كُتّاب فقدوا عقولهم أثناء الكتابة: عندما يتحول الإبداع إلى لعنة
في تاريخ الأدب، لا تظهر الجنون بوصفه عارضًا طارئًا فحسب، بل كقوّةٍ خفيّةٍ تسلّلت إلى عقول بعض الكُتّاب وهم يكتبون، فالتهمت توازنهم ببطء، حتى اختلط النصّ بالعقل، والخيال بالواقع. وفيما يلي قصص حقيقيّة وشبه موثّقة لكُتّاب فقدوا عقولهم أثناء الكتابة أو بسببها:
ما بين العبقرية والجنون: كُتّاب خسروا عقولهم وهم يكتبون
فريدريش نيتشه: حين كتب الفلسفة حتى انكسرت الروح
بدأ نيتشه يكتب كما لو أنّه يطارِد فكرةً تهرب منه إلى الأبد. في سنواته الأخيرة، تسارعت كتاباته، وازدادت حدّتها، وامتلأت بنبرة نبوئيّة غامضة. عام 1889، انهار عقليًّا في أحد شوارع تورينو، بعد أن احتضن حصانًا كان يُضرَب. بعدها، صمت قلمه إلى الأبد، وقضى آخر 11 عامًا من عمره غارقًا في الجنون. يرى كثيرون أنّ الكتابة المكثّفة لفكرة “الإنسان الأعلى” لم تكن مجرّد فلسفة، بل صراعًا داخليًّا التهم صاحبه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
إدغار آلان بو: الرعب الذي تسلّل إلى العقل
لم يكن بو يكتب عن الجنون من بعيد؛ بل كان يعيش في قلبه. قصصه عن الهلوسة، والضمير المذنب، والعقول المنكسرة، لم تكن خيالًا صرفًا. أثناء كتابته أشهر نصوصه، كان يعاني الفقر، والإدمان، ونوبات الاكتئاب الحاد. في سنواته الأخيرة، صار يهذي، ويختفي أيّامًا، قبل أن يُعثَر عليه عام 1849 في حالة ذهول تام، ليموت بعدها أيّامًا دون تفسير قاطع. الرعب الذي صنعه أدبيًّا ارتدّ إليه عقليًّا.
فرجينيا وولف: الكتابة كمعركة يوميّة مع الأصوات
كانت وولف تسمع أصواتًا، وترى الطيور تتكلّم باليونانيّة، كما كتبت في مذكّراتها. ومع ذلك، كانت تكتب بوعيٍ مذهل. أثناء عملها على رواياتها، كانت تمرّ بنوبات انهيار عقليّ حاد، تعقبها فترات صفاء إبداعي استثنائي. في النهاية، أدركت أنّ الكتابة لم تعد تنقذها، فاختارت أن تُنهي حياتها عام 1941. العقل الذي منح الأدب أحد أكثر أساليبه حداثة، لم يحتمل ثمن هذا العمق.
نيكولا غوغول: حين التهم النصّ صاحبه
كتب غوغول الجزء الأوّل من الأرواح الميتة بعبقريّة، لكن أثناء محاولته كتابة الجزء الثاني، تغيّر كلّ شيء. صار يرى في كتابته خطيئة، وفي نفسه كائنًا فاسدًا. دخل في نوبات هوس ديني، وأحرق مخطوطاته بيده، ثم امتنع عن الطعام، ومات بعدها بوقت قصير. النصّ الذي أراد تطهير المجتمع، انتهى بتدمير عقل كاتبه.
سيلفيا بلاث: القصيدة التي ابتلعت الشاعرة
كانت بلاث تكتب قصائدها الأخيرة وكأنّها رسائل وداع. أثناء تأليف ديوانها آرييل، بلغت الكتابة حدًّا لم يعد يُحتمل نفسيًّا. الكلمات كانت حادّة، عارية، قاسية على القارئ… وعلى الشاعرة نفسها. بعد اكتمال النصوص، انهارت، وانتهت حياتها عام 1963. الإبداع بلغ ذروته، والعقل لم يحتمل البقاء بعدها.
لم يفقد هؤلاء الكُتّاب عقولهم لأنّهم ضعفاء، بل لأنّهم ذهبوا أبعد ممّا يحتمله العقل البشري. الكتابة، حين تتحوّل من تعبير إلى استنزاف، تصبح خطرًا حقيقيًّا. فبعض النصوص لا تُكتَب بالحبر، بل بالأعصاب، والذاكرة، والصحّة العقليّة نفسها.