دار الحجر.. قصر العجائب في اليمن

  • تاريخ النشر: الجمعة، 09 أغسطس 2019
مقالات ذات صلة
من عجائب الكيمياء
عجائب وغرائب
من عجائب النمل

ينتشر في اليمن عدد من القصور التاريخية تمثل اليوم متاحف مفتوحة تستقبل زوارها من كل ألوان الطيف من اليمن والبلدان العربية وغيرها.. منها قصور ارتبطت بملاكها وحكام البلاد سابقاً مثل قصر «غمدان» وقصر «السلطان الكثيري» وقصر «دار الحجر» وهذا الأخير «دار الحجر» يسمى قصر العجائب!

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

وكان هذا القصر للإمام يحيى بن حميد الدين المتوكل، ويقال إن الصخرة التي في أسفل القصر هي عبارة عن غرفة آبار، أما بناؤه من الداخل فهو رائع وفريد، توجد نافورة في الفناء تشير إلى فن معماري أصيل. ومن يدخل مدينة صنعاء، يعلم جيداً أنه يضع قدميه على إحدى الطرق التي تقود إلى مرتفعات الماضي القريب والبعيد، خاصة في تاريخ الجزيرة العربية، وإذا مر الزائر أثناء عبوره سور صنعاء القديمة، وتحديداً من باب «اليمن» قد يشك في وجود موقع تاريخي آخر، يحمل قيمة أثرية مشابهة، إلا أن «دار الحجر» وهو قصر أثري قديم مشيد على صخرة عظيمة، كفيل بتبديد هذه الظنون.


من مآثر اليمن

في الطريق المؤدي إلى «دار الحجر»، أو قصر العجائب كما يطلق عليه، يقطع الزائر قرابة 14 كيلومترا تقريباً إلى الشمال الغربي من الأطراف الشمالية للعاصمة اليمنية، وقد يبدو أن ليس هناك ما يشير إلى ظهور دار حجرية قديمة ملأى بالعجائب، سوى بعض المراقب الحجرية القديمة المتهدمة التي تشرف على وادي «ضهر» وهو وادٍ كبير اشتهر منذ عصور ما قبل الإسلام، وتشهد على ذلك بعض النقوش الصخرية القديمة، حيث ذكر الوادي لأول مرة في القرن السابع قبل الميلاد في نقش النصر، وذكر المؤرخ الهمداني: «من مآثر اليمن، ضهر، وهو موضع فيه وادٍ وقلعة ومصنعة، منسوب كل ذلك إلى «ضهر بن سعد» وهو على بعد ساعتين من صنعاء أو أقل، وفي هذا الوادي نهر عظيم يسقي جنتي الوادي، وفيه ألوان من الأعناب وغراسه من البياض والسواد». وعند الوقوف في المواقف المخصصة لسيارات الزائرين لموقع قصر «دار الحجر» يجبر ارتفاع الدار الحجري رفع رأس السائح إلى أعلى نقطة فيه، قبل أن تسرق انتباهه الشجرة الكبيرة والمعمرة التي تقف إلى يمين بوابة «دار الحجر» التي يصل محيط جذعها إلى 3 أمتار، ويبلغ عمرها أكثر من 700 عام، بحسب المرشد السياحي في القصر. وتقول المصادر التاريخية الموثقة «إن قصر الحجر، أثري قديم مستند على صخرة عظيمة، وتتفاوت الروايات المرتبطة ببداية تأسيسه وبنيانه إذ تشير بعض الحكايات أن الدار كان قد تعرض للهدم عشرات المرات إلا أنه كان يتم إعادة بنائه مرة أخرى». ويظهر تفرد القصر كقطعة فنية معمارية من الخارج حيث تتجلى عبقرية التصميم في واجهاته المختلفة التي لاتتشابه، فينبهر الناظر والزائر له حيث شيّد في سبعة أدوار ويقال «إن الأتراك في الغزو الأول لليمن فضلوا أن يسكنوا في هذا الدار لفنه المعماري المتفرد به عن غيره».


معلم سياحي

وبمجرد دخول باحة القصر الشهيرة، التي أقيمت على تلة من صخور الجرانيت في وادي ضهر، بناها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي العالم والشاعر علي بن صالح العماري، الذي عاش في الفترة بين (1736- 1798) واشتهر باتساع المعرفة وتعدد المواهب، لا سيما في علم الهندسة والمعمار والفلك، ومن أهم المباني التي اشتهر بتصميمها هذا القصر الذي أمر ببنائه الإمام «المنصور علي بن العباس» ليكون قصراً صيفياً، على أنقاض قصر سبئي قديم، كان يعرف باسم «حصن ذو سيدان». لكن القصر ظل شامخاً على مر العصور، وشهد إضافات عديدة، ويستخدم حالياً كمعلم سياحي، بعد فتح أبوابه أمام الزوار الراغبين في مشاهدة هندسته المعمارية. يقول عبد العزيز العامري- مكتب السياحة في صنعاء: «أمر الإمام يحيى ابن حميد الدين، بإدخال إضافات مهمة أدخلت على القصر بعد أن توارثه عدد من الملوك اليمنيين، إذ يتميز القصر باختلاف واجهاته الأربع، في مقابل إعطاء كل نافذة أو شرفة من الداخل منظراً مغايرا للوادي المطلة عليه، ويتناغم القصر بأدواره السبعة مع التكوين الطبيعي للصخرة المقام عليه».


