;

كيف يخلق العقل قصصاً وهمية لملء الفراغات المعرفية؟

  • تاريخ النشر: منذ يومين زمن القراءة: دقيقتين قراءة آخر تحديث: منذ ساعة
كيف يخلق العقل قصصاً وهمية لملء الفراغات المعرفية؟

يُعدّ العقل البشريّ آلة معقّدة لا تكتفي بتخزين المعلومات، بل تعمل باستمرار على إنتاج معنى وتنظيم الواقع. وعندما يواجه فجوات في المعرفة أو نقصًا في التفاصيل، لا يترك الفراغ بلا معالجة؛ بل يخلق قصصًا وهمية لملء هذه الفجوات، فتظهر الذكريات أو التفسيرات بطريقة تبدو متماسكة، رغم أنّها ليست دقيقة بالكامل. هذا السلوك ليس مجرد خيال عشوائي، بل آلية دفاعية وإبداعية تحافظ على استقرار فهمنا للعالم.

إعادة البناء المستمر للذكريات

تعمل الذاكرة على مبدأ إعادة البناء وليس الحفظ الحرفي. عند استرجاع حدث، يقوم الدماغ بدمج ما حدث فعليًّا مع توقعاتنا ومعرفتنا السابقة والعاطفة المرتبطة به. إذا افتقرت إحدى التفاصيل، يحشو العقل الفراغ بما يبدو منطقيًا، فتظهر نسخة من الذكرى أقرب إلى رواية منطقية منه إلى تسجيل حقيقي.

تأثير الانطباعات السابقة والتوقعات

يميل العقل إلى ملء الفراغات وفق ما يتوقعه أو يعتقده الفرد. على سبيل المثال، إذا رأى شخص جزءًا من حدث ولم يستطع ملاحظة التفاصيل كلها، يميل الدماغ إلى افتراض بقية المشهد وفقًا لخبراته السابقة أو توقعاته، ليقدّم صورة مكتملة تبدو حقيقية.

دور العاطفة في صنع القصص

تلعب العاطفة دورًا محوريًا في تشكيل القصص الوهمية. الأحداث المثيرة أو المؤثرة شعوريًا تجعل الدماغ أكثر ميلاً لإضافة تفاصيل غير حقيقية لتعزيز الإحساس بالاكتمال والتماسك النفسي. وهذا يفسر لماذا غالبًا ما تكون الذكريات العاطفية مليئة بتفاصيل دقيقة، بعضها غير واقعي.

الخيال كآلية تكيف

يُعدّ إنتاج القصص الوهمية شكلًا من أشكال التكيف العقلي. فهو يسمح للإنسان بفهم العالم بشكل أسرع، واتخاذ قرارات قائمة على فرضيات متماسكة بدل الفراغات الغامضة. وبهذا يتحول الخيال من مجرد لعب ذهني إلى أداة عقلية عملية تساعد على الاستمرارية والفهم.

أمثلة يومية على هذه الظاهرة

  • استرجاع محادثة ناقصة في الذهن، وتخيّل ما قاله الطرف الآخر لتكملة الحوار.
  • تفسير أصوات غامضة في المنزل، وإنتاج سيناريوهات محتملة قبل التأكد من الحقيقة.
  • ملء تفاصيل صورة غامضة أو مشهد طارئ في الذكريات، لتصبح مكتملة ومفهومة.

خلق العقل للقصص الوهمية ليس خداعًا، بل آلية طبيعية لحفظ الاتساق المعرفي والعاطفي. وبين دمج الذكريات وإضافة التفاصيل المفقودة، يظهر العقل كراوي ماهر يحوّل الفجوات المعرفية إلى سرد متماسك، يتيح لنا التعامل مع العالم بثقة، حتى لو كانت بعض التفاصيل مجرد وهم ذكيّ.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه