;

النظرية المالتوسية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 22 أغسطس 2022

تعد نظرية مالتوس أو ما يُعرف بالنظرية المالتوسية من أهم النظريات الاجتماعية، ومن أكثرها إثارةً للجدل، فعلى الرغم من أنها استندت إلى مبادئ صحيحة لكنها توصلت لنتائج مثيرة للجدل.

فما هي هذه النظرية؟ ولماذا هي مثيرة للجدل؟ من هم المالتوسيون الجدد؟ وما الفرق بينهم وبين أتباع المالتوسية الجديدة؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

 

تعريف النظرية المالتوسية ومضمونها

النظرية المالتوسية هي النظرية التي وضعها القس البريطاني توماس مالتوس، ونشرها في كتاب بعنوان (مقال عن مبدأ السكان) في عام 1798، حيث شخّص في هذه المقالة مشكلة التزايد السكاني، والنمو الطبيعي، ووضع حلولاً لمواجهة هذه المشكلة.

مالتوس ينتقد مساعدة الفقراء

لم يكن مالتوس الشخص الوحيد الذي تحدث عن السكان، حيث كانت مقالته عن مبدأ السكان تفنيداً لما جاء به المفكرين مثل ويليام غودوين وكوندروسيه، حول مشكلة الفقر، حيث اعتقد المفكرون أن البشر يكملون بعضهم البعض، لذلك على الأغنياء مساعدة الفقراء لتحسين أوضاعهم.

وانتقد مالتوس في مقالته الطبقة العاملة الفقيرة التي تكثر من إنجاب الأطفال، والتي بدلاً من أن تستغل عددها الكبير لاستغلال الرأسماليين الأغنياء، ازدادت هذه الطبقة فقراً، كما اعتبر مالتوس أن فكرة الإحسان إلى الفقراء وتقديم المساعدة لهم، لم تؤدي إلا إلى زيادة أعداد الفقراء في العالم.

مضمون النظرية المالتوسية

ظهرت نظرية روبيرت مالتوس في القرن الثامن عشر، عندما نشر كتابه الذي حمل عنوان (مقال عن مبدأ السكان) في عام 1798 وعدّل بعض استنتاجاته في الطبعة التالية من الكتاب والتي نشرت في عام 1803، حيث وجد مالتوس أن عدد سكان بريطانيا يزداد نتيجة ازدياد أعداد الفقراء الذين بدورهم ينجبون عدداً كبيراً من الأطفال.

واعتبر مالتوس أن هذا مؤشر على اقتراب بريطانيا من الكارثة، فقال مالتوس في نظريته: "تزداد الموارد الطبيعية الغذائية في نسبة حسابية بطيئة (2، 4، 6، 8، 10، 12)، في حين يزداد عدد السكان بنسبة هندسية سريعة (2، 4، 8، 16، 32، 64، ..الخ)، هذا يعني - بحسب مالتوس- أنه بعد مئتي عام (القرن العشرين) ستصبح زيادة السكان (259) مقابل تزايد في الغذاء قدره (9).

وفي ثلاثة قرون ستصبح زيادة السكان (4096) مقابل تزايد في الغذاء قدره (13)، وفي ألفي سنة لن يكون هناك إمكانية لحساب هذا الفرق، لذلك حكماً سيتجاوز عدد السكان الإمدادات الغذائية ـ وعلى اعتبار أن السكان يزدادون طالما أنهم قادرون على العيش بمستوى الكفاف (الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة) - الأمر الذي يجعل المشكلة قائمة ومتصاعدة إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان مرة كل خمسة وعشرين عاماً، إلا إذا كان هناك حلولاً قوية وواضحة لهذا التفاوت بين الزيادة في الموارد والزيادة في عدد السكان".

مقترحات مالتوس لتقليص الفجوة بين النمو السكاني ونمو الموارد الغذائية

بناءً على ما سبق، طرح مالتوس ووضع حلولاً للفجوة، كالتالي:

