الحمام الزاجل واستخداماته القديمة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأربعاء، 15 فبراير 2023

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
رجل تركي يستخدم الحمام الزاجل للتواصل مع زوجته!
فيديو قديم لـ فاتن حمامة تتحدث الفرنسية بطلاقة ولطافة مميزة
الحمام المغربي

الحمام الزاجل (Homing Pigeon) هو نوع من الطيور الأهلية أو المدجنة (التي تخضع لسيطرة البشر لتحقيق مكاسب منها كالدجاج مثلاً)، وينحدر من سلالة الحمام البري (Rock Pigeon)، استأنسه البشر لقدرته الفطرية المميزة على العودة إلى مكان عشه، وتبلغ سرعته وسطياً حوالي 80 كيلو متراً بالساعة وقد يقطع ما يقارب مسافة 1800 كيلو متراً؛ وهذا الذي دفع الناس إلى استخدامه في نقل رسائلهم.

 

لمحة تاريخية عن الحمام الزاجل

إن تاريخ استخدام الحمام الزاجل ضاربٌ في القدم، فأول من استخدم الحمام الزاجل كان النبي نوح (عليه السلام) كما ورد في الديانات الإبراهيمية كذلك أول رسم يعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد، كما أن الشاعر اليوناني أناكريون (Anacreon) الذي عاش منذ 2000 سنة وصف الحمام بأنه الرسول الذي يحمل رسائل الحب إلى محبي الشاعر، وضحى رمسيس الثالث ب57 ألف حمامة قرباناً للإله آمون.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

أما بالنسبة للرومان القدماء فكان الحمام الزاجل وسيلة لإخبار الفائزين بنتائج رهاناتهم في سباقات العربات، وأنشأ جنكيز خان (إمبراطور مغولي ومؤسس الإمبراطورية المغولية) نظام بريد متتابع يعتمد على الحمام الزاجل، حيث تقوم أكثر من حمامة بالاشتراك في إيصال الرسالة.

كما أن الحمام الزاجل لعب دوراً كبيراً في زيادة ثروة عائلة روتشيلد حيث أوصل له معلومات عن انتصار بريطانيا على فرنسا في معركة واترلو (التي انتهت بنفي الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت)، فقام باحتكار سوق الأوراق المالية، مما أدى لزيادة ثروته بشكل كبير.

 

معلومات عامة عن الحمام الزاجل

  • تعود أصول الحمام الزاجل إلى كل من قارة أوروبا، شمال أفريقيا، آسيا.
  • للحمام الزاجل العديد من الأنواع والتي قد تصل إلى 350 نوعاً أشهرها الحمام البري (Feral Pigeon).
  • يعيش الحمام الزاجل في المناطق الساحلية والجبلية وقد يتواجد في أماكن تواجد البشر بكثافة عالية كالمدن.
  • يتواجد في جميع أنحاء العالم باستثناء القطبين المتجمدين والصحراء الكبرى (أكبر صحراء حارة في العالم تشغل غالبية مساحة شمال أفريقيا).
  • طول الفرد البالغ من الحمام بين (32-37) سنتيمتراً، وامتداد الجناحين يتراوح بين (64-72) سنتيمتراً، لون الرأس رمادي غامق مزرق، أما بالنسبة لمنطقة العنق والصدر فهي تميل إلى الأخضر الممزوج بالأحمر الأرجواني، وأجنحة بيضاء عليها حلقات سوداء، كذلك الأمر بالنسبة للجسم فهو يتلون باللونين الأبيض والأسود، بالإضافة للقزحية البرتقالية أو الحمراء.
  • يتكاثر الحمام الزاجل طوال السنة، إلا أن عملية التكاثر تبلغ ذروتها في الربيع والصيف.
  • يعد الحمام الزاجل من الكائنات أحادية الزوج (أي أنها تمتلك زوج واحد يكون شريك حياتها).
  • تضع الأنثى بيضتين بعد كل تزاوج، ويقوم كل من الأبوين برعايتهما لفترة تتراوح بين (17-19) يوماً.
  • تستطيع أنثى الحمام أن تضع البيض بعد بلوغها عمر الستة أشهر.
  • يعتمد الحمام الزاجل في نظامه الغذائي على الحبوب بشكل رئيسي، إلا أن بعض الأنواع البرية تكيفت مع تناول الفواكه والحشرات وبعض الزواحف الصغيرة، كما قد يتناول الحمام الذي يعيش في المدن من بقايا ما يخلفه البشر.
  • يشرب الحمام الماء عن طريق المص، فكما أغلب الطيور تتناول الماء وترجع رأسها إلى الخلف لتسهيل عملية البلع.
  • يعيش الحمام الزاجل ما بين (3-5) سنوات وقد يصل عمره إلى 15 سنة، هذا يتوقف على الكثير من العوامل التي قد تهدد حياته وأهمها المفترس الطبيعي للحمام وهو الصقر.
 

