذي وضع فيه النبي موسى من قبل أتباع فرعون، فكان أن وقعت عليه عين زوجة الفرعون، فرق قلبها عليه وأحبته، وخشيت أن يقتله زوجها مثل ما فعل مع غيره من الذكور، فطلبت من زوجها ألا يفعل ذلك، مقنعة إياه بأنه قد يكون هناك خيراً منه لهم، وألحت على زوجها، ويصور الله تعالى ذلك بقوله في سورة القصص الآية رقم 9:

(وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)

وكان الأمر قاسياً على أم موسى التي لم يهدأ قلبها خوفاً على مصير ابنها، فأرسلت أخته كي تقتفي أثر التابوت الذي يحمل موسى، ولعبت الأخت دوراً كبيراً، عندما كانت هامان تبحث عن مرضعة لموسى، حيث لم يبدِ موسى قبولاً بأن يرضع من أي من مرضعات القصر، وبقي يصرخ من شدة الجوع، وكانت أخته قد شهدت الموقف، فتدخلت لتساعدهم، وقالت لهم بأنها يمكن أن تدلهم على من يستطيع أن يرضع موسى ويرعى شؤونه، ويصور الله تعالى هذا المشهد في الآية 12من سورة القصص إذ قال:

(وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)، وبذلك عاد النبي موسى لأمه لترعاه وترضعه على نفقة الفرعون، وتصف الآية 13 من سورة القصص ذلك (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لَٰكنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).

موسى مسخرٌ لما أراد الله

كان لنجاة موسى غايةً، بأن يهدي آل فرعون ويردهم عن ضلالهم، وبعد أن نجا موسى شب وكبر، أتاه الله الحكمة والقوة، وهداه ليؤدي رسالته، ويصف القرآن الكريم ذلك في سورة القصص الآية 14:

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

النبي موسى يثير غضب الفرعون

كان قيام النبي موسى بقتل أحد رجال الفرعون مدعاةً لإثارة غضب الفرعون والرغبة في الاقتصاص من النبي موسى عليه السلام، فبعد الرعاية في كنف الفرعون؛ النبي موسى يقتل أحد رجاله، فتغير الحب إلى العداء والرغبة في قتل النبي موسى ومطاردته، أما سبب القتل الذي أقدم عليه النبي موسى، فهو أنه عندما كان في إحدى مدن مصر وجد رجلين مختلفين أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط من أتباع فرعون، فأراد أن يفصل بينهما، فدفع القبطي على صدره وقتله دون أن يقصد أو ينوي ذلك.

وندم النبي موسى على فعلته ويصور الله تعالى هذا المشهد في الآية 15 من سورة القصص:

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)

وبدأ يتضرع لله عز وجل كي يغفر له فعلته:

(قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (سورة القصص الآية 16)

وبعدها بدأ الخوف يلاحق النبي موسى؛ ذعراً من القصاص الذي سيأتي بحقه من قبل الفرعون. انكشف أمر النبي موسى، وغضب الفرعون من ذلك فأمر بقتل النبي موسى قصاصاً، وعندما بلغ الأمر النبي موسى خرج من مصر لا يملك شيئاً من متاع الدنيا، فوصل إلى مدينة مدين التي تبعد مسير ثمانية أيام عن مصر ولم تكن تحت سلطان الفرعون، ذلك كان التحول الحقيقي في علاقة النبي موسى مع فرعون وهي العلاقة التي أصبحت تقوم على التربص والخوف والتهديد بالقتل، واستمر الأمر طيلة وجوده في مدين وهي المدة التي بلغت عشر سنوات.

حياة النبي موسى في مدين وعودته إلى مصر

لم يذكر في القرآن الكريم تفاصيل حياة النبي موسى في مدين، ولكن ذكر أهم ما جرى معه هناك، وهو كيف استضافه أحد رجال مدين في بيته، إذ كان النبي موسى عند أحد آبار مدين، فرأى فتاتين تنتظران ولا تجرآن على سقاية أغنامهما خوفاً من الرعاة هناك، فاقترب النبي موسى وسألهما عن حاجتهم، ثم ساق الأغنام وسقاها لهما، ولما علم والد الفتاتين، طلب من الفتاتين إخبار الرجل الذي ساعدهم بالقدوم إلى منزله ليكرمه.

وعندما ذهب النبي موسى إلى الرجل لقي لديه الأمان والإكرام، فقص عليه حكايته وما حصل معه في مصر، فطلب الرجل من النبي موسى أن يعمل لديه لمدة تبلغ ثمانية أعوام، فوافق النبي موسى على ذلك، ويذكر القرآن تفاصيل هذه الحادثة في سورة القصص الآيات (23، 24، 25، 26):

(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).