  • التقشف في استهلاك الطعام، فعلى السكان أن يستهلكوا فقط ما هو ضروري من الغذاء؛ كي يبقوا على قيد الحياة.
  • تحديد حجم السكان بحجم الغذاء، فإذا كان عدد سكان بلد ما محدوداً بوسائل العيش، بعبارة أخرى، يتم تحديد حجم السكان حسب توافر الغذاء، فكلما زاد الغذاء يزداد عدد السكان بنفس النسبة، وعندما يتراجع حجم الغذاء سيتناقص السكان ويموتون نتيجة قلة الغذاء وبالتالي يتحقق التوازن.
  • الحد من زراعة الأراضي الزراعية، يقول مالتوس إن زيادة الغذاء تخضع لقانون تناقص الغلة (قانون الغلة المتناقصة: أي أن الأرض الزراعية تنتج في كل عام أقل مما تنتجه في العام السابق وأكثر مما ستنتجه في العام التالي)، لذلك يجب منع زيادة إنتاج الغذاء من خلال تقليل عدد العمال، وتخفيض رأس المال المستثمر في الزراعة.
  • تخفيض عدد السكان، يقول مالتوس إذا استمرت الإمدادات الغذائية في الزيادة، فإن الشعب سينجب المزيد من الأطفال؛ الأمر الذي يعني ازدياد الطلب على الغذاء، بالتالي تقل حصة الفرد من الغذاء نتيجة ازدياد عدد السكان، لذلك يقترح مالتوس نوعين من الضوابط السكانية:
  1. الضوابط الوقائية، تمارس تأثيرها على نمو السكان من خلال خفض معدل المواليد، من خلال ذكر العواقب الوخيمة للرجل من كثرة الإنجاب، وإقناعه أن وجود عدد كبير من الأطفال سيؤدي إلى خفض مستوى معيشة أسرته، كما سيزيد الأعباء المادية عليه، كما أنه لا يستطيع إعطائهم التعليم الكافي، ويمكن الوصول إلى هذه النتيجة من خلال قيام هذا الرجل بزيارة أسرة كبيرة فيها الكثير من الأطفال ليرى معاناتهم على أرض الواقع فيرى الأطفال فقراء، وهو ما لا يتمناه لأطفاله؛ الأمر الذي يدفعه للحد من حجم أسرته فيتأخر في الزواج، ويضبط علاقته الزوجية كي لا ينجب الكثير من الأولاد.
  2. الضوابط الإيجابية، تمارس تأثيرها على النمو السكاني عن طريق زيادة معدل الوفيات، يتم تطبيقها من قبل الطبيعة من خلال الكوارث الطبيعية (الفيضانات، البراكين، الأعاصير، الزلازل)، أو من قبل الإنسان (نشر الأمراض، ممارسة الأعمال الشاقة، الحروب، المجاعات، الفقر) كل ذلك كفيل بازدياد نسبة الوفيات؛ بالتالي تخفيض عدد السكان.

وينصح مالتوس باعتماد الضوابط الوقائية لتخفيض عدد السكان، وعندما تفشل يتم اللجوء للضوابط الإيجابية.

 

انتقدت النظرية المالتوسية ودُحضت على عدة مستويات

ككل نظرية في التاريخ خضعت نظرية مالتوس للنقد، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث تركزت الانتقادات على ما يلي:

  • توقع مالتوس تردي الأوضاع الاقتصادية للأجيال القادمة في دول أوروبا الغربية، وهو ما لم يحصل، حيث لم يزد عدد السكان بأسرع مما تنبأ به مالتوس، لكن إنتاج الغذاء ارتفع بشكل كبير بسبب التقدم السريع في مجال التكنولوجيا، الأمر الذي أدى لارتفاع مستويات المعيشة للشعوب الأوروبية بدلاً من انخفاض مستويات المعيشة كما توقع مالتوس.
  • أكد مالتوس أن الإنتاج الغذائي لن يواكب النمو السكاني بسبب قانون تناقص الغلة في الزراعة، لكن بجعل التقدم السريع في التكنولوجيا وتراكم رأس المال، جعل الدول الأوروبية تنجح في تأجيل مرحلة تناقص الغلة، حيث استفادت هذه الدول من (الأسمدة، البذور، المبيدات الحشرية، الجرارات والآلات الزراعية الأخرى؛ فزاد الإنتاج بشكل كبير، إضافةً إلى ذلك معظم الدول المتقدمة يزداد فيها معدل إنتاج الغذاء عن معدل النمو السكاني.
  • مقارنة مالتوس النمو السكاني بزيادة إنتاج الغذاء وحده غير كافي، فهناك العديد من أنواع الإنتاج، فبريطانيا لم تعاني من نقص في المواد الغذائية، لأنها أنتجت الفحم، الحديد، الآلات، السفن، السكك الحديدية، وبادلتها بمواد غذائية من دول أجنبية.
  • لا يوجد أي دليل على أن معدل المواليد يزداد مع ارتفاع في مستوى المعيشة، بل على العكس هناك أدلة على أن معدلات الولادة تنخفض مع نمو الاقتصاد، ففي الدول الغربية، هناك انخفاض في عدد المواليد رغم النمو الاقتصادي.
  • فشل في توقع فتح مناطق جديدة، حيث ساهمت الكشوفات الجغرافية واكتشاف أمريكا وأستراليا في زراعة مساحات واسعة من الأراضي البكر (تزرع للمرة الأولى)؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة إنتاج الغذاء.
  • أهمل القوة العاملة، حيث تعامل مالتوس مع الأطفال كأنهم ليسوا سوى مستهلك جديد، ولم يتعامل معه كمنتج جديد.
 

آثار نظرية مالتوس السكانية

أثّرت نظرية مالتوس في صنّاع القرار ببريطانيا في القرن التاسع عشر الذي كان يوصف بأنه قرن الفقراء، حيث كان معظم أعضاء الطبقة العاملة من المحتمل أن يعانوا الفقر في مرحلة ما من حياتهم بسبب البطالة والمرض والشيخوخة، لذا كان عليهم الاعتماد على أبنائهم، أو الأصدقاء أو الادخار لأوقات الشدة، فصدر قانون بورز (قانون الفقراء) في عام 1934، الذي يدعو الفقراء للهجرة وينص على ما يلي: "يقيم الفقراء في إصلاحية، تؤمن لهم التغذية والملبس، كما يدخل أطفالهم معهم حيث يدرسون في بعض المدارس إضافةً لتوفير الغذاء والملبس لهم، في المقابل يعمل الفقراء لعدة ساعات يومياً"، وذلك للتخفيف من حجم الإغاثة لهؤلاء الفقراء.

وقد تسبب هذا القانون بأعمال شغب وحرق للمباني في بريطانيا، حيث اعتبر خصوم مالتوس أن قانون الفقراء هو تطبيق لأفكار مالتوس، ويهدف القانون إلى إجبار الفقراء على الهجرة للعمل بأجور أقل من أجورهم العادية، إضافةً إلى أنه يجبرهم على العيش في تقشف، في حين رحّب به الرأسماليون باعتباره سيخفض تكاليف رعاية الفقراء، ويقلل من ظاهرة المتسولين في الشوارع، إضافةً إلى أنه يشجع الفقراء للعمل بجِدّ لإعالة أنفسهم.

 

تعريف ومضمون النظرية المالتوسية الجديدة

تعريف المالتوسية الجديدة (النيوو مالتوسية)

تشير المالتوسية الجديدة للأشخاص الذين لديهم نفس اهتمامات روبيرت مالتوس وأفكاره حول طريقة التخلص من النمو المتزايد لعدد السكان في العالم، حيث يطالبون بالتحكم في زيادة عدد السكان بما يتناسب والنمو في الموارد الطبيعية، ومن بين الوسائل التي يقترحونها لضبط عدد السكان، استخدام وسائل منع الحمل.

ظهور المالتوسية الجديدة

استخدم الدكتور صموئيل فان هوتين (أحد نواب رئيس جامعة مالتوس في بريطانيا) مصطلح المالتوسية الجديدة للمرة الأولى في عام 1877، للإشارة للحملة التي ظهرت لتحديد النسل (تخفيض عدد الأطفال).

وقامت نظرية المالتوسية الجديدة على مبدأ دعم الفقراء مادياً مقابل تحديد النسل، فقد بقيت وسائل منع الحمل غير مشروعة من الناحية الدينية حتى عام 1920، حيث تغيّرت النظرة لموضوع تحديد النسل في ذلك العام نتيجة تطور الطب، فأصدرت محكمة أمريكية في عام 1929 حكماً بتأييد حق الأطباء لوصف وسائل منع الحمل لأسباب صحية، وأدرجج تحديد النسل في المناهج الطبية، كما أصبحت تستخدم تعابير أقل قسوة من تعبير (تحديد النسل) (مثل: تنظيم الأسرة، الأبوة المخططة).

إضافةً للتركيز على أهمية المباعدة بين الولادات من أجل صحة المرأة، وكانت أول دولة تطبق نظرية مالتوس الجديدة (النيوو مالتوسية) الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس لينين، حيث دعا لتنظيم الأسرة، وللترويج لأفكار المالتوسية الجديدة تحت شعار "حرية نشر المعرفة الطبية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية الأساسية للمواطنين من كلا الجنسين".

مضمون النظرية المالتوسية الجديدة (النيوو مالتوسية)

تقول النظرية المالتوسية الجديدة أن البلدان تمر عبر أربع مراحل من التطور الديموغرافي:

  • المرحلة الأولى، مرحلة ما قبل الصناعية، تميزت بمعدل مواليد ووفيات مرتفع ونمو سكاني بطيء.
  • المرحلة الثانية، تتميز بالانفجار السكاني، مع تحسن في مجال التكنولوجيا والظروف الاجتماعية للحياة، ما يؤدي إلى انخفاض معدل الوفيات.
  • المرحلة الثالثة، بداية لتراجع معدل المواليد بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
  • المرحلة الرابعة، يستقر معدل النمو السكاني؛ منخفض وثابت.

في الختام.. ربما لم يكن يدري روبيرت مالتوس عندما كتب "مقال عن مبدأ السكان" أنه سيحصل على كل هذه الشهرة، وأن يصبح الشغل الشاغل للعالم لعقود قادمة، لكن الأكيد أن مالتوس قد وضع كتابه طبقاً للظروف الاقتصادية التي كانت سائدة، والتي ربما لم يتوقع أفضل المتفائلين الوصول إلى هذه الدرجة من التطور التكنولوجي والتقني،، والذي سمح باعتماد وسائل تزيد من إنتاج الأرض الزراعية ولا تنقصها كما توقع مالتوس، ولكن تُحفظ له أنه عمل بجد لصياغة نظريته ووضع مقترحات لحلها، وهي مقترحات بغض النظر عن موقفنا منها، وإن كان مقصودة أو غير مقصودة، فقد حصل الكثير منها، لاسيما ما يتعلق منها بالحروب وانتشار الأمراض؛ الأمر الذي أدى لمقتل ملايين الناس في حروبٍ اثنتين منها عالميتين، وعشرات الحروب الأهلية والإقليمية.

اشترك في قناة رائج على واتس آب لمتعة الترفيه