علم البلاغة، تاريخه واستخداماته وأقسامه

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأربعاء، 08 فبراير 2023

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
هكذا غرد موظفو الأقسام المفصولة بالكامل من تويتر
فيديو فوائد موز الجنة واستخداماته
دليلك الشامل حول فوائد الريحان واستخداماته

لم تخلُ قصيدةٌ من قصائد شعراء الجاهلية من البلاغة، كما يمكن القول إن الشعراء الجاهليين كانوا أمهر من استخدم الأدوات البلاغية.

إلا أن أسس البلاغة كعلم لم تبصر النورَ إلا بعد ظهور الإسلام، وفي العصر العباسي أصبحت البلاغة علماً لغوياً قائماً بذاته، تفرع عنه ثلاثة علوم أساسية هي:

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

  1. علم البديع.
  2. علم البيان.
  3. علم المعاني.

ولكل أسسه وأقسامه التي سنتعرف عليها في هذا المقال.

 

للبلاغة جذور في الشعر الجاهلي نضجت في العصر العباسي

لم ينشأ كل علم من علوم البلاغة منفصلاً عن الآخر، كما أن علم البلاغة تطور مع الزمن، وإن كانت جذوره موجودة في قصائد الشعراء الجاهليين.

إلا أن البلاغة كعلم بدأ الاعتناء به مع ظهور الإسلام، وساهمت عدة عناصر في تطور هذا العلم، منها تحضر العرب واستقرارهم في المدن ونهضتهم العقلية.

بالإضافة إلى الجدل الكبير الذي قام بين الفرق الدينية والذي كان سبباً في تدوين الملاحظات البلاغية فيما بعد.

تطور علم البلاغة بشكلٍ كبير في العصر العباسي، وكان يطلق عليه اسم علم البيان، ومن البلاغيين الذين أطلقوا على البلاغة هذا الاسم ابن وهب صاحب كتاب "البرهان في وجوه البيان".

وابن الأثير صاحب كتاب "المثل السائر"، والبلاغيون أنفسهم أقروا هذه التسمية بقولهم:

"إن تسمية جموع علوم البلاغة بعلم البيان يرجع إلى أن معنى البيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير، ولا شك أن العلوم الثلاثة - المعاني والبيان والبديع - لها تعلق بالكلام الفصيح المذكور".

ويقول بدوي طبانة (وهو من علماء اللغة البارزين في مصر عاش بين 1914 و 2000 ميلادي):

"إن المتقدمين كانوا يسمون علم البلاغة وتوابعها بعلم نقد الشعر، وصنعة الشعر، ونقد الكلام".

وفيه ألف أبو هلال العسكري (شاعرٌ وأديب، له العديد من المؤلفات الأدبية والنقدية، عاش بين 920 ميلادي و 1005 ميلادي) كتاباً سماه "الصناعتين" يعني بذلك النظم والنثر.

وألف قدامة بن جعفر (من مشاهير البلغاء وعلماء اللغة والفلاسفة في عصره، عاش بين 873 و948 ميلادي) كتاباً سماه "نقد الشعر".

أما أول من تناول علوم البلاغة بالبحث فهو الجاحظ من خلال كتابه "البيان والتبيين"، لكن تناوله لها كان بسيطاً وغير منظم، من المسائل التي تناولها:

  • الكلام على صحة مخارج الحروف، ثم على العيوب التي يسببها اللسان أو الأسنان أو ما قد يصيب الفم من التشوه.
  • سلامة اللغة، الصلة بين الألفاظ والعيوب الناجمة من تنافر الحروف.
  • الجملة والعلاقة بين المعنى واللفظ، ثم على الوضوح والإيجاز والإطناب والملاءمة بين الخطابة والسامعين لها والملاءمة بين الخطبة وموضوعها.
  •  هيئة الخطيب وإشاراته.
 

الجرجاني والزمخشري وضعا الأسس العلمية للبلاغة

وضع عبد القاهر الجرجاني (من أشهر علماء اللغة الفارسيين، له العديد من المؤلفات فيما يخص البلاغة والأدب، عاش بين 1009 و1078 ميلادي نظريتي علم المعاني وعلم البيان بشكل منظمٍ ووافٍ.

والجدير بالذكر أن هذين العلمين لم يطرحا بشكل نظرية محددة الجوانب إلا على يديه وقد عرض الأولى في كتاب دلائل الإعجاز، والثانية في كتاب أسرار البلاغة.

كان بحثه لهذين العلمين بحثاً علمياً، ونظرته فنية، بينما كان اهتمام من سبقه بأبواب البلاغة لأنها أبواب ذات شأن كبير من أبواب علم الأدب.

