التراث والفلكلور الفلسطيني

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأربعاء، 08 فبراير 2023

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
أغاني فلسطين: كلمات أغنية يا ظريف الطول من التراث الفلسطيني والدبكة
شاهد: فنان أمريكي من أصل عربي يعلم طفله الصغير أغنية تراثية فلسطينية
يوم التراث العالمي

يستخدم مصطلح التراث والفلكلور للتعبير عن مجموعة من الموروثات الشعبية التي تمتاز بأصالتها الثقافية وتميز ثقافة بعينها، كما ينقسم التراث إلى تراثٍ مادي كالأبنية القديمة والأثرية، وتراث غير مادي يتألف من مجموعة الآداب والقصص الشعبية إلى جانب التراث الفني من الأغاني والرقصات والأمثال الشعبية...إلخ، حيث تعتني الشعوب بتراثها المادي وغير المادي كجزء من هويتها الثقافية ويتم تأسيس جمعيات ومنظمات حكومية وغير حكومية للحفاظ على التراث الشعبي من الزوال، فما الذي يجعل التراث الفلسطيني متميزاً عن غيره؟ وما هي الأسباب التي تجعل من الحفاظ على هذا التراث جزء من النضال الفلسطيني؟.

 

التراث الفلسطيني نتيجة تراكمية لتاريخ فلسطين العريق

تعتبر فلسطين من أقدم مراكز التواجد البشري في العالم، حيث يعود تاريخ مدينة أريحا الفلسطينية إلى أكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، ويُعتقد أنَّها أقدم مدينة في العالم، كما عرفت المدن الفلسطينية حالة من الاستمرارية خلال المراحل التاريخية المتعاقبة منذ العصر الحجري وحتَّى أيامنا هذه.

هذا الامتداد التاريخي لفلسطين جعل من تراثها أكثر تنوعاً فهو نتيجة تراكمية لآلاف السنين من الحياة البشرية في تلك البقعة من العالم، كما أنَّ لفلسطين قداستها الخاصة في الديانات السماوية الثلاثة فضلاً عن كونها محوراً أزلياً للصراعات الجيوسياسية بين الممالك و الإمبراطوريات، وصولاً إلى الصراع بين السكان الأصليين والاحتلال الإسرائيلي.

كما يعتبر التراث الفلسطيني جزءاً أساسياً من هذا الصراع؛ لأنَّ التراث يعتبر جزءاً من الهوية الفلسطينية التي يحاول الاحتلال طمسها وإلغاءها منذ أنْ بدأ مشروعه الاستيطاني في فلسطين.

 

أشكال التراث الفلسطيني

كما ذكرنا؛ فإنَّ التراث ينقسم إلى جزأين رئيسيين: التراث المادي، والتراث غير المادي، أمَّا عن التراث المادي الفلسطيني فهو ما لا يمكن أن تخطئه عين، حيث لا تكاد تخلو مدينة فلسطينية من الأبنية التاريخية التي ما تزال قائمة حتَّى اليوم، كما أنَّ القدس وحدها تحتوي على مجموعة من أهم الأبنية التاريخية والدينية في العالم، إضافة إلى المساكن الأثرية التي تعتبر من التراث أيضاً، ويضاف إليها المطرزات والمنسوجات والأدوات القديمة التي تنتمي كلها إلى التراث المادي، أمَّا عن التراث الفلسطيني غير المادي يمكن أن نتتبع الأغنيات والرقصات الفلسطينية، إضافة إلى المعتقدات الشعبية والأمثال والقصص التراثية، سنستعرض معاً فيما يلي بعض ملامح هذا التراث.

 

الأزياء الشعبية الفلسطينية

تشترك عموم بلاد الشام بالعناصر الرئيسية للثياب، ويعد تصميم الثياب انعكاساً مباشراً لظروف البلاد المناخية وتلبية للقناعات والمعتقدات الاجتماعية والروحية لسكانها، لنتعرف سويا على أبرز الملابس الفلكلورية والتراثية الفلسطينية:

أزياء النساء الفلسطينيات

سنجد ثياب النساء التراثية في أغلب مناطق بلاد الشام تتألف من ثوب فضفاض وأكمام طويلة مع غطاء للرأس، وتتميز هذه الأثواب بالتطريز اليدوي الملوَّن، أمَّا الاختلافات فتكون بالشكل من حيث التطريز والرسومات ونوعية الأقمشة المستخدمة في الحياكة، كما يكون الاختلاف بطريقة وضع غطاء الرأس وألوانه.

ويتميز الثوب الفلسطيني بالتطريز الفريد من نوعه من حيث الجمالية والاتقان، كما تحتوي الأثواب الفلسطينية على مجموعة نقوش تراثية تمثل عناصر طبيعية أو هندسية يعتقد أنَّها تطورت منذ العهد الكنعاني، والثوب الفلسطيني التراثي يستخدم حالياً في المناسبات والأعراس، كما شهدت هذه التصاميم التراثية محاولات لتحديثها مع الحفاظ على صبغتها التاريخية، نذكر منها، التصاميم التي تقدمها الفلسطينية سعدية عجاج من مشغلها في رام الله، حيث تحاول أن تدمج بين التصاميم المعاصرة والتطريز التقليدي الفلسطيني.

أزياء الرجال التراثية في فلسطين

في أزياء الرجال أيضاً سنجد تشابهاً بين ثياب بلاد الشام عموماً، حيث يعتبر القمباز هو الزي التقليدي لمعظم مناطق فلسطين، وهو يتألف من ثوب مصنوع من البروكار ومفتوح من الأمام، غالباً ما يكون مذهَّباً أو مقلَّماً بالأبيض والأسود، كما يقوم الرجل بوضع حزام على خصره لتثبيت القمباز ويكن هذا الحزام من القماش المطرز أو من الجلد، ولا ننسى (الشروال أو السروال) تحت القمباز، كما كان الفلسطينيون يستخدمون هذا القمباز في المناسبات وفي الحياة اليومية، لكن قمباز المناسبات يكون أكثر جودة وشياكة، أمَّا الآن فيعتبر القمباز من الثياب التراثية التي تستخدم في الحفلات والأعراس ومجموعات الدبكة.

كذلك يعتبر غطاء الرأس للرجال من بين الأزياء الأكثر شهرة في بلاد الشام والخليج العربي، لكن التمييز بين أشكال هذا الغطاء لا يعد أمراً سهلاً فلكل منطقة نقش خاص ولون محدد إضافة إلى اختلاف الأسماء (حطَّة، كوفية، سلك، شماخ..إلخ)، فيما تعتبر الحطَّة الفلسطينية أكثر من مجرد غطاءٍ للرأس فهي رمزٌ من رموز النضال الفلسطيني.

 

تمثل الحطَّة الفلسطينية الرمز الأكثر انتشاراً للمقاومة

ارتبطت الكوفية الفلسطينية بالنضال الشعبي الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين، حيث بدأ الشعب الفلسطيني مقاومة خطر الهجرة اليهودية والتعديات المتتالية على المقدسات الفلسطينية في ظل الاحتلال البريطاني، ونذكر من هذه المحطَّات ثورة البراق عام 1929، والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، حيث كان المناضلون الفلسطينيون يتلثمون باستخدام الكوفية؛ ما جعل الاحتلال البريطاني يصدر أمراً باعتقال كل من يضع الكوفية، فصدر أمر عن قيادة الثورة الفلسطينية أن يرتدي الكوفية جميع أبناء الشعب الفلسطيني من مدنيين (أصحاب الطرابيش) وفلاحين.

واستمر هذا الرمز حاضراً في نضال الفلسطينيين بعد النكبة ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وبدء الكفاح المسلح، كما لعب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات دوراً مهماً في ترسيخ هذا الرمز من خلال إصراره على ارتداء الكوفية والعقال الفلسطينيين مع الزي العسكري، فضلاً عن كون الكوفية هي الرمز الأكثر حضوراً لمناصري القضية الفلسطينية حول العالم، كما كانت رمزاً متميزاً خلال الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية.

يوم للكوفية الفلسطينية

تتميز الكوفية الفلسطينية باللون الأبيض والأسود مع نقوش واسعة، وهي مشتركة مع بعض القرى في بلاد الشام بنقوش مختلفة اختلافات طفيفة، لكن قيمة الكوفية في مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية تمثلت باعتبار يوم الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوماً للكوفية الفلسطينية، وهذا التاريخ هو تاريخ إعلان استقلال فلسطين عام 1988 أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

 

الدبكة والأغاني التراثية في فلسطين

تتميز الأغنيات الشعبية عموماً بكونها مجهولة المؤلف، حيث يتم ترديد اللحن وتناقله شفوياً من جيل إلى جيل حتى يصبح هذا اللحن ملكية عامة لأبناء الثقافة التي أنتجته، وتشترك بلاد الشام بموروث غنائي متشابه إلى حد التطابق أحياناً، فأشهر الأنماط الغنائية التراثية في فلسطين هي العتابا والميجانا إضافة إلى السحجة والدحيَّة والدلعونا، وجميعها متشابهة مع الأنماط الغنائية الشعبية في الأردن وسوريا بشكل أساسي، ومع بعض الأنماط اللبنانية، فيما تختص فلسطين بنوعين غنائيين متميزين، هما الجفرا وزريف الطول، والتي يعتقد أنَّها أغنيات حديثة نسبياً تمت كتابتها وتلحينها مع نهايات القرن التاسع عشر حتَّى منتصف القرن العشرين.

كما ساهمت إعادة إنتاج هذه الألحان مع كلمات جديدة في انتشارها أكثر، حيث استخدم المغنون الفلسطينيون أغنية الجفرا مع كلمات ثورية، كذلك أغنية زريف الطول والدلعونا وغيرها، منها ما قدمته فرقة العاشقين، كذلك ما قدمه أبو عرب المغني الفلسطيني المشهور، يمكنك التعرف أكثر على الأغنيات الفلسطينية من هنا.

