;

رشا حلوة: أم عربيّة مطلّقة.."الحياة في برلين أفضل لي ولابنتي"

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 24 يوليو 2017
رشا حلوة: أم عربيّة مطلّقة.."الحياة في برلين أفضل لي ولابنتي"

قبل أيام، التقيت بصديقتيْن قادمتيْن من بلاد عربيّة وتعيشان في برلين بقرار منهما للاستقرار في المدينة، وكل منهما هي أم وحيدة ومطلّقة، ولم تعرف كل منهما قصّة الأخرى. سألت إحداهن عن ابنتها التي تنتظر وصولها إلى ألمانيا، واكتشفت عندها كلّ منهما بأنهما تعيشان قصصًا مشابهة بعض الشّيء. الأولى انتقلت إلى الاستقرار في برلين مع ابنتها والثانيّة في طور مشروع استقرار.

بعد سؤالي، تحوّلت إلى مستمعة فقط، لحديثهما الذي تمحوّر حول قرار الاستقرار بعيدًا عن بلادهما، وعن الظّروف الاجتماعيّة التي تعيشها كلّ منهما كأمهات وحيدات مطلّقات في بلدها مقارنة في برلين، حيث لا تقتصر الظّروف والضغوطات الاجتماعيّة في بلادنا على كونهن نساءً فقط، بل لكونهن أيضًا أمهات وحيدات ومطلّقات.

بعد جلستنا التلقائيّة تلك، قررت أن أتحدث مع إحداهما، صديقتي التي انتقلت إلى برلين كأم وحيدة ومطلّقة مع ابنتها بهدف استقرار جديد لكلاهما، والتي فور وصولها إلى برلين، اكتشفت كم الضغط الاجتماعيّ الذي عانت منه أثناء وجودها في بلدها، واكتشفت أيضًا بأن الحياة على مدى طويل في مدينة كبرلين هو أفضل لها ولابنتها. عن هذا تقول: "تستطيع ابنتي هنا أن تقرر شكل حياتها واختياراتها الشّخصيّة والاجتماعيّة، بعيدًا على أن توضع في قالب محدد كامرأة في مجتمع عربيّ، يتدخل بعض فئاته في كيف يجب أن تكون المرأة وشكلها وثيابها وتوقعاتها وإنجازاتها الأكاديميّة وأهدافها بالحياة لكي تكون مقبولة على المجتمع. اكتشفت أن وجودها في برلين مهمًا جدًا. الأمر الثاني هو أنني أحب أن أَبني علاقتي مع ابنتي بعيدًا عن حكم الناس، على سبيل المثال، ابنتي معتادة على إجابتي ومناقشتي بأمور وقضايا عديدة، وفي البلد، واجهت تعليقات على سبيل بأنني يجب أن أمنعها من فعل ذلك، وبالتالي أرادوا مني بأن أمنع ابنتي من التعبير عن مشاعرها وآرائها لأن المجتمع يرى أن ذلك هو الأنسب".

جميعنا يعرف، أو من يريد أن يعرف، الضغوطات التي تُمارس على النساء عامّة من قبل بعض فئات المجتمع، سواء كنَّ عازبات أو متزوجات أو مطلقات أو أرامل. فكل خانة من هذه الخانات، لها تقريبًا شبه "كاتالوغ" اجتماعيّ ومعايير يجب على المرأة أن تمشي حسبها، وغالبًا، وللأسف والألم، تُوجه هذه المعايير للرجال (وفي بعض الأحيان للنساء) الذين تربطهم علاقة عائليّة أو اجتماعيّة بهذه المرأة أو تلك، كي يرشدونها للطريق الصّحيح، "حسبما يرونه مناسبًا". والكثير منّا يعرف أيضًا، أو من يريد أن يعرف، بأن نساء كثيرات تمردن وما زلن يتمردن على هذا الواقع داخل مجتمعات عديدة، سواء بشكل ذاتيّ وفرديّ أو من خلال عمل جماعيّ نسائيّ ونسويّ، من أجل أنفسهن ومن أجل أخريات، بلا علاقة لمضمون التمرد أو النضال من أجل حريتها وحرية النساء عمومًا، فكل امرأة الحرية بأن تختار ما تراه مناسبًا. لكن سؤالي هُنا، كم من الطّاقة والمجهود تحتاج المرأة لأن تواصل التمرد على هذه الظروف الاجتماعيّة القاسيّة بحقها والمطالبة بحريتها في اختيار شكل حياتها؟ يا جماعة، أحيانًا، يحق لنا أن نتعب وأن نبحث عن أماكن بأقل حروب يوميّة على تفاصيل لم نستوعب مدى ثقلها على قلوبنا إلّا عندما نبتعد عنها، ولوّ مؤقتًا.