ولا يعنون فيها بشرح مفصل وعلمي، وهو ما فعله في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، فأملى فيهما القواعد، ووضع الأمثلة والشواهد.

وكان بهذا أول من وضع أسس الطريقة التقريرية في تدوين هذه المسائل فصارت بها أقرب إلى الفلسفة منها إلى الأدب.

لكن الفصل بين العلوم البلاغية الثلاث البيان والبديع والمعاني لم يتوضح عنده إذ كان يمزج ما بينها، فنلاحظ أنه تقترن بكلمة البيان في دلائل الإعجاز كلمتا الفصاحة والبلاغة وكأنها جميعها ذات دلالة واحدة،.

كما يقول في موضع من كتابه أسرار البلاغة:

"وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع".

فكأنما يعتبر الاستعارة قسماً من أقسام البديع، فقد كان يرى علوم البلاغة علماً واحداً تتشعب أبحاثه، إلى أن جاء الزمخشري:

وهو عالم حديث وتفسير وبلاغة ونحو، عاش بين عامي 1074 و 1143 ميلادي فألف في البلاغة كتابه "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل".

يقول الأديب والناقد المصري شوقي ضيف في كتابه (البلاغة تَطَورٌ وتاريخ):

"إنه لم يعد هناك إبداع بالبلاغة بعد الجرجاني والزمخشري وإنما كانت مرحلة جمع وتصنيف وتعقيد وفصل للبلاغة عن الأدب".

كما سمى هذه المرحلة بمرحلة الجمود في البلاغة.

 

أسباب اهتمام العرب بعلم البلاغة

لقد تناول العرب البلاغة بالبحث والدراسة لسببين:

1. أسباب فنية

بمثابة إرشاد وتعليم للذين يريدون الإصابة في القول، ورسماً ومنهجاً للخطباء ورجال الفرق المذهبية ودعاة المذاهب السياسية الذين يتصدرون للكلام أمام الجموع الكثيرة.

ومن ثم صارت وسيلةً لتمييز جيد الكلام من رديئه وإظهار مواطن الجمال في الأدب، ومن البلاغيين الذين بحثوا في هذا العلم تأدية لهذا الغرض ابن طباطبا (كاتب وشاعر من مواليد أصفهان).

الذي ألف كتاب عيار الشعر وبحث فيه صناعة الشعر والميزان الذي به تقاس بلاغته، بالإضافة إلى قدامة بن جعفر الذي ألف كتاب نقد الشعر.

2. أسباب دينية

بعد نزول القرآن الكريم ببلاغته ولغته الجزلة بدأ العرب بدراسة أسرار هذه البلاغة، بما فيها من براعة في التركيب والتصوير وسلامة في الألفاظ وعذوبة وسهولة وجزالة.

ليبرهنوا على إعجاز القرآن الكريم وليستوضحوا أحكامه ويتفهموا معانيه، من الكتب التي ألفت في البلاغة تأدية لهذا الغرض: إعجاز القرآن للباقلاني، النكت في إعجاز القرآن للرماني، دلائل الإعجاز للجرجاني.

 

للبلاغة ثلاثة علوم أساسية أولها علم البديع

هو علم تعرف من خلاله وجوه تحسين الكلام بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال، ووضوح دلالته لخلوه من التعقيد المعنوي، أما وظيفته فهي مساعدة الأديب أو الشاعر والكاتب في التعبير عما في نفسه.

وبطريقة تفيد من طاقات الألفاظ في المعنى وفي الصورة أو في جرس الأصوات وإيحاءاتها، وأول من وضع أسس علم البديع كعلم منفرد هو الخليفة والأديب العباسي عبدلله ابن المعتز.

يقسم البديع إلى قسمين أساسيين، هما:

  • البديع اللفظي (المحسنات اللفظية): هي المحسنات التي تهدف إلى تحسين اللفظ.
  • البديع الحسي أو البديع المعنوي (المحسنات المعنوية): هي المحسنات التي تهدف إلى تحسين المعنى.

من أشهر أنواع البديع اللفظي:

  • الجناس: هو تشابه الكلمات في اللفظ واختلافها في المعنى، ويقسم إلى نوعين:
  1. تام: يكون التشبيه تاماً، عندما لا تختلف الكلمات بعدد الحروف أو الترتيب، مثل كلمتي قِسم، وقَسَم.
  2. ناقص: هو ما تتشابه فيه الحروف بين الكلمتين مع اختلاف في ترتيبها، مثل كلمتي علم وعمل.
  • السجع: هو توافق الحروف الأخيرة للكلمات في النثر، مثال ذلك المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمذاني، ونذكر جزءاً منها:

"اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْد".

