كيف تنجو شجرة الأوكالبتوس من ألسنة النار؟

  • تاريخ النشر: الإثنين، 24 نوفمبر 2025 زمن القراءة: دقيقتين قراءة
مقالات ذات صلة
شجرة الدفلة
حكم عن الشجرة
ما هي أطول شجرة في العالم؟

تُعدّ شجرة الأوكالبتوس واحدة من أكثر الأشجار إثارة للدهشة في عالم النبات، ليس فقط بسبب سرعتها في النمو أو رائحتها العطرية الشهيرة، بل لأنّ لديها قدرة فريدة على النجاة من الحرائق الطبيعية التي تشتعل في الغابات. وقد طوّرت هذه الشجرة عبر ملايين السنين آليات دفاعية وسمات تكيفية تجعلها من أكثر الأنواع صموداً في البيئات التي تكثر فيها الحرائق، خاصة في أستراليا حيث تمتد جذورها البيئية.

شجرة الأوكالبتوس

تثير أوراق الأوكالبتوس المفارقة الكبرى؛ فهي غنية بزيوت طيّارة قابلة للاشتعال بسهولة، مما يجعل الشجرة تُسهم في زيادة قوة الحريق. غير أنّ هذه "الخطورة" الظاهرية ليست عبثية، بل تؤدي دوراً بيئياً بالغ الأهمية. يساعد هذا الاشتعال السريع على تنظيف التربة والتخلص من النباتات المنافسة، مما يتيح للأوكالبتوس فرصة أفضل للسيطرة على المكان بعد انتهاء الحريق. وتُظهر الأبحاث أنّ هذا التكيف ليس وليد المصادفة، بل جزء من استراتيجية تطورية متقنة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

لكن كيف تنجو الشجرة نفسها رغم احتراق أوراقها؟ يكمن السر في عدة آليات دفاعية:

  • أولاً، تتمتع الأوكالبتوس بلحاء سميك يحيط بجذعها ويحميه من درجات الحرارة العالية. يعمل هذا اللحاء كدرع طبيعي يمنع النيران من الوصول إلى الأنسجة الحية داخل الجذع، مما يسمح للشجرة بالبقاء على قيد الحياة حتى بعد تعرضها لحريق شديد.
  • ثانياً، تمتلك هذه الشجرة قدرة استثنائية على التجدد الذاتي. فبعد انتهاء الحريق، تُطلق الأوكالبتوس براعم مخفية تُعرف باسم epicormic buds تنمو من تحت اللحاء مباشرة. وبمجرد أن تهدأ النيران، تظهر هذه البراعم وكأن الشجرة تولد من جديد، فتكسوها أوراق خضراء خلال فترة قصيرة. وتساعد هذه القدرة على ضمان عودة الشجرة إلى نشاطها بسرعة قياسية مقارنة بأنواع أخرى قد تحتاج سنوات للتعافي.
  • ثالثاً، تعتمد كثير من أنواع الأوكالبتوس على بذور مقاومة للحرارة. تُخزن هذه البذور داخل كبسولات خشبية لا تنفتح إلا عند تعرضها لدرجات حرارة عالية. وبمجرد أن يمر الحريق ويُخصّب الرمادُ التربة، تبدأ البذور في الإنبات في بيئة جديدة خالية من المنافسة، مما يسمح للغابة بالنمو مجدداً بوتيرة سريعة.

الأوكالبتوس

وتتجلّى أهمية هذه الخصائص في الحفاظ على النظم البيئية. فالحرائق ليست كارثة دائماً في الطبيعة، بل جزء من دورة حياة بعض الغابات، والأوكالبتوس مثال واضح على التكيف مع هذا النمط. ومع تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة عالمياً، يدرس العلماء هذه الآليات لفهم كيف يمكن للنباتات الأخرى التأقلم أو الاستفادة من هذه الاستراتيجيات.

ومع أنّ الأوكالبتوس تملك قدرة لافتة على مقاومة الحرائق، فإن انتشارها الواسع خارج بيئتها الأصلية قد يشكل تحديات في بعض المناطق، لأنها قد تزيد من شدة الحرائق المحلية. لذلك يدعو الخبراء إلى إدارتها بعناية خصوصاً في الأماكن التي لم تتطور نباتاتها الأصلية لتتحمل النار بنفس الطريقة.

في النهاية، تكشف شجرة الأوكالبتوس درساً مدهشاً عن ذكاء الطبيعة وقدرتها على خلق توازن بين الخطر والبقاء. فرغم أنّها تحمل في أوراقها ما يشعل النيران، فإنها في الوقت ذاته تملك قدرة خارقة على النهوض من تحت الرماد، لتؤكد أنّ الحياة في الطبيعة أقوى دائماً من كل ما يحاول إخمادها.