يتميز الحمام الزاجل بالكثير من الخصائص

  • يطير الحمام إلى ارتفاع 1829 متراً وقد يبلغ ارتفاعاً أعلى.
  • تبلغ سرعة الحمام أثناء الطيران ما يقارب 125 كيلومتراً في الساعة وسطياً، وقد تم تسجيل سرعة 149 كيلومتراً في الساعة.
  • يمكن أن يقطع الحمام مسافة (966-1127) كيلومتراً في اليوم الواحد، وقد سُجلت أطول رحلة في القرن التاسع عشر حيث قطع مسافة 11265 كيلومتراً بين أفريقيا وإنكلترا.
  • يتنقل الحمام عن طريق الاستشعار بمجال الأرض المغناطيسي، كما يستخدم الشمس لتحديد الاتجاه.
  • يرى الحمام الألوان كما البشر إلا أنه يرى أيضاً الأشعة فوق البنفسجية.
  • يستطيع الحمام تمييز انعكاسه على المرآة، فهو واحد من ستة أنواع تملك هذه القدرة وهو النوع الوحيد من غير الثدييات.
  • يستطيع الحمام تمييز الأحرف، كما أنه قادر على الفهم والتفريق بين الصور وحتى بين شخصين موجودين في صورة واحدة.
 

إستخدامات طائر الحمام الزاجل

نظراً للقدرة الكبيرة للحمام الزاجل على العودة إلى بيته فقد استخدم لغرض نقل الرسائل، ويعود هذا الاستخدام إلى عام 2500 قبل الميلاد واستمر إلى القرن الواحد والعشرين، حيث بدايةً قام حاكم السومريين في منطقة جنوب بلاد الرافدين بإطلاق زوج من الحمام لنقل أخبار إغاثة المدينة من أعدائها، كما استخدم في الألعاب الأولمبية عام 776 قبل الميلاد، فقد اصطحب كل مشارك معه طائراً من الحمام الزاجل لينقل الأخبار إلى قريته في حال فوزه.

واستخدم أيضاً التجار الهنود والعرب الحمام الزاجل أثناء رحلاتهم إلى الصين، وقال الجغرافي اليوناني سترابو (Strabo) أن مجموعة من الطيور تم تدريبها لحمل الرسائل على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط لإخبار الصيادين المنتظرين بوصول الأسماك.

وقد أنشأ قورش الكبير (أول ملك فارسي) أول شبكة من الحمام الزاجل لنقل الرسائل، وفي عام 53 قبل الميلاد استخدم هانيبعل (قاعد عسكري فينيقي) الحمام لنقل الرسائل في معركة مودينا، كما استعمل يوليوس قيصر (قائد عسكري وسياسي روماني) الحمام أيضاً في حروبه بين عامي 58 قبل الميلاد و 51 قبل الميلاد.

استخدام الحمام الزاجل بعد الميلاد

في القرن الثاني عشر الميلادي كان الحمام الزاجل وسيلة السلطان نور الدين (أحد سلاطين السلاجقة) لنقل الرسائل من مصر إلى المدن البعيدة كبغداد، وكان مؤسس أول خدمة رسائل منظمة وصلت العديد من المدن المتباعدة، كما أرسل صلاح الدين الأيوبي رسائلاً إلى جنده أثناء حصار فرسان الهيكل لمدينة عكا، وعند سقوط القسطنطينية بيد الإيطاليين عام 1204 وصل الخبر إلى مدينة البندقية بنفس الطريقة بعد أن قطع الحمام الزاجل 1127 كيلو متراً.

في القرن التاسع عشر

وفي أوائل القرن التاسع عشر استخدمت عائلة روتشيلد الحمام الزاجل للمراسلات المالية وحققت هذه الوسيلة نجاحاً باهراً، وكانت أفضل الوسائل المتاحة وقتها، حيث درت على العائلة الكثير من المال، وفي عام 1850 اعتمدت وكالة رويترز للأنباء على الحمام الزاجل في نقل الأخبار وأسعار الأسهم، فطار الحمام بين مدينتي آخن وبروكسيل في بلجيكا وكان يقطع مسافة تقارب 1130 كيلو متراً خلال ساعتين والتي كانت تستغرق 6 ساعات باستخدام القطار في ذلك الوقت.

وفي عام 1896 أنشأت نيوزيلندا بريد جوي يعتمد على الحمام الزاجل لنقل الرسائل من نيوزيلندا إلى الحيد المرجاني العظيم (يقع شمال أستراليا وهو منطقة غنية بالثروة السمكية وصالحة للغوص) وبالعكس، وقد كانت كل حمامة تنقل 5 رسائل يومياً مقابل طابع مالي لكل رسالة.

 

استخدام الحمام الزاجل في الحربين العالميتين

ساهم استخدام الحمام الزاجل في إنقاذ أرواح الكثير من الناس خلال الحروب في مختلف الفترات والمناطق، وكما ذكرنا سابقاً فإن تجنيد الحمام لأغراض عسكرية يعود إلى زمن بعيد عن طريق حاكم سومر وهانيبعل القائد العسكري الفينيقي ويوليوس قيصر وآخرين حتى في العصور الوسطى، وتدرج هذا الاستخدام فيما بعد مع تتالي السنوات:

  • الحرب العالمية الأولى عام 1914: لعب الحمام دوراً مهماً خلال الحرب في نقل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية في مختلف أنحاء أوروبا، وبرغم الظروف الصعبة وإطلاق الأعداء للصقور لمنع وصول الرسائل إلا أن الحمام الزاجل استحق وسام الشرف في حربه، حيث أنشأ في عام 1915 فيلقين من الحمام مكونة من 15 محطة في كل منها 4 طيور وشخص مسؤول عنهم، ثم في نهاية الحرب تطورت الفكرة وأصبحت عبارة عن 400 رجل و22 ألف حمامة في 150 علية، حيث كانت توضع الرسائل في علب صغيرة تعلق بأرجل الحمام لإيصالها إلى الحلفاء، وكانت هذه الطريقة من أفلح الطرق وقتها حتى أنها فاقت التلغراف؛ (جهاز لإرسال برقيات مرمزة عن طريق النبضات الكهربائية) بالمصداقية، وفقدت بريطانيا حوالي 100 ألف طائر في حين أن القوات الفرنسية والبلجيكية خسرت 22 ألف طائر وحاز الكثير من هذه الطيور على أوسمة حقيقية.
  • الحرب العالمية الثانية عام 1939: استمر استخدام الحمام بالرغم من التطور الحاصل في تلك الفترة، وبرغم أنه لم يكن بنفس الكثافة إلا أنه لم يفقد من فعاليته فقد استخدمته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وحتى الهند وبورما، وكانت الطائرات تحمل معها زوجاً من الحمام حيث في حال سقوط الطائرة يمكن للحمام إيصال معلومات عن مكان وكيفية سقوط الطائرة، وكانت تركب الكاميرات على صدور الحمام لتصوير نقاط استراتيجية والحصول على معلومات هامة ودقيقة من معاقل العدو، حيث يتم الاستفادة من الشريط المصور في معرفة تحركات العدو.
 

الحمام الزاجل كمصدر للطعام

بعد استئناس الحمام الزاجل وبرغم استخدامه في نقل الرسائل وأثناء الحروب إلا أنه كان أيضاً مصدراً للتضحية كقرابين للآلهة والغذاء عند الكثير من الشعوب كالرومان والصينيين والمصريين القدماء، فقد وجدت قائمة مصرية تعود لعام 3000 قبل الميلاد تحوي الحمام كطبق طعام، بالإضافة لحفريات أحد القبور القديمة التي احتوت على رسم لبقايا وجبة جنائزية تحوي عظام الحمام، مما يدل على استخدام لحومه كمصدر للغذاء فيما مضى. وقد ذكرت كتب الطبخ الرومانية في القرن الأول بعد الميلاد أن الحمام كان غذاء في تلك الفترة، كذلك هو الحال بالنسبة لانكلترا في القرن الخامس.

أخيراً.. استفاد الإنسان كثيراً من تدجين الحيوانات، واستفاد منها في مختلف مجالات حياته، محققاً تكامل الأدوار بين الكائنات في الطبيعة لاستمرار الحياة.