أما البديع الحسي فيقسم إلى:

  • الطباق: هو الجمع بني الضدين أو بين الشيء وضده في النثر أو الشعر.

كالجمع بين:

  • اسمين متضادين مثل: النهار والليل، البياض والسواد، الحسن والقبح، الشجاعة والجبن.
  • فعلين متضادين مثل: يظهر ويبطن، يسعد ويشقى، يعز ويذل، يحيي ويميت.
  • الجمع بين حرفين: فلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

ويقسم الطباق إلى:

  1. طباق إيجابي: هــو مــا يصرح فيــه بإظهــار الضــدين، أو هــو مــا لا يختلف فيه الضدان إيجاباً وسلباً، مثل نحو قوله تعـالى: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات).
  2. الطباق السلبي: هو ما لم يصرح فيه بإظهار الضدين، مثل قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك﴾.
  • التورية: هي أن يذكر لفظ له معنيان؛ أحدهما قريب ظاهر غير مراد، والثاني بعيد خفي هو المراد كقول الشاعر:

أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق... ومن العجائب لفظهـا حر ومعناها رقـيـق

 

ثاني علوم البلاغة هو علم المعاني

علم المعاني يبحث في كيفية مطابقة الكلام لمقتضى الحال، بالتالي يشكل الطريق التي يجب أن يسلكها الأديب للوصول إلى هذه الغاية.

وهنا يتوجب على الأديب أن يخاطب كل مقام بما يفهم، وإلا ضاعت الغاية وذهبت الفائدة، يعد الشيخ عبد القاهر الجرجاني أول من وضع أسس علم المعاني.

أقسام علم المعاني هي:

  • الإنشاء والخبر: فالجملة الإنشائية هي الجملة التي لا يصح فيها التكذيب، أما الجملة الخبرية فهي الجملة التي يصح فيها التصديق والتكذيب، وللجملة الخبرية ثلاثة أنواع:
  1. الخبر الابتدائي: فيه تكون الجملة خالية من أي توكيد، مثال: حملت روحي على راحتي.
  2. الخبر الطلبي: تحتوي الجملة فيه على مؤكد واحد من أحد المؤكدات في اللغة العربية وهي: (إنّ، أنّ، لام الابتداء، نون التّوكيد الخفيفة، نون التّوكيد الثقيلة، اللّام التي تقع في جواب القسم، قد)، مثال: إني حملت روحي على راحتي.
  3. الخبر الطلبي: تحتوي الجملة فيه على مؤكدين وأكثر، لأكيدنَّ أصنامكم.

أما الإنشاء، فله عدة أنواع وهي:

  1. الأمر: مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾.
  2. النهي: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بعضاً.
  3. النداء: ألا يا عباد الله قوموا لتسمعوا خصومة معشوقين يختصمان.
  4. التمني: ألا ليت الشباب يعود يوماً.... فأخبره بما فعل المشيب.
  5. التعجب: فيا لك من ليل تقاصر طوله و ما كان ليلي قبل ذلك يقصر.
  6. الاستفهام: هل تنكر الحق؟
  • الإسناد: هو ضم كلمة أو ما يجري مجراها إلى أخرى ليفيد بأن مفهوم إحداهما (وهو المحكوم به) ثابت أو منفي من مفهوم الأخرى (وهو المحكوم عليه)، يسمى المحكوم به مسنداً، والمحكوم عليه مسنداً إليه، وتسمى النسبة بينهما إسناداً. هذا المثال يوضح ذلك:

مثلاً كلمةُ "الصدق" وحدها تعني قول الحق وهو معنى غير تام، وكلمة "مَنجاة" تعني "الخلاص" وهو معنى غير تام أيضاً، إلا أننا بضم الكلمتين إلى بعض في قولنا الصدقُ مَنجاةٌ نكون قد أتممنا المعنى المُراد

وذلك بحكم مُثبت أقمناه على الصدق بأنه منجاة ووجود الحكم يعني وجود محكوم عليه ومحكوم به.

أما النفي فكما يوضح المثال التالي: ليس الكذبُ بمنجاةٍ.

إننا بضم كلمات هذه الجملةِ بعضها نكون قد خَلصنا إلى معنى تام، وذلك بحكم منفي أقمناه على الكذبِ بأنه ليس بمنجاةٍ.

