مشاريع المدن الذكية المتروكة والمحكوم عليها بالفشل

  • تاريخ النشر: منذ يوم زمن القراءة: 3 دقائق قراءة | آخر تحديث: منذ ساعة
مقالات ذات صلة
أغرب المدن الذكية في العالم: كيف ستدار بالكامل دون بشر؟
قمة أبوظبي للبنية التحتية 2025 تستشرف مستقبل المدن الذكية
حيوان ألبكة محكوم عليه بالإعدام ومظاهرات ضد رئيس الوزراء البريطاني

شهد العقد الأخير اندفاعًا عالميًا نحو إنشاء ما عُرف بـ المدن الذكية، بوصفها الحل النهائي لمشكلات الازدحام، والطاقة، والإدارة الحضرية. رُوِّج لهذه المشاريع باعتبارها مدن المستقبل، تعتمد على الأتمتة الكاملة، والذّكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية الشاملة. غير أن الواقع كشف أن عددًا كبيرًا من هذه المدن انتهى مهجورًا، أو شبه متوقف، رغم الاستثمارات الضخمة التي أُنفقت عليه.

تجاهل العامل البشري: الخطأ القاتل في المدن الذكية

يُعد تجاهل العامل البشري السبب الأبرز وراء فشل مشاريع المدن الذكية. فقد جرى تصميم مدن كاملة من منظور تقني بحت، دون فهم حقيقي لطبيعة الإنسان واحتياجاته الاجتماعية والنفسية. افتقرت هذه المدن إلى الروح، وإلى المساحات التي تُبنى فيها العلاقات، وإلى هوية ثقافية تجعل السكان يشعرون بالانتماء.
لا يسكن الناس مدينة لأنها ذكية فقط، بل لأنها تمنحهم معنى، وفرص عمل حقيقية، وشعورًا بالاستقرار. حين غابت هذه العناصر، تحولت المدن الذكية إلى هياكل حديثة بلا حياة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

تكاليف التشغيل المرتفعة: عبء يفوق التوقعات

اصطدمت مشاريع المدن الذكية بتكاليف تشغيل هائلة لم تكن محسوبة بدقة. أنظمة الطاقة الذكية، والصيانة الرقمية المستمرة، ومراكز البيانات العملاقة، تطلبت ميزانيات ضخمة للحفاظ على استمراريتها.
مع مرور الوقت، اكتشفت كثير من الحكومات أن إدارة مدينة ذكية أكثر كلفة من إدارتها التقليدية، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وتزايد الأعطال التقنية. أدى ذلك إلى تقليص الخدمات، أو إيقاف أجزاء كبيرة من البنية الذكية، ما أفقد هذه المدن جوهرها الأساسي.

أنظمة المراقبة الشاملة والخصوصية الرقمية

اعتمدت مدن ذكية كثيرة على أنظمة مراقبة متقدمة، تشمل الكاميرات الذكية، والتعرف البيومتري، والتتبع الرقمي المستمر. ورغم تبرير هذه الأنظمة بتحسين الأمن والخدمات، إلا أنها أثارت مخاوف مجتمعية واسعة تتعلق بالخصوصية والحرية الشخصية.
تصاعد الرفض الشعبي لهذه الممارسات، وبدأ السكان ينظرون إلى المدن الذكية بوصفها بيئات مراقَبة أكثر من كونها أماكن للعيش. هذا الرفض دفع كثيرين للعزوف عن الانتقال إليها، وأجبر الجهات المشغلة على تجميد أو إلغاء مشاريع كاملة.

غياب الاقتصاد المحلي وفرص العمل

أخفقت مشاريع المدن الذكية في بناء اقتصاد محلي حقيقي قادر على جذب السكان. ركزت الخطط على البنية التحتية الرقمية، وأهملت خلق وظائف مستدامة، أو دعم الأنشطة الاقتصادية التقليدية.
بدون فرص عمل واضحة، تحولت المدن الذكية إلى مساحات فارغة، يسكنها عدد محدود من الموظفين أو العاملين المؤقتين، بينما بقيت الشقق والمكاتب خاوية، ما سرّع من فشل هذه المشاريع.

مدن بلا سكان: من الحلم إلى المختبر

نتيجة لهذه العوامل مجتمعة، تحولت بعض المدن الذكية إلى ما يشبه المختبرات التقنية أو الواجهات الدعائية. تُستخدم لاختبار تقنيات جديدة، أو لاستقبال وفود رسمية، دون أن تكون مدنًا حقيقية نابضة بالحياة.
هذا التحول كشف فجوة عميقة بين الخطاب التسويقي للمدن الذكية، والواقع العملي لتشغيلها وإدارتها.

دروس مستفادة من فشل المدن الذكية

تؤكد تجربة المدن الذكية المتروكة أن التكنولوجيا وحدها لا تصنع مدينة ناجحة. التخطيط الحضري يحتاج إلى فهم الإنسان أولًا، وسلوكه، واحتياجاته، وثقافته. الذّكاء الاصطناعي والبنية الرقمية أدوات مساعدة، لا بدائل عن المجتمع الحي.
مهما بلغ مستوى التطور التقني، فإن أي مدينة تُبنى دون الإنسان محكوم عليها بالفشل، عاجلًا أم آجلًا.