الشذروان

يؤكد الباحثون أن القصر منحوت من الصخرة نفسها، وبعد الدخول من بوابة القصر الرئيسة إلى الباحة الواسعة، التي يوجد بها عدة ملحقات تابعة للقصر، أبرزها جناح استقبال خارجي يدعى «الشذروان» عبارة عن مبنى منفصل قبالة القصر من الجهة الغربية، يتكون من مجلس صيفي للمقيل، له ساحة خاصة بها ثلاث نافورات للمياه، بينما الساحة مسيجة بنوافذ خشبية واسعة تطل على الوادي، يمكن إغلاقها وحجب الرؤية من الوادي لساحة المجلس، وبالقرب منه يوجد المطعم الرئيس وغرف الطبخ، وإلى يمين المجلس يوجد مبنى الإدارة ومقر المحكمة. فيما يقول عبد الكريم الصفي- المختص بشؤون العمارة في اليمن: «يستقبلك باب خشبي سميك، يفضي الدرج ثم جناح الاستقبال في الطابق الأول، ويتكون من صالة رحبة وبعض الغرف الملحقة، فيما يوجد في الطابق الثاني ردهة يخرج منها إلى خارج البناء الأساسي للقصر، بغية الوصول إلى رواق مكشوف منحوت في الصخرة وملتوٍ عليها، مع وجود قبور صخرية منحوتة تعود إلى ما قبل التاريخ، وينتهي الممر بغرف قديمة النحت، لها نوافذ مطلة على الوادي، استخدمت للحراسة والقنص، لصعوبة تحديد مكانها من خارج الصخرة، وهذا الجزء من بقايا القصر السبئي، وغطي الجزء المكشوف من الممر، ببناء استخدم كمطبخ منفصل عن القصر». ويوضح الصفي قائلاً: «في منتصف الممر بين الغرف الصخرية والمطبخ توجد بئر بفتحتين، تشقان قلب الصخرة، لا يعرف تاريخ حفرهما، إحدى الفتحتين وهي الصغرى، تبدأ في هذا الممر وتنتهي بالتقائها بالفتحة الأساسية، فتواصل خمسين مترا تقريبا، أما الفتحة الأساسية فتواصل طريقها الى الأسفل بعد اعوجاج مسارها».


الدويدار

توجد قبل الطابق الثالث غرفة صغيرة كانت مخصصة لـ «الدويدار» وهي مفردة تركية تطلق على مستخدم دون سن الحلم، يقوم بخدمة المراسلة وجلب حاجيات نساء القصر، ولم يكن يسمح لأي رجل من الحراس بتجاوز غرفة «الدويدار» الى الأعلى نهائياً، كما يوجد في الطابق نفسه جناح كان مخصصا لوالدة الإمام، ويتكون من عدة غرف، كما توجد به خزانة محكمة، وينقسم الطابق الرابع إلى قسم خصص كجناح لولي العهد، به غرفة مربعة وخزنة كبيرة مرتفعة الفتحة، يمكن الوصول إليها من خلال سلم مبتكر، تغوص درجاته الخشبية في عمق الخزنة.


نساء القصر

أما القسم الثاني المبني على الصخرة، فخصص لغرف الجواري والخادمات، وفي الطابق ذاته توجد مطاحن الحبوب الحجرية «الرحى» كما توجد أيضاً الشرفة الظاهرة في الجهة الشرقية للقصر، وتسمى شرفة «المصبانة» وهي المكان المخصص لغسيل الملابس، توجد بها بركة صغيرة تتجمع فيها مياه الأمطار. وينقسم طريق الطابق الخامس إلى قسمين، قسم خاص يؤدي مباشرة إلى الطابق السادس، حيث الجناح الخاص بالإمام، دون أن يمر بالطابق الخامس المخصص مع جزء من السادس لأجنحة الحريم (نساء القصر)، ويتكون من عدة غرف للنوم وملحقاتها، مع مجلس واسع، نوافذه عبارة عن مشربيات لا تسمح بالرؤية من الخارج إلى الداخل.

 


جناح الإمام

يؤدي الدرج الخاص إلى جناح الإمام، المكون من غرفة ركنية مطلة على جهتي الشرق والشمال، لتوفر جواً بارداً خلال فصل الصيف، كما يوجد على أحد جدران الغرفة «بورتريه متخيل» للإمام يحيى بريشة فنان إيطالي، وتوجد غرفة صغيرة لها ثلاث نوافذ صغيرة، تسمى «الكمة» حيث كان الإمام يختلي فيها بنفسه للتفكير والكتابة، كما كان يحتفظ فيها بأوراقه المهمة. بينما يتكون الطابق السابع من مجلس واسع، وملحقات ومطبخ علوي وشرفة مكشوفة واسعة، ومسيجة بأشكال بيضاوية كنوافذ، منها ما يسمح بالرؤية بحرية، ومنها ما هو مخصص لإطلالة النساء، كما يوجد في زاوية الشرفة مكان مخصص للحمام الزاجل الذي كان يستخدم في المراسلات، مع توزع ثلاجات طبيعية للمياه في الأواني الفخارية في معظم الطوابق السبعة. تحيط بالقصر بعض المنازل كان يقطنها كاتب الإمام وحاشيته من الوزراء والحرس، إلى جانب مسجد صغير بناه وكتب عليه «بناه لله المتوكل على الله» وإلى الغرب منه يقبع حمام البخار الخاص بالإمام الذي كان يستخدمه في فصل الصيف.

تم نشر هذا المقال مسبقاً على سائح. لمشاهدة المقال الأصلي، انقر هنا