قصة الرجل الوحيد المدفون على سطح القمر.. كيف وصل إلى هناك؟

من المعروف عن القمر إنه مكان معتم وخال تمامًا من أي مظاهر للحياة أو أي حضارة. ولكن هناك إنسان واحد يرقد هناك في سلام أبدي، يدعى الدكتور يوجين شوميكر، المعروف بأنه رائد علم الكواكب ومؤسس علم الجيولوجيا الفلكية.

أصبح شوميكر الشخص الأول والوحيد الذي دفن على سطح القمر عندما وصل رماده إلى هناك على متن المركبة الفضائية Lunar Prospector وذلك يوم 31 يوليو عام 1999.

وفي السطور التالية، نستعرض معكم قصة يوجين شوميكر، وأهم إنجازاته. إلى جانب السبب الذي أدى لدفن رفاته على سطح القمر.

من هو يوجين شوميكر؟

ولد شوميكر في 28 أبريل عام 1928، وتوفي عام 1997. وكان عالم فلك وعالم كواكب أمريكي اشتهر بكونه رائدًا في مجال دراسة فوهات القمر والكويكبات. كما كان أول عالم فلك يدرس فوهات القمر من خلال الصور الجوية، وساعد في تأسيس برنامج استكشاف القمر التابع لناسا.

كذلك، لعب شوميكر دورًا رئيسيًا في اكتشاف العديد من الكويكبات، بما في ذلك الكويكب الذي تسبب في انقراض الديناصورات.

إنجازات يوجين شوميكر

يوجين شوميكر له تأثير كبير على علم الجيولوجيا الفلكية، وساعد في تحويل هذا المجال من مجرد دراسة نظرية إلى علم تجريبي قائم على الأدلة. هذا بالإضافة إلى عدد من الإنجازات الأخرى من بينها:

دراسة فوهات القمر

كان شوميكر أول من اقترح أن فوهات القمر تشكلت نتيجة اصطدامات الكويكبات والمذنبات. ساعدت هذه النظرية في تغيير فهمنا لتاريخ القمر وتكوينه.

برنامج استكشاف القمر

ساعد في تأسيس برنامج استكشاف القمر التابع لناسا، والذي أدى إلى هبوط رواد الفضاء على القمر لأول مرة في عام 1969.

اكتشاف الكويكبات

اكتشف العديد من الكويكبات، بما في ذلك الكويكب "سيريس" الذي يعتقد أنه تسبب في انقراض الديناصورات.

اكتشاف فوهة بارينجر

ساعد شوميكر في إثبات أن فوهة بارينجر في أريزونا ناتجة عن اصطدام نيزكي، مما كان ثورة في فهم أصل الفوهات على الأرض والكواكب الأخرى.

برنامج أبحاث الجيولوجيا الفلكية

أسس شوميكر برنامج أبحاث الجيولوجيا الفلكية في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، والذي ساعد في تدريب العديد من علماء الجيولوجيا الفلكية.

بعثات أبولو

عمل شوميكر مستشارًا لوكالة ناسا خلال برنامج أبولو، وساعد في اختيار مواقع هبوط رواد الفضاء على القمر.

اكتشاف المذنبات

اكتشف شوميكر، مع زوجته كارولين شوميكر ودايفيد لافي، المذنب شوميكر - ليفي 9، الذي اصطدم بكوكب المشتري عام 1994.

التعليم

كان شوميكر أستاذًا في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، حيث ألهم العديد من الطلاب لمتابعة علم الفلك وعلم الكواكب.

جوائز وتكريمات

يؤكد الباحثون على أن شوميكر كان صاحب رؤية ورائدًا ساهم في تطوير فهمنا للقمر وتاريخه. لقد ألهم أجيالاً من العلماء والمتحمسين الذين يشاركونه حلمه في الوصول إلى النجوم.

وحصل شوميكر على ميدالية ناسا للتميز العلمي عام 1969. كما حصل على ميدالية آرثر داي عام 1982. وقلادة العلوم الوطنية الأمريكية التي يمنحها رئيس الولايات المتحدة للعلماء الذين ساهموا في إثراء الحياة العلمية بجميع المجالات.

وفاة يوجين شوميكر

توفي يوجين شوميكر في حادث سيارة في 18 يوليو 1997، وكان عمره 69 عاما، حيث كان في طريقه لاستكشاف حفرة نيزك في أستراليا.

نجت زوجته كارولين، من الحادث، التي كانت أيضًا عالمة وشريكته في أبحاثه ودراساته عن الكويكبات والمذنبات. ووقتها، اعتبرت وفاة شوميكر خسارة مأساوية للمجتمع العلمي والجمهور، الذي أعجب بشغفه وفضوله بشأن أسرار الكون. لكنه ترك إرثًا غنيًا من الإنجازات في علم الفلك وعلم الكواكب.

حلم لم يكتمل

إلى جانب أنه كان أول من اقترح استخدام صور الأقمار الصناعية لدراسة سطح الأرض، كان يوجين شوميكر يحلم بزيارة القمر. وبالفعل، كان مرشحًا ليكون رائد فضاء في برنامج أبولو، لكن تم استبعاده بسبب إصابته بمرض أديسون.

ويعرف مرض أديسون بقصور الغدة الكظرية الأولي، وهو اضطراب نادر يؤثر على الغدد الكظرية الموجودة فوق الكلى، حيث تنتج هرمونات مهمة لعدة وظائف حيوية في الجسم، مثل الكورتيزول الذي يساعد على تنظيم ضغط الدم، ومستوى السكر في الدم، والاستجابة للضغوط. وكذلك الألدوستيرون الذي يساعد على تنظيم توازن الماء والملح في الجسم.

كيف وصل إلى القمر؟

طوال حياته، كان حلم يوجين شوميكر الذي يراوده هو زيارة القمر، لكنه لم يتمكن من تحقيقه. لذلك، وبعد وفاته، أرادت عائلة العالم يوجين شوميكر وأصدقاؤه تلبية رغبته في زيارة القمر، والتي لم يحققها أبدًا في حياته.

اتصلت عائلة شوميكر بشركة Celestis، وهي شركة تقدم رحلات فضائية تذكارية، والتي وافقت بدورها على إرسال كبسولة صغيرة تحتوي على رماد شوميكر إلى القمر كجزء من مهمة Lunar Prospector، وهو مسبار ناسا تم تصميمه لرسم خريطة لسطح القمر والبحث عن علامات وجود الماء والجليد.

وبالفعل في عام 1999، حملت الكبسولة بعض رماد شوميكر وصورة له، ورقاقة نحاسية عليها نقش اسمه وتواريخه، وقطعة من فوهة بارينجر، لتتركها على سطح القمر.

كانت مهمة المركبة الفضائية Lunar Prospector، تتمثل في جمع بيانات وصور مهمة خلال مدارها الذي دام 18 شهرًا حول القمر. واختتمت ناسا مهمتها في 31 يوليو 1999، حيث تعمدت تحطيمها على سطح القمر، وعلى متنها يوجين شوميكر.

أصبح بذلك يوجين شوميكر الشخص الوحيد الذي دفن على سطح القمر، داخل حفرة سميت باسمه بالقرب من القطب الجنوبي. وقد نقشت على كبسولة دفنه كلمات من مسرحية روميو وجولييت للكاتب العالمي وليام شكسبير.

وعلى الرغم من أن الموقع الدقيق لكبسولة شوميكر لا يزال غير معروف وبالتالي بعيد المنال، فمن المفترض أنها سليمة حتى الآن لأنها محمية من التآكل، مما يضمن الحفاظ عليها لسنوات طويلة بسبب افتقار القمر إلى عوامل التعرية والظروف المناخية التي قد تؤدي إلى تآكل الكبسولة.

في النهاية، يؤكد باحثون إن دفن شوميكر على القمر ليس مجرد تكريم شخصي، ولكنه أيضًا لفتة رمزية لتواصل الإنسانية مع العالم الخارجي ومحاولاتنا الدائمة لاستكشاف الفضاء والكواكب والعالم القمري الذي نسعى الآن لتحويله إلى وجهة سياحية جديدة للأثرياء.