  • الإيجاز والإطناب والمساواة: إن كل المعاني التي يعبر عنها لفظاً، يعبر عنها بإحدى هذه الطرق الثلاث: الإيجاز أو الإطناب أو المساواة.
  1. الإيجاز: هو تأدية المعنى المراد بأقل عدد ممكن من الألفاظ.
  2. المساواة: هي أن يكون اللفظ مساوياً للمعنى دون زيادة أو نقصان.
  3. الإطناب: هو التعبير عن المعنى بألفاظ زائدة عنه بقصد الفائدة.
  • الفصل والوصل: الوصل هو أن يقصد التشريك بين الجملتين في الحكم مع وجود جهة جامعة بينهما، ومن هذه الحالة يؤتى بالواو؛ ليدل العطف على التشريك في الحكم الإعرابي.

أما الفصل فهو أن لا يقصد إشراك الجملة الثانية مع الجملة الأولى في حكم الإعراب، لذلك يتم الفصل بينهما، ويمكن القول إن الوصل عطف الشيء على الشيء بالواو، والفصل ترك عطفه بالواو.

ويجب الوصل في موضعين:

  1. إذا اتفقت الجملتان خبرًا أو إنشاءً، وكان بينهما جهة جامعة (أي مناسبة تامة)، ولم يكن مانع من العطف، نحو: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ).
  2. إذا أوهم ترك العطف خلاف المقصود، كما إذا قلت: "لا، وشفاه الله" جواباً لمن يسألك: "هل برأ علي من المرض؟" فترك الواو يوهم الدعاء عليه، وغرضك الدعاء له.
 

ثالث علوم البلاغة هو علم البيان

نشأ علم البيان نتيجة تطور الأدب وشعر والنثر في العصر العباسي، حيث لعب الامتزاج الثقافي دوراً في ذلك، وكان لكتاب الجاحظ "البيان والتبين" الدور الأساسي في تبلور علم البيان ونشوئه ونضوجه بشكلٍ فعلي.

حيث تحدث عن التشبيه والاستعارة في كتابه، وكان أول من قسم الألفاظ إلى قسمين، حقيقة ومجاز (أطلق عليه اسم المثل)، فهو يقول:

يتحدث البعض قائلاً: نار الحرب، والمقصود بها ويلات الحرب، فهي ليست النار الحقيقية وإنما هي مثل أو مجاز، وهو ما يقابل الحقيقة"

وأهم أركان علم البيان:

المجاز: هو خروج اللفظ عن دلالته إلى دلالة أخرى على نحو ما بين الدلالتين.، وأهم أنواع المجاز:

  • المجاز اللغوي: هو استعمال اللفظ ليؤدي معنىً يختلف عن معناه الحقيقي.، مثال قوله تعالى في سورة البقرة: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ)، فالأصابع هي الأنامل هنا؛ لأن الأنملة تشمل فقط المفصل الأعلى من الإصبع والذي يحمل الظفر، وهو ما يمكن أن تسد به الأذن، وليس الإصبع كاملاً، لكن قيلت مجازاً، وأيضاً قول الشاعر أبو التمام مادحاً: "يا ابن الكواكب من أئمة هاشم ... والردح والأحساب والأحلام"، الكواكب، مجاز لغوي، حيث استخدمت الكلمة بغير موضعها، فيقصد بها آباء الممدوح، ليدل على عظمتهم.
  • المجاز العقلي: وهو إسناد، أي إسناد معنى إلى لفظ، وفعلياً لا يؤدي اللفظ المعنى حقيقةً. ومن أشكال المجاز العقلي:
  1. الإسناد إلى الزمان، مثال ذلك قول الشاعر طرفة بن العبد: "ستبدي لك الأيامُ ما كنت جاهلاً... ويأتيك بالأخبارِ من لم تزودِ"، والمجاز هنا في عبارة ستبدي لك الأيام، فالأيام لا تبدي وإنما حوادث الأيام هي التي تبدي، لكن للعلاقة الزمانية بين الفعل والأيام أسند الفعل إلى الأيام.
  2. الإسناد إلى المكان، كالقول تجري الأنهار، فالأنهار لا تجري وإنما المياه بداخلها هي التي تجري.
  3. الإسناد إلى السبب، مثال قول المتنبي: "والهم يخترم الجسيم نحافةً....ويشيبُ ناصية الصبي فيهرم"، فالهم ليس من يخترم، بل المرض الذي يسببه الهم وهو من يهلك الجسد، لكن العلاقة السببية بين الهم والمرض أعطت المجاز.
  4. الإسناد إلى المصدر وهو إسناد الفعل إلى مصدره.