صديقتي، التي واصلت الحديث معها هاتفيًا، تطرقت إلى الضغوط الاجتماعيّة التي فُرضت عليها في بلدها، "الضغوط هذه متوقعة، لكوني امرأة أوّلًا، ومن ثم لكوني حرّة وصاحبة قراراتي ومطلّقة بقرارٍ ذاتيّ وعلاقتي جيّدة مع طليقي، وهذا أمر مستغرب أيضًا. كل هذا الواقع تغيّر منذ وصولي إلى برلين، لأني لا أواجه هذه الضغوط هُنا، فلا يضعك أحد بقالب امرأة مطلّقة ومتحررة ومتمردة على المجتمع. بشكلٍ أو بآخر، وأنا في بلدي، وحتى إن لم أهتم لكل الضغوط الاجتماعيّة هذه، لكنها أثرت عليّ بشكل غير واعٍ، لأن الإنسان هو كائن اجتماعيّ ويريد بناء علاقة مع المجتمع، حتى لوّ أنكر ذلك. ومع الابتعاد عن ذلك الواقع، وعندما نظرت إلى الأمور من بعيد، اكتشفت كم الضغط النفسيّ الموجود داخلي وبأنّي تخلصتُ منه هنا في برلين".

صديقاتي الأمهات المطلّقات اللواتي أتحدث عنهن في هذا المقال، واللواتي اخترن الاستقرار في برلين، تحبّ كلّ منهن بلدها، كما نساء كثيرات اخترن أن يتركن بلادهن بحثًا عن حياة أفضل، ومن حق كل امرأة أن تبحث عن خلاصها الفرديّ كي تواصل حياتها كما تشاء، وأن تخفف الحروب اليوميّة الاجتماعيّة التي تخوضها، فهنالك أحلامٌ كثيرة تنتظر كلّ منهما. الانتقال، حين يتسنّى الأمر، إلى مكان جديد وبعيد لن يوقف التحديات اليوميّة التي تعيشها كلّ امرأة عربيّة بالطبع، منها النفسيّة والذاتيّة والاجتماعيّة والسياسيّة وغيرها، لكن لربما سيوفّر الحدّ المطلوب من الرّاحة والوقت للتفكير والعمل بما تريد الانشغال به من أجل نفسها، ولربما أيضًا ستجد المرأة عامّة والمرأة أو الأم المطلّقة خاصّة، التي اختارت أن تعيش أو أن ترعرع ابنتها أو ابنها بعيدًا عن مجتمعها، المساحة الكاملة والصحيّة لأن تواصل العمل من أجل مجتمعها، التي اختارت أن تعيش بعيدًا عن بعض فئاته، وهو، بشكل ما، سيعود بالفائدة أيضًا على من كانوا وما زالوا ضد اختياراتها الشّخصيّة.

في نهاية حديثي الهاتفيّ مع صديقتي، سألتها عن رأي ابنتها في الاستقرار والحياة في برلين، بعد مرور بضعة أشهر على ذلك، قالت: "ابنتي طفلة بشكل أو بآخر، تشعر ما أشعر به. تخبرني بأنها مشتاقة لوالدها ولجدتها ولصديقاتها في الحيّ، لكنها تقول لي بأنها مرتاحة هُنا أكثر لأنها تشعر بأنني غير متوترة في برلين. وحين أسألها: هل تردين العودة أم البقاء؟ فتجيبني، أريد أن أبقى هُنا طبعًا، أنا سعيدة لأنك سعيدة يا أمي".

*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW