النوم أثناء الطيران… قدرة مذهلة لدى بعض الطيور
تُظهر الطبيعة قدرات مذهلة تتجاوز حدود الخيال، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك قدرة بعض الطيور على النوم أثناء الطيران. إذ يُمكن لهذه الطيور التحليق لساعات أو أيام طويلة دون هبوط، مستفيدة من آليات بيولوجية متطورة تسمح لها بالحفاظ على الطاقة، ومواجهة المخاطر، والاستمرار في البحث عن الطعام أو المواقع الآمنة. وتُعرف هذه الظاهرة بـ النوم الأحادي للدماغ، وهي قدرة تجعل نصف دماغ الطائر ينام بينما يبقى النصف الآخر متيقظاً للسيطرة على الحركة والملاحة.
أنواع الطيور التي تمتلك هذه القدرة
تتنوّع الطيور القادرة على النوم أثناء الطيران بحسب نوعها وبيئتها. ويُعدّ طائر الأطيش (Swift) من أبرز الأمثلة؛ إذ يمكنه البقاء في الجو لأشهر متواصلة خلال الهجرة، وهو ينام على فترات قصيرة متفرقة لا تتجاوز ثوانٍ معدودة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تستفيد البطاريق البحرية من هذه القدرة أثناء الطيران الطويل فوق المحيطات، حيث توفر لها استمرارية الحركة دون هبوط، مع الحفاظ على الطاقة اللازمة للصيد والبقاء. وتظهر الطيور الجارحة أحياناً أنماطاً مشابهة خلال رحلاتها الطويلة، خصوصاً عند السفر لمسافات هائلة بحثاً عن الفرائس.
كيف ينام الطائر وهو طائر؟
- يعتمد النوم الأحادي للدماغ على فصل نشاط نصفي الدماغ، ما يتيح للطائر الراحة الجزئية دون فقدان القدرة على الطيران.
- يُبقي نصف الدماغ المستيقظ العضلات والأجنحة في حالة تحكم مستمر، مع متابعة البيئة المحيطة لتجنّب الاصطدام أو المفترسات.
- تتجدد الطاقة الذهنية والبدنية في فترات قصيرة، مما يسمح للطائر بالاستمرار في التحليق لساعات متواصلة.
- يُظهر البحث العلمي أن النوم خلال الطيران غالباً يكون قصيراً، لكن تكاثره عبر اليوم يوفر استراحة فعّالة للدماغ والجسم.
فوائد النوم أثناء الطيران
- يحافظ النوم أثناء الطيران على قدرة الطائر على مواجهة التحديات البيئية.
- يخفّف الإجهاد الناتج عن الرحلات الطويلة عبر المحيطات أو الصحاري.
- يُمكّن الطائر من الهروب من المفترسات دون الحاجة للهبوط.
- يُعزز استمرارية البحث عن الطعام أو المياه، ما يزيد فرص البقاء على قيد الحياة.
اكتشاف الظاهرة ودراستها
تُعدّ الدراسات الحديثة على النوم الأحادي للدماغ ثورة في فهم سلوك الطيور. واستُخدمت تقنيات متقدمة مثل أجهزة EEG لتسجيل نشاط الدماغ أثناء الطيران، وأكدت النتائج قدرة نصف الدماغ على الراحة دون التأثير على الحركة.
يُعطي هذا الاكتشاف فكرة عن التكيفات البيولوجية المتقدمة التي طوّرها الطائر للبقاء على قيد الحياة في بيئات صعبة. ويُظهر البحث أيضاً إمكانية دراسة هذه الآليات لفهم النوم البشري وأثره على الأداء العقلي أثناء المهام الطويلة والمتواصلة.
تُبيّن قدرة بعض الطيور على النوم أثناء الطيران أن الطبيعة تتجاوز حدود الخيال، وأن التطور خلق آليات مدهشة للبقاء والكفاءة. وتكشف هذه الظاهرة كيف يمكن للكائنات الحية الجمع بين الراحة والتحرك المستمر، لتصبح الرحلة الطويلة أكثر أماناً وفاعلية. وهكذا تبقى الطيور مثالاً حيّاً على قدرة الحياة على الابتكار والتكيف، حتى في أصعب الظروف.