;

نعرف أشكالهم.. علي الشريف الشيوعي حفيد الحسين من الاعتقال للنجومية

  • تاريخ النشر: الأربعاء، 27 نوفمبر 2019
نعرف أشكالهم.. علي الشريف الشيوعي حفيد الحسين من الاعتقال للنجومية

نستكمل معكم سلسلة حلقات فنانون نعرف أشكالهم ولا نعرف قصتهم، أو أشهر كومبارسات في تاريخ السينما المصرية، اختار ما شئت فمهما كان اختيارك فهم حفظوا بأدوارهم الصغيرة وجملهم القصيرة مكاناً خاصاً في ذاكرة المشاهد وتاريخ السينما المصرية، وحلقتنا اليوم عن الفنان علي الشريف، نستعرض فيها عدداً من جوانب حياته الفنية والشخصية وكيف بدأ التمثيل واحترفه وحفظ لنفسه مكاناً خاصاً في ذاكرتنا عاش إلى يومنا هذا رغم وفاته.

بملامحه الجادة وصوته الأجش وبنيانة القوي الذي يدل على قدرته في اخضاع من حوله لأوامره عرفه الجمهور بتلك المنح الربانية، ولم يخرج من عباءة الشر إلا قليلاً، ورغم أدواره القصيرة في أكثر من 170 عمل فني، إلا أنه ترك في كل عمل بصمة لا تتكرر، لم يكن اللافت في علي الشريف ملامحه الغليظة وصوته الأجش فقط؛ بل أداؤه الذي ينساب عفوياً عميقاً يتصل في تفاصيله بكل عناصر العمل الفني، يتفاعل معها في تناغم فيكمل ويضيف ويتجاوز حدود المألوف.

ولد علي الشريف في 23 يونيو 1934، بالمملكة العربية السعودية، التي تركها بعد ذلك متجهاً إلى العراق مع عائلته ثم بريطانيا ومنها إلى مصر.

التحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة لكنه لم يكمل دراسته بها وانتقل إلى كلية التجارة ليتخرج منها عام 1965، وعمل موظفاً بأحد البنوك، تزوج من خضرة محمد وأنجبت له ثلاث أبناء وثلاث بنات، انضم مبكراً للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني

خلف ملامحه الضخمة وصوته الأجش وجسمانه القوي، أخفا الشريف كنزاً من الرقة والتضحية والإخلاص والطيبة.

بدأ حياته الفنية بالصدفة، وكأن القدر قد لعب لعبته معه ليصبح أحد نجوم تاريخ السينما المصرية رغم قلة مشاهده، وعن أول مشاركاته السينمائية مع المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم "الأرض" جمعته صدفة بشاهين عند أحد الأصدقاء، وقتما يبحث المخرج عن ممثلين لفيلم الجديد، فنظر إلى شكل الشريف وكأنه وجد ضالته، على الفور اصطحبه إلى معهد التمثيل وأجرى له اختباراً سريعاً .. قال له بعدها: أهلاً دياب وهو أحد شخصيات فيلم الأرض، ولم يكن الشريف يعلم عن الفيلم شيئاً، ولم يكن شاهين يعلم أن الشريف اكتسب موهبة التمثيل أثناء فترة اعتقاله بالواحات.

أعظم أدوار على الشريف لا تتجاوز عدة مشاهد في كل فيلم، القصة الأروع هي رحلة حياة هذا المناضل اليساري النبيل الذي قضى مبكرا ست سنوات من عمره في معتقل الواحات ذاق فيها من صنوف العذاب ما يجل عن الحصر. ذلك الشاب العشريني الطالب في كلية الهندسة جامعة القاهرة، المسكون بمعاناة الناس وأحلامهم، المؤمن بوحدة أمته وقدرتها على المواجهة، يترك أبواب المستقبل المشرعة على أحلام هي قيد التحقق؛ لينخرط في العمل السياسي؛ ليكون عضوا بارزا في أحد التنظيمات اليسارية، ثم متهما بقلب نظام الحكم، ثم أسيرا للعتمة والنوافذ المغلقة لليال سوداء طويلة هي أطول من أن تُحصى.. لكن نفس الشريف وهمته العالية كانت أكبر من كل ذلك، روحه عصية على الانكسار، قلب هو الأمل مكتملا فلا يخالطه قنوط، حتى أنك لتخاله هازئا من نوائب تنهد لها الجبال.

يرى النقاد أن الشخصية هن من اختارته ولم يكن اختيار المخرج، بل إن الشخصية رسمت على صورة الشريف قبل البدء في إنتاج الفيلم بسنوات، أثناء تلك السنوات الحالكة في معتقل الواحات كتب السينارست حسن فؤاد سيناريو رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، بينما كان الرفاق يقدمون عروضاً مسرحية لنعمان عاشور وصلاح عبد الصبور، في تلك الأيام "قيراطان من طين مصر استويا رجلاً" هكذا قال حسن فؤاد عن الشريف لـ"شاهين" عندما كانا في انتظار بطلنا الذي ما إن أطل حتى استقبله "شاهين" مرحباً: أهلاً دياب.

تنفس الشريف دوره الأول ولم يؤديه كباقي زملاءه في الفيلم فهو من نال النصيب الأكبر من الإشادة بعد محمود المليجي، توالت الأدوار عليه بعد مشاهده القليلة العبقرية في الأرض.

يرى النقاد أن الشريف كان يؤدي أدواره بعفوية وبساطة مبهرة لأنه رآها في الحقيقة كثيراً وتأملها بعمق وخبر صدقها الإنساني ومحنتها الكبرى في عالم لا يعرف الرحمة.

قدم خلال مسيرته الفنية أكثر من 170 عمل فني، أغلبها كان يؤدي دور المعلم أو الشرير لبراعته في تلك الأدوار، لكن علينا ألا ننسى بكري في فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" فهو الشريف بشحمه ولحمه الذي حاول طوال الوقت الهروب من عذابه إلى حياة جديدة يزرع فيها الود أينما حل، وهو أيضا "شمشون" في جانبه المضيء الذي يتعاطف مع البطل المقهور، يعتبره ابناً له ويورثه ماله، لكنها تركة القهر والحزن المقيم الذي لا ينتهي في "حب في الزنزانة".

أهم أدواره كانت في أفلام: "الأرض، العصفور، عودة الإبن الضال، وداعاً بونابرت، آخر الرجال المحترمين، الأفوكاتو، أفواه وأرانب، حب في الزنزانة، المتسول، الكرنك، على من نطلق الرصاص، فجر الإسلام الكداب، الكيف، كراكون في الشارع، واحدة بواحدة، المحظوظ، المعلم متولي، المشبوه، الإنسان يعيش مرة واحدة، رجب فوق صفيح ساخن، يوم الأحد الدامي، ليل وقضبان".

من ينسى دوره في فيلم العصفور، فقد جسد شخصيته الحقيقية، فهو الشيوعي المتدين المثقف، من لا يترك فرضاً ولا ينسى قراءة كتب سارتر ويقدر الديالكتيك ويبكي عبدالناصر يوم وفاته.

لن نتحدث كثيراً عن شخصياته التي جسدها فالحديث عنها يطول ويحتاج لسلسلة حلقات أخرى.

رغم أن طلته لا توحي أبداً بأنه رجلاً مثقفاً ويبدوا عليه ملامح الجهل، إلا أنه كان مثقفاً للغاية ومناضلاً اعتقل عدة مرات بعد انتمائه للحزب الشيوعي المصري منذ تأسيسه، وشارك في مظاهرات ضد الملك فاروق أخر ملوك أسرة محمد علي، واستمر نضاله بعد إزاحة الملك ونجاح ثورة 1952، واعتقل في 1956 بتهمة قلب نظام الحكم، حيث كان عضواً نشطاً في حركة "حدتو" التي سعت لإزاحة عبدالناصر عن الحكم.

قضى أول فترات اعتقاله في سجن القلعة قبل أن ينقل إلى سجن الواحات، عقب خروجه من المعتقل، ظل محروماً من حقوقه السياسية حتى وفاته، فلم يستطع الإدلاء بصوته في أي استحقاق انتخابي، ولم يستطع الانضمام لأي حزب لممارسة العمل السياسي الذي ظل شغوفاً به حتى رحيله، في 1987. 

داخل المعتقل تعرف على عدد من النجوم والمثقفين منهم أحمد فؤاد نجم، وعبدالمنعم سعودي، والسيناريست حسن فؤاد، وفؤاد حداد، والشيخ إمام، وبوجود هؤلاء المبدعين دشنوا مسرحاً رومانياً داخل المعتقل.

شارك مع الزعيم عادل إمام في عدة أفلام واعتبره الزعيم تميمة حظه وربط مشاركته في عدد من الأفلام بتواجد الشريف أمامه على الشاشة.

رحل عن عالمنا في 11 فبراير 1987 عن عمر ناهز الـ53 عاماً، وتروي زوجته اللحظات الأخيرة في حياته، قائلة: "كان يستعد لافتتاح مسرحيه علشان خاطر عيونك وكان آخر يوم للبروفات والتالي هو يوم عرضها وبعد أن أنهى البروفة عاد للبيت ومعه كتاب استشهاد سيدنا الحسين وجلس يقرأ فيه حتى الفجر ثم صلى وقال لي إنه متعب بسبب القولون لأنه انفعل مع الكتاب ومع أحداث مقتل الحسين وبعدها بدء يزداد تعبه وعرق كثيرا فقلت له لنذهب إلى الطبيب ونحن نستعد لذلك قال لي لن نذهب وخلى الولاد ميروحوش المدرسة النهاردة ولا انت تروحي الشغل لأني هموت بعد شوية".