أوفى النبي موسى بوعده للرجل الذي استضافه، وبعد انتهاء الأعوام الثماني، عاد النبي موسى إلى مصر مع أهله، ويصور القرآن الكريم عودة النبي موسى في سورة القصص الآية 29:

(فلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا).

خاطب الله عز وجل موسى عند جبل طور

عندما كان موسى مع أهله في طريقه إلى مصر، حيث كانوا يعبرون صحراء سيناء في الليل، لمح النبي موسى وميض نارٍ في جبل طور (أحد الجبال في سيناء)، فاتجه إليه، ومن الجانب الأيمن لجبل طور ناداه الله عز وجل، ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في سورة مريم الآية 52:

(وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)

كان ذلك في الجانب الأيمن لوادي طوى الموجود في الجانب الأيمن لجبل طور وتدعى تلك المنطقة بالبقعة المباركة، حيث قال الله تعالى لموسى أنه هو من يناديه، وأمره بأن يخلع نعليه خشوعاً واحتراماً لتلك البقعة المقدسة وأخبره أنه اصطفاه ليكون نبياً، طالباً منه الإنصات، ويصور القرآن الكريم ذلك في سورة طه الآيتين 11 و 12:

(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

وبين الله تعالى للنبي موسى أسس الدين الذي يدعوه إليه، المتمثلة بالوحدانية والإخلاص في العبادة، ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه الآية 14:

(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)

كذلك الإيمان بالساعة والبعث بعد الموت وذلك في الآية 15 من سورة طه:

(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعى)

وكان النبي موسى في تلك اللحظة يحمل عصاه التي يستعين بها على حوائجه كأن يتكئ عليها أو يستخدمها لإسقاط أوراق الشجر لإطعام غنمه، فأمره الله تعالى بأن يلقي تلك العصا وعندما ألقاها النبي موسى تحولت إلى ثعبانٍ ضخمٍ فارتاع النبي موسى وهرب خائفاً، حتى طمأنه الله تعالى مثبتاً قلبه، ويصور الله تعالى ذلك في سورة طه الآية 20 و 21:

(فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى)

فهدأ النبي موسى وثبت قلبه واطمأن بعد ذلك، ثم بدأ الله تعالى يسوق له البراهين، التي تثبت نبوءتهُ، فأمره بأن يدخل يده في جناحه أي تحت إبطه، وبعد أن أدخلها استحالت بيضاء بعد أن كانت سمراء، وسطع منها البياض كالنور، ويشير الله تعالى إلى هذا في سورة طه الآية 22 و 23:

(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، (23) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)

بذلك قدم الله تعالى لنبيه موسى معجزتين يقوي قلبه بهما ويثبت نبوءته، ليؤدي الرسالة الموكلة إليه، حيث أنه سيرسله ليهدي فرعون الذي تجبر وطغى وعاث فساداً وظلماً في مصر، ويصور الله تعالى ذلك في سورة طه الآية 24:

(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى).

مخاوف النبي موسى من طغيان فرعون وقصاصه

علم موسى عمق المسؤولية التي سيحملها، كما أنه على دراية بطغيان الفرعون، فقد عاش في كنفه عندما كان طفلاً ويعلم بطشه، وتظهر هواجس النبي موسى ومخاوفه على شكل دعاء يتضرع به الى الله عز وجل بأن يشرح له صدره، ويفتح له الدرب ويجعل له من يسانده في رسالته من أهله، ولاسيما أخوه هارون الذي كان يتمتع بالهدوء والحكمة، ويظهر ذلك في القرآن الكريم بسورة طه الآيات:

(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27)، يَفْقَهُوا قَوْلي (28)، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أهلي (29)، هَارُونَ أَخِي (30) أشدّدُ به أزري (31)، وأشركه في أمري (32)

وظهر خوفه من عدة أمور أولها الخوف من أن يكذبوا، ويصور القرآن ذلك في الآية 12 من سورة الشعراء:

(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)

ثم خاف من الطغيان الذي قد يقع عليه وعلى أخيه هارون، ويصور القرآن ذلك في سورة طه الآية 45:

(قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ)

الخوف الثالث كان أن يُقتل النبي موسى قصاصاً للجريمة التي ارتكبها بحق القبطي قبل أن يخرج من مصر، ويظهر تصوير ذلك في سورة الشعراء الآية رقم 14:

(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ)

ثم يذكره الله عز وجل بفضله عليه، ليثبت قلبه ويشجعه على القيام برسالته بإيمان وتصديق، ويصور الله تعالى ذلك في سورة طه الآيات:

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42).