الدبكات والرقصات الفلسطينية

يتميز توزيع الألحان الشعبية الفلسطينية بسيادة الآلات النفخية (المجوز واليرغول والشبَّابة) إضافة إلى الطبل وآلات الإيقاع الأخرى، كما تترافق هذه الألحان مع رقصات ودبكات متنوعة لكل منها، فهناك الدبكات ذات الخطوات السريعة (الكرادية) إضافة إلى دبكة الدلعونة، ورقصة السحجة أو الدحيَّة وهذه الأخيرة يجتمع فيها المشاركون في فريقين متقابلين يتبادلون الغناء والتصفيق بإيقاع معين، حيث كانت تستخدم هذه الرقصات والدبكات في الأعراس والاحتفالات، لكنها اليوم تشكل جزءاً أساسياً من النضال الفلسطيني والتعبير عن التمسك بالهوية الفلسطينية.

 

الأمثال الشعبية الفلسطينية

الأمثال الشعبية غالباً ما تكون مجهولة القائل أيضاً، ويتم تناقلها من جيل إلى آخر بشكل شفوي، فعلى الرغم من وجود عشرات المؤلفات التي توثق الأمثال الشعبية إلَّا أن التناقل الشفوي ما زال هو الناقل الفعلي لهذا الشكل من أشكال التراث.

كما يمكن تتبع قصص بعض هذه الأمثال، منها مثلاً القول الفلسطيني (برضو راكب) والذي يستخدم للدلالة على العناد والإصرار، فهذا المثل كما يروي مركز المعلومات الفلسطيني (وفا) مستمد من قصة اعتقال الشيخ حامد أحد قادة ثورة عام 1936، حيث بحث عنه جنود الاحتلال البريطاني طويلاً في القرى حتَّى وجدوه في منزل من منازل قرية معلول، لكنَّه رفض أن يسير معهم (وكان الشيخ حامد ضريراً) فاضطر أحد الجنود الإنجليز أن يحمله على ظهره، فقال الشيخ حامد: برضو راكب.

ومن الأمثال الفلسطينية المشهورة:

  • عدو جدك ما بودك لو عبدته مثل ربك.
  • الغربة كربة والهم للركبة.
  • نباح الكلب ما بيأثر بالسحاب.
  • لو عكا بتخاف من هدير البحر ما سكنت حِداه.
  • ابن أمي ذهب بكمي.
 

مؤسسة "صامد" النضال من أجل التراث

عام 1970 أصدرت اللجنة المركزية لحركة (فتح) قراراً بإنشاء مؤسسة "صامد" واسمها الكامل (جمعية معامل أبناء الشهداء - صامد)، حيث يذكر أحمد أبو قريع أحد مؤسسي "صامد" في كتابه (صامد، التجربة الإنتاجية للثورة الفلسطينية):

"التراث ليس لحظة وليدة مسروقة من عمر الزمن، أو خلسةً منه، وليس نبتة وحشية ينمو على ضفاف الأسطورة، فالتراث يقوم على جدارين صلبين، جدار الزمان وجدار المكان. وتراث شعبنا الفلسطيني يحقق أصالته بتمكنه من هذين الشرطين المتجادلين..."

حيث تحملت مؤسسة صامد جزءاً كبيراً من عبء الحفاظ على التراث الفلسطيني في مواجهة المحاولات المستمرة لطمس الهوية الثقافية الفلسطينية، وكان ذلك من خلال إنشاء مشاغل متخصصة في تصنيع المطرزات الفلسطينية والصناعات الحرفية التراثية، والمشاركة بالمعارض الدولية من خلال عرض وبيع هذه المنتجات إلى جانب منتجات أخرى تم تصنيعها في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد أقامت المؤسسة الكثير من المعارض حول العالم أبرزها في اليابان والبرازيل وفنلندا، إضافة إلى النمسا وإيران، إضافة إلى عدَّة معارض دائمة في دول الشتات الفلسطيني التي تخصصت بعرض وبيع منتجات التراث الفلسطيني المختلفة والتي يقوم على تصنيعها عمال متخصصون ضمن مشاغل المؤسسة كمعرض بغداد ومعارض بيروت.

ختاماً... ما يزال هناك العديد من عناصر التراث الفلسطيني التي يسعى الشعب الفلسطيني للحفاظ عليها، كما أنَّ بعض هذه الرموز اكتسبت صفة التراثية لقيمتها في مسيرة النضال الفلسطيني على الرغم من حداثتها، ربما يكون أبرزها "حنظلة" تلك الشخصية الكاريكاتورية التي ابتكرها الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي، إضافة إلى المفتاح الذي يعبر عن التمسك بحقِّ العودة، وغالباً ما يتخذ شكل المفاتيح القديمة التي كانت موجودة في فترة النكبة ولم تعد مستخدمة في عصرنا هذا، ولا ننسى الجهود الجماعية الرامية للحفاظ على التراث الفلسطيني من خلال تنظيم المعارض والحفلات، إضافة إلى الجهود الفردية في البحث والتوثيق.