الاستعارة: هي تسمية الشيء بغير اسمه إذا قام مقامه، وهي تشبيه حذف أحد طرفيه، وأهم أنواع الاستعارة:

  1. الاستعارة المكنية: هي إلصاق صفة شيء بشيء آخر وحذف المشبه مع إبقاء صفة من صفاته تدل عليه، مثلاً: قول الشاعر عنترة يصف جواده: "فازور من وقع القنا بلبانه... وشكا إلي بعبرةٍ وتحمحم"، الاستعارة المكنية هنا شكا، فالجواد لا يشتكي إنما الإنسان هو الذي يشتكي، فاستعار صفة الاشتكاء وألصقها بالجواد.
  2. الاستعارة التصريحية: هي ما صرح فيها بلفظ المشبه به أو ما استعير فيها لفظ المشبه به (تشبيه بليغ حذف منه المشبه به)، مثال قول المتنبي واصفاً سيف الدولة الحمداني: "أقبل يمشي في البساط فما درى...إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي"

التشبيه: للتشبيه أركانٌ أساسية، هي: 

  1. المشبه: وهو الموصوف.
  2. المشبه به: وهو ما يشبه به الاسم لوجود اشتراك بينهما في صفة من الصفات.
  3. أداة التشبيه: إما أن تكون حرفاً مثل (ك)، أو اسماً مثل (شبيه)، أو فعلاً مثل (يشبه).
  4. وجه الشبه: وهو ما يشترك به من صفات كل من المشبه والمشبه به.

أولاً: التشبيه المفرد:

يقسم التشبيه المفرد عند وصف شيء معين بشيء آخر إلى عدة أنواع تبعاً لوجود أركانه من عدمها، وهي:

  • التشبيه التام: وهو الذي تكون أركانه كاملة، أي أنه يحتوي على المشبه والمشبه به ووجه الشبه وأداة التشبيه. مثال: أنت كالبحر في السماحة والشــمس في العلو والبدر في الإشراق.
  • التشبيه المؤكد: هو التشبيه الذي حذفت منه أداته، كقول المتنبي: أين أزمعت أيهذا الهمامُ...نحن نبت الربا وأنت الغمامُ.
  • التشبيه المجمل: هو التشبيه الذي غاب عنه وجه الشبه، مثل: كأن إيماض السيوف بوارق...وعجاج خيلهم سحاب مظلم.
  • التشبيه البليغ: هو التشبيه الذي غاب عنه وجه الشبه وأداته، مثل العلم نور، أو قفز معاذ قفزة حصان، كما يطلق على التشبيه الذي يحتوي أداة التشبيه تشبيهاً مرسلاً، والشبيه الذي يبيّن وجه الشبه تشبيهاً مفصّلاً: أنت شمس والملوك كواكب. اذا طلعت لم يبد منهن كوكب.

ثانياً: التشبيه المركب:

في هذا النوع من التشبيه يتم تشبيه صورة بصورة أخرى وينقسم إلى:

  • التشبيه التمثيلي: وهو ما يكون فيه وجه الشبه مأخوذ من عدة صور تشترك مع صور أخرى بنفس الأمر كقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة)، وفي هذه الآية الكريمة (أجر من تصدق في سبيل الله بأمواله، كالسنبلة الواحدة التي تنبت حبات عديدة)، ووجه الشبه هو المضاعفة.
  • التشبيه الضمني: هو التشبيه الذي يصف حالة دون ذكر أداة التشبيه، بل يترك كلمات تدل عليها كقول الشاعر: (من يهن يسهل الهوان عليه ...... ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ).
  • التشبيه المقلوب: هو نوع يستخدم في المديح والوصف، وهو أن يتم قلب المشبه بالمشبه به، فيشبه الأقل بالأكثر، كقول البحتري: "في طلعة البدر شيءٌ من محاسنها...وللقضيب نصيبُ من تثنيها".

أخيراً.. على الرغم من استخدام البلاغة بأقسامها وأدواتها من قبل الشعراء الجاهليين، لكنها كعلم لم تنضج بشكلها الكامل إلا في العصر العباسي.

بعد ذلك يصدق قول شوقي ضيف بأنها توقفت عند الأمور التي قدمها لها علماء اللغة في ذلك العصر، ولا يتوقف الأمر على الإلمام بأدوات علوم البلاغة.

إنما النقطة الأساسية هي معرفة الاستخدام الدقيق لتلك الأدوات وعدم إقحامها على النص كنوعٍ من البهرجة والتكلف.