النبي موسى يفصح برسالته أمام الفرعون

انطلق النبي موسى عليه السلام إلى مصر ممتثلاً لأمر الله عز وجل، وكان يدرك صعوبة المهمة الملقاة على عاتقه، وعندما أصبح بين يدي الفرعون، قال له إنه مرسل من رب العالمين لإخراج الناس من الظلام إلى النور، وتحرير بني اسرائيل مما هم فيه من عذاب واستعباد، ويصور الله تعالى ذلك في سورة الأعراف بالآيتين 104 و 105:

(وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)، (حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)

وذكره الفرعون بتربيته له وهو طفلٌ، ومن ثم كيف قتل الرجل القبطي، وأن عقوبته يجب أن تكون القتل، إلا أن النبي موسى لم ينكر كل ذلك، وإنما رد مدافعاً عن قومه بأن كل ذلك لا يبرر الظلم الذي يمارسه فرعون على بني إسرائيل، وبين لفرعون بأن الفضل الأكبر هو من الله عز وجل الذي هداه وأعطاه الحكمة والعلم، وورد تصوير ذلك في سورة الشعراء الآية 21:

(فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)

ثم ينتقل فرعون ليجادل النبي موسى في حقيقة الله ليسأله مستهزئاً عن الرب الذي أرسله ليؤدي الرسالة، فيرد موسى بأنه هو الذي خلق كل شيءٍ وهداه، وهو رب السموات والأرض، ويَرد ذلك في سورة الشعراء الآيتين 23 و 24:

(قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)، ( قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)

وعندما اشتد الجدال بينهما مع قوة حجج النبي موسى وموقفه، اتهمه الفرعون بالجنون، وعندما وجد أن النبي موسى لم يتراجع عن موقفه وإنما ازداد عزيمةً وإصراراً، لجأ إلى تهديده وتخويفه، حتى يتراجع عما أتى لأجله، وورد ذلك في سورة الشعراء الآية 29:

(قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).

الفرعون يتهم موسى بالسحر والشعوذة

لشدة التعنت لدى الفرعون وعدم اقتناعه برسالة النبي موسى طلب منه موسى بأن يمنحه الفرصة، كي يقدم له البرهان على ما زوده الله به من قدراتٍ ومعجزاتٍ، مستنداً بذلك لما وعده به الله تعالى عند جبل طور، وما زوده به من معجزات وهي إلقاء العصا فتصبح ثعباناً كبيراً، وأن يدخل يده تحت إبطه فترجع بيضاء، وفعل ذلك النبي موسى، حيث ألقى عصاه في محفل فرعون وأمام الناس أجمعين وإذا بها أفعى كبيرة ترعب الحاضرين، ومن ثم أدخل يده تحت إبطه، ثم أخرجها فإذا بها بيضاء كما وعد الله عز وجل.

أثار ذلك الأمر حنق الفرعون، فقال له من حوله بأن يحضر السحرة، ليدحض حجج النبي موسى، حيث كانت عرفت مصر بقوة السحر فيها، واتهم فرعون النبي موسى بأن ما فعله ليس إلا ضرباً من ضروب السحر، وورد ذلك في سورة الشعراء الآية 34:

(قَالَ لِلْمَلَأ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ).

يوم الزينة يوم الفصل

تواعد النبي موسى والفرعون، بأن يكون هناك لقاء ليظهر فيه كلٌ حقيقة ما يقول، واختار النبي موسى يوم الزينة (وهو بمثابة عيد عند أهل مصر، والغاية من ذلك أن يكون هناك أكثر عدد من الناس)، وعمد الفرعون إلى جمع كبار سحرته، ووعدهم بالمال والمكافأة إن هم تغلبوا على النبي موسى، وعندما التقى النبي موسى بالسحرة، بدأ الجدال بمن يبدأ أولاً وأظهر السحرة بأنهم الغالبون لا محالة، وعندما ألقوا عصييهم وحبالهم، بدت للناظرين كأنها أفاعٍ تسعى، وكانوا قد عمدوا إلى ملء تلك الحبال بالزئبق حتى تظهر حراكاً عند رميها.

وعندما أتى دور النبي موسى، ألقى بعصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبانٍ عملاق يبتلع كل أفاعي السحرة ويدب الرعب في قلوبهم، وكون السحرة على دراية بعلم السحر، فأدركوا بأن ما قام به النبي موسى ليس سحراً وإنما هو إعجازٌ يفوق الطبيعة البشرية ويتعداها، وسجدوا لرب العالمين الذي يدعو إليه موسى، وورد ذلك في القرآن في سورة طه الآية 70:

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ)

فتهدد فرعون سحرته بالعقاب العظيم، لأنهم خيبوا أهدافه ودحضوا كل حججه، إلا أن السحرة بعد ما شاهدوه من النبي موسى، لم يزدادوا إلا إيماناً وتمسكاً بموقفهم، فصب فرعون غضبه على قوم موسى و أتباعه بالتنكيل بهم وعدم رحمتهم، واتخذ القرار بقتل النبي موسى.

