لماذا يتذكّر بعض الأشخاص تفاصيل لا يمكن تفسيرها علمياً؟

  • تاريخ النشر: منذ يومين زمن القراءة: دقيقتين قراءة | آخر تحديث: منذ ساعة
مقالات ذات صلة
5 أحلام شائعة تطاردك باستمرار وهذا هو تفسيرها
أكثر 10 أحلام شيوعاً وتفسيرها
الناجية الوحيدة من الصواعق التي قتلت 3 أشخاص تروي تفاصيل الحادث المروع

يثير تذكّر بعض الأشخاص لتفاصيل دقيقة، أو مشاهد لم يعيشوها بوضوح، أو أحداث لا يملكون لها تفسيرًا منطقيًّا، دهشة العلم وحيرة الفلسفة معًا. فبينما يضع العلم أطرًا صارمة لفهم الذاكرة البشريّة، تظهر حالات تتجاوز هذه الأطر، وتفتح باب التساؤل حول حدود العقل، وما إذا كانت الذاكرة مجرّد سجلّ عصبيّ، أم منظومة أكثر تعقيدًا ممّا نتصوّر.

الذاكرة البشريّة ليست تسجيلًا حرفيًّا

يفترض كثيرون أنّ الذاكرة تعمل كآلة تصوير، تحفظ الأحداث كما وقعت. غير أنّ الأبحاث العصبيّة تُظهر أنّ الذاكرة عمليّة إعادة بناء لا استرجاع. يعيد الدماغ تركيب التفاصيل في كلّ مرّة نستدعي فيها ذكرى ما، متأثّرًا بالعاطفة، والتجربة، والسياق الزمنيّ. في بعض الحالات، ينتج عن هذه العمليّة تفاصيل تبدو حقيقيّة تمامًا، رغم أنّها لم تُعش بالشكل الذي يتصوّره الشخص.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

فرط الذاكرة: حين يتجاوز العقل المعتاد

يعاني بعض الأفراد ممّا يُعرف بفرط الذاكرة، وهي قدرة نادرة على تذكّر تفاصيل يوميّة دقيقة تعود لسنوات طويلة. يستطيع هؤلاء استرجاع تواريخ، وحوارات، ومشاعر لحظيّة بدقّة مذهلة. ورغم أنّ هذه الحالة موثّقة علميًّا، فإنّ آليّتها العصبيّة لا تزال غير مفهومة بالكامل، ما يجعلها أقرب إلى لغز علميّ مفتوح.

دور الخيال واللاوعي

يملك العقل البشريّ قدرة هائلة على ملء الفراغات. ففي حالات التوتّر، أو الصدمات النفسيّة، أو العزلة، ينشط اللاوعي في إنتاج صور وذكريات مركّبة، تمزج بين ما عايشه الفرد، وما سمعه، وما تخيّله. ومع تكرار استدعاء هذه الصور، تتحوّل إلى ذكريات راسخة يصعب التمييز بينها وبين الواقع.

الذاكرة العاطفيّة وتأثيرها العميق

تلعب العاطفة دورًا محوريًّا في تثبيت الذكريات. فالأحداث المرتبطة بمشاعر قويّة، كالخوف أو الفقد أو الدهشة، تُخزَّن في الدماغ بشكل أعمق. أحيانًا، تُستعاد هذه الذكريات مصحوبة بتفاصيل إضافيّة لم تكن موجودة أصلًا، لكنّ شدّة الشعور تمنحها إحساسًا بالحقيقة المطلقة.

التفسيرات الثقافيّة والروحيّة

في بعض الثقافات، يُفسَّر تذكّر تفاصيل غير مفسَّرة علميًّا على أنّه حدس، أو ذاكرة روحيّة، أو أثر من تجارب سابقة. ورغم أنّ العلم لا يدعم هذه التفسيرات بشكل تجريبيّ، فإنّ حضورها الثقافيّ القويّ يؤثّر في طريقة فهم الأفراد لتجاربهم، ويمنحها معنى يتجاوز التفسير العصبيّ البحت.

أين يقف العلم اليوم؟

يعترف العلم بحدود معرفته فيما يتعلّق بالذاكرة. فالعقل البشريّ لا يزال أحد أكثر الأنظمة تعقيدًا وغموضًا. وبين الخلايا العصبيّة، والكيمياء الدماغيّة، والتجربة الذاتيّة، تظهر ظواهر لا يمكن تفسيرها بسهولة، ما يدفع الباحثين إلى إعادة النظر في كثير من المسلّمات.

لا يعني تذكّر تفاصيل لا يمكن تفسيرها علميًّا أنّها خارقة بالضرورة، ولا أنّها وهم كامل. بل قد تكون انعكاسًا لتعقيد العقل الإنسانيّ، وحدود ما نعرفه عنه حتّى الآن. وبين العلم والذات، تبقى الذاكرة مساحة رماديّة، تحمل من الدهشة بقدر ما تحمل من الأسئلة، وتذكّرنا بأنّ الإنسان لم يفهم نفسه بعد فهمًا كاملًا.