إنزال العذاب بآل فرعون

كما هي عاقبة الأولين الذين ظلموا وبغوا، وكفروا بالله تعالى، ونكلوا بالمؤمنين، كانت عاقبة آل فرعون في الدنيا، بالقحط الذي أصاب مصر، بالإضافة إلى الجراد الذي عاث بمواسمها، والقمل الذي عاث بأهلها، تودد فرعون لموسى حتى يتضرع لربه كي يخفف عنهم العقاب، وعندما عاد فرعون إلى حاله علا واستكبر ونكل ببني إسرائيل ولم يتعظ، أو يهتدي إلى الإيمان بالخالق.

غرق فرعون ونجاة موسى وقومه

بعد كل تلك المحاولات التي قام بها النبي موسى ورغم كل العبر، إلا أن فرعون مصر لم يتعظ ولم يفتح قلبه للإيمان، واستمر باستعباد بني إسرائيل، ورفض دين موسى، فكان أن أمر الله تعالى موسى، بأن يخرج بقومه من مصر، حتى يكون هلاك فرعونها.

وفي يوم الخروج، غضب فرعون من ذلك وبعد ساعاتٍ من معرفته بذلك، أمر بتجهيز جيش لملاحقة بني إسرائيل والقضاء عليهم، وتمكن الجيش من اللحاق بموسى وقومه، وعندما أدرك موسى وقومه البحر أصبح فرعون وجيشه خلفهم والبحر أمامهم، وبدت كأنها نهاية موسى وقومه، فأمر الله تعالى نبيه بأن يضرب البحر بعصاه، ففعل وانفتح شقين، عبر من خلاله موسى وقومه آمنين، وعندما اتبع فرعون وجنده طريق موسى، انطوى عليهم البحر وابتلعهم، وكانت النهاية لفرعون وقومه، وورد ذلك في القرآن الكريم بسورة طه في الآيتين 78 و 79:

(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ (79).

اختلافات حول حقيقة وجود النبي موسى وغرق الفرعون

يقول العالم الأمريكي ويليام ديفر (William G. Dever) إن شخصية النبي موسى شخصية أسطورية ولا يمكن قبولها على أنها حقيقة تاريخية، بينما عرض مقال نشر في نيويورك تايمز عام 1991 من قبل مالكوم براون (Malcolm W. Browne)، (مراسل علمي لصحيفة نيويورك تايمز)، أفكاراً عن كتاب مومياوات الفراعنة وهو مجموعة تحقيقات أجراها عالم الآثار الفرنسي موريس بوكايل (Maurice Bucaille)، وأراد أن يثبت من خلالها أي الفراعنة عاصر خروج النبي موسى وقومه وهل مات غرقاً.

وبحسب المقال أظهرت تحليلات موريس أن الفرعون مرنتباح هو من عاصر خروج النبي موسى وأكد موته غرقاً ووجود صدمات على جمجمته، لكن لم يوضح كيف أحدثت المياه صدماتها على جمجمة الفرعون، وبذلك لم ينفِ غرق الفرعون أو جود النبي موسى. بل أكد ما جاء بالتوراة.

جبل نيبو موطئ موسى الأخير

توفي النبي موسى عام 1200 قبل الميلاد، وكما ذكرنا سابقاً إن النبي موسى عاش 1200 عاماً، وكان موطئ النبي موسى الأخير في أرض موآب (تقع شرق البحر الميت) وبالتحديد جبل نيبو، وأكمل يوشع بن نون نشر تعاليم النبي موسى وإرشاد بني إسرائيل من بعد موسى.

أخيراً.. كانت دعوة النبي موسى التي أوكلها الله إليه محفوفةً بالمصاعب والمخاطر، حيث عُرف عن فرعون جبروته وطغيانه، وعلى الرغم مما حصل بفرعون وقومه لم يتعظوا، ويهتدوا، بل نكث الفرعون وعوده لموسى، حتى كانت نهايته كما نهاية الأقوام السابقة التي طغت ولم تستجب لدعوة الله عز وجل، فغرق في البحر مع أتباعه ونجا النبي موسى مع أهله، فتحققت آيات الله ووعوده لنبي الله موسى وقومه، الذين أنقذهم الله من طغيان وظلم فرعون، وذلك بما بَعث من نور الرسالة على يد نبيه موسى.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه